"اسمي زيزفون".. عدسة مكبرة على تحولات المجتمع السوري

"اسمي زيزفون".. عدسة مكبرة على تحولات المجتمع السوري

تحلل الكاتبة السورية سوسن جميل حسن، برؤية أدبية، معايير المجتمع السوري منذ ستينيات القرن الماضي، حيث التحولات والتغيرات والثوابت، والصراع الطائفي، والحرب الداخلية، وانعكاسات ذلك على المجتمع السوري، وخاصة المرأة، في روايتها "اسمي زيزفون" الصادرة عن منشورات الربيع، والمتأهلة للقائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية 2023.

وترتكز أحداث السرد حول شخصية أنثوية وهي "زيزفون"، التي تعاصر تحولات المجتمع السوري اجتماعيا وفكريا منذ خمسينيات القرن الماضي، حيث توصف حال القرى الصغيرة، وطريقة تعاطي المجتمع مع تفاصيل المرأة الصغيرة.

خاضت زيزفون في خريف عمرها، حربا جديدة مع الطائفية، حيث اتهمت بأبشع الألفاظ، لأن موقفها، وقت الثورة السورية، كان يميل لأحد الجانبين.

وتمر شخصية زيزفون المتمردة على نقاط مفخخة في مدار القناعات والعادات الاجتماعية في القرى السورية، مبينة أن المرأة تعيش في صندوق أسود، يمتلئ بالحكايات والقصص الموجعة.

بؤر صراع

وتسرد الكاتبة سوسن حسن، بؤر الصراع الذاتي للمرأة مع المجتمع، تلك النقاط التي تُفصّل أجزاء المأساة مع القمع والخضوع الاجتماعي، وتؤسس لصراع مشحون بين الهوية الذاتية من جانب، والهوية الاجتماعية من جانب آخر.

تلك المساحة من السرد، تفرد مربعات شبكة الذات، كما لو أنها خارطة، ممتلئة بالألغام، ولطالما تعمل على ذر الأسئلة الموجعة، والتقاط نقاط التماس ما بين الواقع والخيال، وبين ما كان وما كان يجب أن يكون، فتحولت شخصية زيزفون إلى مشروع أدبي فكري ناقد للعادات الاجتماعية، عبر تمرير تجربة الصراخ الداخلي، على شاكلة المونولوج خلال 300 صفحة من القطع المتوسط.

تمرد

زيزفون التي بدأت رحلة التمرد منذ صغرها، فكانت منقلبة على اسمها المسجل في الوثائق الرسمية، فأخفت بيدها اسم جهيدة، وأظهرت للعالم، بالأخرى اسم زيزفون.

أخبار ذات صلة
"مسير ونُثار".. رواية تونسية تغوص في قضايا وجودية فلسفية بلغة شعرية

وأكملت زيزفون مسارها الثوري، عبر سحق قناعات الطوائف في بلدتها حينما أقدمت على إحراق مزار أبو طاقة بالنار؛ لأنها كانت متيقنة من أن ذلك لن يلحق بها الأذى، لكن استمراره بين الناس، هو الذي يفعل ذلك.

توزيع الألم

لربما كانت فعلة زيزفون، انتقاما شخصيا من طائفة بأكملها، عبر توزيع رقعة الألم، وقلب السحر على الساحر، فأحرقت قناعاتهم بالنار؛ لأن تلك القناعات ذاتها، هي من رجمتها بالتهمة، والجرم، حول علاقة بمدرسها الشامي، معتنق قناعات الطائفة المغايرة، خلال طفولتها.

كما وخاضت زيزفون في خريف عمرها، حربا جديدة مع الطائفية، حيث اتهمت بأبشع الألفاظ، لأن موقفها، وقت الثورة السورية، كان يميل لأحد الجانبين، فكان على الشق الآخر من الحكاية هنالك من يرميها بالطوب، ويحظر عليها أن تبدي رأيها الخارج عن حدود طائفة بعينها، كما وجسدت خلال هذا ويلات الحرب على المرء السوري.

تأتي لحظة الاقتراب من الموت لدى زيزفون، لتعيد تشكيل اللعبة من جديد، فبعد الحياة الطويلة، تخشى على ذاكرتها من الضياع.

فالشخصية المرسومة بجدية من قبل الكاتبة، ترتكز على دحر التبعية والخضوع، والتمسك بالقناعات التي تشد المجتمع نحو الهاوية والتحجر الفكري، إذ إن زيزفون كانت تبحث عن الحياة ومعناها، كأنها موج بحر يتجسد بالتحول، لا الثابت الميت، الذي يتحول إلى مقبرة للحياة، مع مرور الوقت، والتوارث بين الأجيال.

