من "عزيز" إلى "تهديد وجودي".. كيف تحولت علاقة ماكرون ببوتين؟
تسارعت الأحداث بين باريس وموسكو فجأة في الأسابيع الأخيرة، مع تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المثيرة للجدل بشأن إمكانية إرسال قوات غربية للمشاركة في القتال إلى جانب أوكرانيا، بحسب قناة "فرانس 24" في نسختها الفرنسية.
وكان الرئيس الفرنسي أول زعيم غربي أعلن عزمه كسر الحظر المفروض على إرسال قوات إلى أوكرانيا، وسط تساؤلات ما إذا كان هذا التصعيد سيبقى مقتصراً على الخطابات فقط.
وبعدما كان ماكرون، قد وصف نظيره الروسي فلاديمير بوتين سابقا بـ "العزيز فلاديمير"، اعتبره في الآونة الأخيرة "تهديدا وجوديا".
ففي عام 2018، عندما التقى ماكرون ببوتين في سانت بطرسبرغ، العاصمة الإمبراطورية في العصر القيصري ومسقط رأس الرئيس الروسي، خاطبه باسم "عزيزي فلاديمير"، في إشارة إلى علاقات بلاده التاريخية مع روسيا، ودعا البلدين إلى التطلع إلى ما هو أبعد من ذلك.
ومع تشديد ماكرون نبرته حيال روسيا حاليًّا، تساءل خبراء تحدثوا لـ "إرم نيوز"حول مآلات التصعيد بين موسكو وباريس.
تحول تاريخي
تاتيانا ستانوفايا، المحللة السياسية الروسية المقيمة في فرنسا، أشارت إلى التحول في سياسة ماكرون تجاه موسكو، لافتة إلى أن زيارته روسيا كانت قد مثلت "حدثا مهمًّا".
وأضافت ستانوفايا أنه منذ سيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم من أوكرانيا وضمها قبل أربع سنوات، تجنب الزعماء الغربيون إلى حد كبير لقاء بوتين، مع قصر الرئيسين الأمريكيين باراك أوباما وترامب اتصالاتهما الشخصية على هامش التجمعات الدولية الكبرى، فيما ووافق ماكرون على زيارة روسيا بعد دعوة بوتين عام 2017.
وتابعت: "تغير الوضع تماما، فقبل جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية عام 2017، ضد زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبن، منع ماكرون وسائل الإعلام الحكومية الروسية من حضور فعالياته لنشرها الأكاذيب"، وفق قوله.
قوة نووية
من جانبه، قال الباحث السياسي في معهد جنيف الدولي للبحوث السلام، جيل إيمانويل جاكيه، إنه "منذ بداية الصراع (مع أوكرانيا)، ردت روسيا على تصريحات القادة الأمريكيين والفرنسيين الذين تحدثوا أيضًا عن وضعهم كقوة نووية".
وأضاف جاكيه لـ"إرم نيوز": "لقد أطلقوا هذه التصريحات التهديدية في البداية، ثم ردت روسيا، مذكّرة أيضًا بمبادئ عقيدتها النووية والشروط الصارمة لاستخدام هذه الأسلحة".
وأوضح أنه "منذ بداية الصراع، كانت روسيا تشير إلى خطر التصعيد النووي. ومن الممكن أن يؤدي انتخاب الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب إلى تغيير في الصراع وخفض التصعيد، أو إلى سياق أكثر ملاءمة للمفاوضات".
وأشار إلى تحذير بوتين الأخير لباريس بقوله في خطاب بعد فوزه في الانتخابات الأخيرة، "أود ألا تلعب فرنسا هذا الدور الذي لا يؤدي إلا إلى تفاقم الصراع، بل أود أن تفعل شيئا لإيجاد حلول سلمية. يمكن لفرنسا أن تلعب هذا الدور، ولكن لم نفقد كل شيء بعد".
تحذير روسي
من جانبه، قال الباحث السياسي الروسي المتخصص في العلاقات الدولية ديمتري بريجع، إن التحذير الروسي رسالة واضحة لفرنسا والغرب بأن روسيا سوف تدافع عن الأمن القومي.
وأضاف بريجع في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن تصريحات بوتين تكشف أيضاً أن موسكو ستبدأ عملية واسعة النطاق في الداخل الأوكراني في الأشهر المقبلة، لإنشاء منطقة آمنة في العمق الأوكراني والسيطرة على المزيد من المناطق، مشدداً على أن تصريحات بوتين رسالة قوية لفرنسا والغرب.
وفي خطاب إعادة انتخابه، حذر بوتين من أن التوغلات في كييف، واستخدام الأسلحة الغربية بعيدة المدى لضرب الأراضي الروسية قد تجبر بلاده على إنشاء منطقة عازلة توصف أيضاً بأنها منطقة آمنة.
طرق التسوية
من جهته، قال المستشار القانوني للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي، أوليفييه دوزونان اقتراح بوتين إنشاء منطقة صحية/أمنية يمكن أن يفتح الطريق أمام تسوية".
وأشار الخبير الأممي إلى أنه يتم تصور هذا السيناريو في سياق يمكن فيه لحلف شمال الأطلسي أن يتدخل بشكل تقليدي في أوكرانيا من خلال تحالف ربما يكون بقيادة فرنسا والمملكة المتحدة وبولندا، وبمشاركة متوقعة من دول البلطيق.
أما عن مخاطر اندلاع الحرب العالمية الثالثة، فقد اعتبر الخبير الأممي في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن إمكانية تحقق هذا السيناريو سوف تتزايد بشكل خاطئ ما لم يتم التوصل إلى تفاهم ضمني بين حلف شمال الأطلسي وروسيا بشأن حدود تدخل كل منهما.
وأضاف: هنا تكمن أهمية اقتراح بوتين بإنشاء منطقة آمنة في أوكرانيا؛ لأن التسوية قد تتمثل في قيام القوات المسلحة الأوكرانية بتنظيم انسحاب منظم قدر الإمكان إلى ما وراء نهر الدنيبر إذا اخترقت روسيا خط المراقبة المحلي .
