جنود أوكرانيون في لوغانسك شرقي البلاد
جنود أوكرانيون في لوغانسك شرقي البلاد رويترز

دعم أوكرانيا واحتواء روسيا يحددان مستقبل الغرب ومصيره

غيّرت تصريحات أدلى بها القائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية، فاليري زالوجني، مطلع الشهر الجاري، لمجلة "الإيكونيميست" البريطانية، الكثير من الجدل حول الحرب التي تخوضها بلاده ضد روسيا.

وقال زالوجني إن الجيشين الأوكراني والروسي وصلا إلى طريق مسدود بالنظر الى التكافؤ الحاصل بينهما من ناحية التكنولوجيا العسكرية.

وأضاف أنه ما لم يحقق أحدهما قفزة تكنولوجية هائلة، فمن غير المتوقع أن يحقق أحد الطرفين اختراقا كبيرا يحسم الحرب.

ووفق مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية، فقد دفعت هذه الكلمات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى الرد عليها، مؤكدًا أن الحرب لا تسير في طريق مسدود.

فيما قال نائب رئيس مكتبه أن التصريحات أثارت "الذعر" لدى الحلفاء الغربيين. هذه المخاوف يمكن تفهمها بالنظر إلى أن الكونغرس الأمريكي الذي يعتبر المصدر الأكبر للمساعدات بالنسبة لأوكرانيا، والذي يدرس اتخاذ قرار بشأن مواصلة الدعم العسكري لكييف. 

وبحسب التقرير، فإنه قبل أن تطلق أوكرانيا هجومها المضاد في حزيران من عام 2023، كانت واشنطن تأمل أن يتمكن الجيش الأوكراني من تحقيق نجاحات عسكرية مهمة وسريعة تضمن لكييف موقفا تفاوضيا قويا يمكنها من انتزاع تنازلات من الروس، ولكن لم يحدث ذلك.

ولم تستطع أوكرانيا استعادة الكثير من أراضيها، وتبددت الآمال العريضة تحت وطأة رواية المأزق والطريق المسدود الذي وصلت إليه الحرب.

أخبار ذات صلة
من أوكرانيا إلى غزة.. لوحات مرسومة بالدم تحاكي مرارة الحرب

ومن ناحية عسكرية بحتة، أصبح طريق أوكرانيا نحو النصر غير واضح المعالم. 

ورغم ذلك، ينبغي أن تواجه أوكرانيا وحلفاؤها في الغرب واقع الحرب الآن، وعليهم أن يتقبلوا استمرارها لسنوات، ويستعدوا لاحتواء طويل الأمد لروسيا، بدلا من التعويل على انتصار سريع، أو حل تفاوضي قريب للنزاع.

ورأت المجلة أن الآمال المعقودة على إمكانية استفادة أوكرانيا من المفاوضات، هي ساذجة بالفعل، فتطلعات الكرملين الآن لإعادة تشكيل النظام العالمي بوساطة العنف والنزاعات، أكبر مما كانت عليه قبل نحو عام.

وأضافت: "بموازاة ذلك تواصل روسيا حشد الموارد والإمكانات لحربها المدمرة، ودعم الروس لغزو بوتين لأوكرانيا لم ينهر حتى عندما فرض الغرب عقوبات على الاقتصاد الروسي، وحتى عندما خرج بعض المواطنين الروس في تظاهرات احتجاجا على التعبئة العسكرية".

وأردفت: "لكن لا يمكننا القول إن الحرب باتت خاسرة لأوكرانيا، على العكس هي بعيدة عن ذلك..فالوصول إلى طريق مسدود هو بمثابة إنجاز كبير لها".

وقبل فبراير 2022، كانت فكرة أن تحقق أوكرانيا التكافؤ العسكري مع روسيا، ضربا من الخيال، ولكن مع الدعم الغربي، تمكنت من ردع جارتها الأقوى منها بمراحل.

وبعد أكثر من عام من الحرب، لم تتمكن روسيا من الاستيلاء على كييف أو أي مدينة أوكرانية كبرى إلى جانب "ماريوبول".

وعلى الرغم من مواردها الاقتصادية والعسكرية الهائلة، لم تكن روسيا في موقف هجومي حقيقي منذ صيف عام 2022.

أخبار ذات صلة
روسيا تزج منظومة "S-400" في الحرب مع أوكرانيا

وبغية إحراز تقدم الآن، قادة أوكرانيا والغرب بحاجة للالتفاف حول أهداف استراتيجية قابلة للتحقيق، ولعل أكثر هذه الأهداف إلحاحا هو احتواء القوات الروسية، ليس فقط لحماية الإنجازات الأوكرانية في الحرب، ولكن أيضًا لجعل الوجود الروسي على الأراضي الأوكرانية غير آمن قدر المستطاع.

ولكن في الوقت الحالي، بدأت مخزونات أوكرانيا من الذخيرة والأسلحة بالنفاد، لذلك فإن تقليص الدعم العسكري الأمريكي أو إنهاده سيكون له تأثير فوري على أدائها في ساحة المعركة، خاصة دفاعاتها الجوية التي تعتمد على الصواريخ الاعتراضية التي توفرها الولايات المتحدة.