مربعات أخرى داخل الذات

إن السرد بهذه الطريقة المشحونة بالمشاعر والصوت الداخلي للمرء، يعزز من ارتباط القارئ بالشخصية، ويكسبها مساحة الجسد والصفات، ومربعات أخرى يمكن التقاطها داخل الذات، عبر التشاركية في المشاعر، وتبادل الأثر، فجاء بناء الهيكل الروائي لينحت شخصية واحدة تقول كل شيء، ومن ثم تفككه، لتملأ الوعي البعيد بالأسئلة.

الكتابة

وتأتي لحظة الاقتراب من الموت لدى زيزفون، لتعيد تشكيل اللعبة من جديد، فبعد الحياة الطويلة، تخشى على ذاكرتها من الضياع فتقول الكاتبة: "قدحت الشرارة في بالي وعزمتُ على الكتابة، لا لشيء، وإنما للإمساك بالذاكرة قبل أن تذوي وتغور كما الماء في رمال العمر، ولأبحث عن سؤالي المؤجّل ربّما ألاقي جوابًا متأخّرًا له. المهم أن أكتب".

أخبار ذات صلة
في رواية "العاوون".. نزعة الإنسان إلى الحرية

فتكون الكتابة هي النهر الذي تمضي الأشياء من خلاله فيما بعد، حيث تضارب الأحداث، واستعادة المواقف التي تدعو للحسرة والخذلان، وتلك الحالة من الحزن المفرط على عمر ضاع في ظل التبعية للقوالب والأصوات الثابتة.

عنف

وتبين الكاتبة خطى العنف الجسدي والنفسي، الذي تواجهه المرأة في جنبات المجتمع، ودخولها لمختبر من الاتهامات والشتائم، فقط لأنها أرادت اختيار طريقة حياتها، بالشكل الذي تفضله.

كما وتتنقل خلال السرد وكأنها تلصق "ستكرات" على لوح كبير، إلى مناطق مختلفة من التشوهات التي تحملها المرأة خلال مجرى حياة كاملة، مع مجتمع يضع الحدود حولها، ويجعلها دائما في مؤخرة الصفوف، فيقدم الأخ على حرمان زيزفون من ميراثها من مال أبيهما، وهي من عطلت قطار حياتها وفضلت أن تبقى في خدمته خلال مرضه.

تبدو اللغة التي قدمت من خلالها الكاتبة السرد، مختلطة ما بين الفصحى والعامية السورية.

انتحار

وخارج حدود شخصية زيزفون، تستعرض الكاتبة إشكاليات اجتماعية أخرى، إذ تأتي بعواطف الأخت، التي انتحرت في ملاوة عمرها، حفاظاً على شرفها، حين هاجمها مدير المعهد التعليمي المنتسبة له، لتدلل على الفساد الأخلاقي، كما وتعرضت للمحسوبية والرشاوى في مواقف أخرى، وجسدت الكاتبة كذلك تبعية المشاعر، مركزة على تلك الفجوة ما بين مشاعر الإنسان الصادقة والحياة.

تكتب سوسن حسن: "لا خلاص لبلدنا طالما هو محكوم بالآليات نفسها من الخوف والقمع والفساد، صار الناس متخندقين في الماضي، ومع كل مجزرة تزداد اللهفة إليه والعيش فيه".

لغة بروح شاعرية

تبدو اللغة التي قدمت من خلالها الكاتبة السرد، مختلطة ما بين الفصحى والعامية السورية، وقدمت من خلال ذلك كلمات من الأصول الريفية السورية مثل كلمة "الدست" وهو أحد أدوات الطبخ النحاسية، وكانت اللغة سلسة واضحة، قريبة من الذات مع امتلاكها روحاً شاعرية، من خلال تأملات التفاصيل الصغيرة، بين الشخصية البطلة، وعلاقاتها بالمكان والزمان والشخصيات، فتقول عن ذكرياتها مع أمها:" الآن بعد أن داعبني الموت انتعشت في خاطري مثل حبقات أمي التي كانت ترشرشها بكفّيها بعد أن تسقيها فتغرف بخفة حفنة من السطل وتنفض يدها فوق الحبقة وتداعبها فتفوح الرائحة لتختلط مع رائحة العبيتران والقرنفل والفلّ البلدي، ثم ترشرش الماء فوق الأرضية المتربة تحت العريشة وأمام البيت أو الدكان".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com