تقول الحكمة العربية الشهيرة "على قدر المحبة يأتي العتاب"، وعلى المنوال ذاته، يمكن القول إنه على قدر محبة الملايين حول العالم للكاتب الأشهر صاحب الشعبية الطاغية غابرييل غارسيا ماركيز، تأتي المخاوف المشروعة من خدش إرثه الأدبي بنشرعمل غير مكتمل له، ولم يأخذ حقه في مراجعة وتنقيح المسودة بعد سنوات على رحيله.
طفا هذا الهاجس على السطح، مؤخرًا، بالتزامن مع الإعلان عن طرح رواية " نلتقي في أغسطس" لماركيز، والتي تُنشر للمرة الأولى، بمناسبة الذكرى العاشرة لرحيله.
وأعلنت دار "راندوم هاوس" الإنجليزية الشهيرة أن العمل سيكون متاحًا أيضًا بالفرنسية عبر دار نشر " جراسي"، كما أن النسخة الأصلية الصادرة بالإسبانية ستكون متاحة في جميع الدول الناطقة بالإسبانية باستثناء المكسيك.
قصص غرامية
ويحكي العمل القصير الذي يقع في 150 صفحة، قصّة سيدة على مشارف الشيخوخة تُدعى "آنا ماجدلينا باخ" اعتادت على زيارة قبر والدتها في إحدى الجزر الاستوائية لتقصَّ عليها قصصها الغرامية التي أقامتها مع عدد من العشاق وهي متزوجة.
وكان ماركيز قرأ على الحضور في " بيت أميركا " في مدريد، العام 1999، مقطعًا من قصة قصيرة، وقال إن تلك القصة ستكون نواة رواية ستحمل عنوان " نلتقي في أغسطس" وكان عمره آنذاك 72 عامًا، إلا إنه انشغل بكتابة مذكراته "عشت لأروي" التي صدرت، العام 2002، ثم أنجز آخر رواياته " ذاكرة غانياتي الحزينات" التي صدرت، العام 2004، قبل أن تتدهور حالته الصحية ليرحل، في العام 2014، عن عمر ناهز 87 عامًا.
من أجواء القصة
"عادت إلى الجزيرة في السادس عشر من أغسطس على متن الباخرة الصغيرة التي رست على رصيف الميناء في الثالثة بعد الظهر، كانت ترتدي قميصًا، يحمل رسوم مربعات إسكتلندية، وسروال جينز، وتنتعل حذاءً بسيطًا من غير جوارب، وتحمل مظلّة قماشية وحقيبة بحرية صغيرة. ولمّا بلغت طابور سيارات الأجرة على ناصية الرصيف، توجهت مباشرة إلى سيارة قديمة كان الصدأ أطبق عليها بسبب تعرّضها الدائم لماء البحر المالح. استقبلها السائق بعبارات تدلّ على معرفة قديمة بينهما، وانطلقت بهما السيارة في شوارع القرية المكسوّة بالتراب الأبيض بين المنازل المسقوفة بسعف النخيل والمطلّة على بحر متقد تحت نور الشمس الغاربة".
الكل متشوق بالطبع لقراءة العمل الذي ستسارع كبريات دور النشر العربية إلى التسابق للحصول على حقوق ترجمته لتحظى بعمل جديد للفائز بـ" نوبل" 1982، ومؤلف الأعمال الملحمية التي تتسم بالعذوبة، والسخرية، والمفارقات الإنسانية، وتتجلَّى فيها مدرسته الأثيرة " الواقعية السحرية"، كما في "مئة عام من العزلة" و "الحب في زمن الكوليرا".
سياق خاص
وتكمن المخاوف من حقيقة أن "ماركيز" كان مشهورًا بتدقيقه الشديد في أعماله قبل ظهورها إلى النور، حتى أنه كان يراجع مخطوطة النص، ويعيد كتابتها أكثر من 10 مرات حتى يصل إلى "الرضا النسبي"، وهو ما لم يحدث مع الرواية الجديدة بسبب إصابته بالخرَف، حتى أنه لم يكن ليتعرَّف على أحد خلال سنواته الأخيرة.
ولم يقدم الورثة ما يبعثُ على طمأنة القراء، مثل: الإعلان مثلاً عن لجنة من كبار المتخصصين في أدب ماركيز لمراجعة النص، وبيان اكتماله من عدمه، أو على الأقل تقديم الكتاب على أنه "مخطوط غير مكتمل" تجب قراءته في سياق خاص، وعدم الحكم عليه باعتباره يمثّل جوهر وروح كتابة أشهر أدباء أمريكا اللاتينية في القرن العشرين.
وفي خضم الإعلان عن الرواية الجديدة، ثمة أسئلة تطرح، من قبيل: هل توجد شبهة البحث عن عائد مادي من جانب الورثة؟ هل مارست دور النشر التي ستطبع العمل ضغوطًا وإغراءات، أم أن الأمر محض وفاء وتكريم؟ هذه مجرد عينات من تساؤلات تُطرَح همسًا أو علانية، والإجابة متروكة للزمن.