وفي حال كانت أمريكا أقل رغبة في تمويل المجهود العسكري الأوكراني، فلن تملأ أي دولة أخرى الفراغ الناجم، إذ تفتقر الدول الأوروبية إلى مخزون الذخيرة والقدرة على الإنتاج العسكري. 

وحتى لو أوفت الولايات المتحدة وأوروبا بكل التزاماتهما العسكرية تجاه كييف، فلن تميل الحرب على نحو حاسم لصالح أوكرانيا، فقد قامت روسيا بتحسين دفاعاتها الجوية وستحافظ على تفوقها في الأسلحة والمعدات والصواريخ والذخيرة لفترة طويلة، حسبما يرى قائد القوات الأوكرانية.

ومع دخول الحرب شتاءها الثاني، يكدس الروس الصواريخ لمهاجمة الشبكة الكهربائية الأوكرانية، وبالتالي تقويض الاقتصاد والمعنويات في أوكرانيا.

بالتزامن مع ذلك، تلاشت التغطية الإعلامية المكثفة للحرب الأوكرانية مع احتدام الحرب الطاحنة في غزة بين إسرائيل وحماس.

أخبار ذات صلة
أوكرانيا تكسر "الجمود الحربي" بدفعة مسيّرات نحو روسيا

ولكن تضاؤل احتمال اتساع الحرب في غزة إلى حرب إقليمية، أنقذ واشنطن من قرار صعب جدا بالاختيار بين مساعدة أوكرانيا، أو التدخل بحرب ساخنة في الشرق الأوسط،  بيد أن روسيا استفادت إلى حد كبير من الفوضى العارمة التي اندلعت عقب هجوم 7 أكتوبر.

ويروّج الدبلوماسيون الروس والمنصات الإعلامية الروسية لاتهامات فحواها أن واشنطن تتبع سياسة الكيل بمكيالين عندما يتعلق الأمر بالضحايا المدنيين في أوكرانيا وغزة. وهذه الاتهامات تتردد أصداؤها في دول الجنوب العالمي.

ووفق المجلة، فلا شك أن موسكو ستكون سعيدة للغاية إذا طالت الشكوك حيال السياسة الغربية في الشرق الأوسط، سياسة الغرب تجاه أوكرانيا أيضا.

وقالت "فورين أفيرز" إن واقع الحال يشير إلى أن الرئيس بوتين ليس لديه أسباب واضحة لتقديم تنازلات للرئيس "زيلينسكي".

وتابعت: "الاقتصاد الروسي تمكن حتى الآن من الصمود في وجه الحرب، والكرملين يعمل على زيادة الإنفاق العسكري أيضا، أمام هذا الوضع، أوكرانيا والغرب في مأزق استراتيجي صعب، ولكن هذا لا يعني أن يستسلما للانهزامية، والأمور ليست جميعها قاتمة".

وأشارت المجلة إلى أن تحسن قدرة أوكرانيا على ضرب الأصول البحرية الروسية تطور مهم ينبغي البناء عليه. أيضا شبه جزيرة القرم، التي كانت بمثابة جائزة عظيمة لبوتين، لم تعد مكاناً جذاباً للروس للعيش فيه أو قضاء العطلات بعد أن أصبحت في مرمى الصواريخ الأوكرانية. ومن خلال إضعاف البحرية الروسية، استعادت أوكرانيا بالفعل بعض ممرات الملاحة في البحر الأسود.

أخبار ذات صلة
محلل عسكري يوضح لـ"إرم نيوز" سبب فشل أوكرانيا في عبور نهر الدنيبر

وكلما استطاعت أوكرانيا استهداف الأصول البحرية الروسية وتعريض شبه جزيرة القرم للخطر، كلما بدت الحرب في نظر الكرملين والشعب الروسي، بلا هدف. غير أن الاحتواء يتطلب من صناع السياسات والشعوب في الغرب قبول الحاجة إلى حرب مُلحة طويلة الأمد في أوكرانيا.

واعتبرت المجلة أن النصر أيضا لا تحدده فقط ساحة المعركة، فمن منظور استراتيجي، يجب أن تكثف الدول الغربية جهودها لدمج أوكرانيا في مؤسساتها كما يتعين على صانعي السياسة تعميق علاقات أوكرانيا بالغرب عن طريق ربطها أكثر بأوروبا. 

وبموازاة ذلك، يبدو واضحا تورط الجيش الروسي في أوكرانيا، ونتيجة لذلك، تضاءل نفوذ موسكو الإقليمي في آسيا الوسطى وجنوب القوقاز. 

وفي السنوات القادمة، ينبغي أن يتم دعم عملية احتواء روسيا من خلال استمرار المساعدات العسكرية الأوروبية والأمريكية، والمحافظة على العقوبات الغربية المفروضة على روسيا.

 بالنسبة لأوروبا، فإن نجاح أو فشل احتواء روسيا سيشكل أمن القارة بالكامل. وبالنسبة للولايات المتحدة، فإن فشل أو نجاح الاحتواء هو الذي سيحدد مستقبل النظام الدولي الذي تقوده.

المصدر: مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية 

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com