لم يكن العراق هادئا ومستقرا، يوما، على الأقل في العقود الثلاثة الأخيرة، لكن ما يعيشه الآونة الأخيرة يبدو مختلفا ومقلقا، إذ ينذر بسيناريوهات مرعبة، فطبول الحرب تدق لتأخذ طابعا طائفيا لا يخفى على أحد، مع استنفار إقليمي وتردد أمريكي عبر عنه باراك اوباما الذي استبعد التدخل العسكري، وقال بعبارة صريحة إن "على العراقيين أن يحلوا مشاكلهم بأنفسهم"، لكنه استدرك ان ثمة مشاورات مع الكونغرس لاتخاذ قرارات مناسبة.
ومن الواضح أن التطورات الميدانية المتسارعة لن تفسح مجالا واسعا لواشنطن بدراسة مستفيضة لما يمكن أن تقوم به قياسا بالمكاسب الكبيرة التي تحققها المجموعات السنية وداعش، الذين باتوا على بعد أقل من 100 كلم شمال العاصمة بغداد، بعد انهيار مفاجئ وسريع للجيش العراقي، وانسحابه من مدن في محافظات شمال بغداد مثل نينوى وصلاح الدين وكركوك وديالى تاركا إياها للتنظيم ومجموعات سنية مسلحة.
ولأن الحرب الدائرة تتسم ببعد طائفي، فإن المالكي يرى خطرا في محاولات مسلحي "داعش"، اجتياح مدينة سامراء في محافظة صلاح الدين الواقعة على بعد نحو 100 كلم شمال بغداد، والتي تضم مرقدا مقدسا لدى الشيعة كان تفجيره في 2006 على يد متشددي القاعدة قد أشعل حربا بين الشيعة والسنة امتدت إلى 2008 وخلفت عشرات الآلاف من القتلى بين الجانبين وأحدثت شرخا واسعا في بنية المجتمع.
وفي مقابل محاولات "داعش" الوصول إلى قلب سامراء وتنفيذ وعده في وقت سابق، بتسوية المزار الشيعي بالأرض، فإن الحكومة العراقية حشدت قوات كبيرة هناك من ضمنها قوات من المدنيين الشيعة تم تجنيدهم على وجه السرعة على خلفية دعوة رئيس الحكومة نوري المالكي إلى تشكيل "جيش رديف" بعد أن قال إن الجيش النظامي أثبت عدم فعاليته أمام تقدم المجموعات المسلحة السنية.
المالكي الشيعي.. يتوعد
وفي خطاب له توعد المالكي المسلحين من سامراء، إذ قال إن المدينة ستكون "محطة للانطلاق نحو كل شبر دنسته أقدام الخونة"، وأن "جموع المتطوعين ستصل المدينة خلال ساعات للقضاء على تنظيم (داعش)".
وفي حال لم تتمكن المجموعات المسلحة السنة من اقتحام سامراء، فإن بوادر اندلاع حرب أهلية واسعة ومفتوحة ما تزال قائمة بصورة كبيرة بالنظر إلى المعطيات التي أفرزها الاجتياح المفاجئ لتلك المجموعات على مدن بشمال العراق.
وساهم رد فعل المالكي على سقوط الموصل، في تسارع انهيار معنويات الجيش بعد أن ألقى بالمسؤولية على قادتها وتحدث عن "مؤامرة وخدعة" وكذلك دعوته المتسرعة لتشكيل "جيش شعبي" من مدنيين غير مدربين سيكون قوامه في الغالب من الشيعة الذين يكنون العداء الشديد للمجموعات السنية وهو ما سيكون دافعهم للدفاع المستميت بوجه هجوم تلك المجموعات.
ويعلق مراقبون على أنه كان المفروض بالقائد العام للقوات المسلحة أن يسعى بكل جهده لرفع معنويات جيشه والتصرف كرئيس وزراء دولة من أجل الحفاظ على المؤسسة العسكرية التي هي ركن أساسي في الدولة العراقية الحديثة والحفاظ على معالمها الرئيسة بدل اللجوء إلى طائفته واستغلال كره ابنائها الشديد لداعش وهو ما يفتح الباب أمام حرب أهلية وطائفية وتداعيات مخيفة على المدى القريب والبعيد.
المرجعية الشيعية تقرع طبول الحرب
وما عزز من مخاوف اندلاع الحرب الأهلية دعوة المرجعية الشيعية الأعلى في العراق، علي السيستاني، المدنيين إلى حمل السلاح لمقاتلة داعش ولاقت الدعوة استجابة سريعة في محافظات الجنوب ذات الأكثرية الشيعية عندما تزاحم آلاف الشبان أمام مراكز التطوع فيما يشبه قرع طبول الحرب لحمل السلاح تمهيدا لوقف زحف من وصفوهم بـ"المتشددين" السنة.
أصوات من الضفة الأخرى
من جانبه، طالب شيخ عشائر الدليم، الشيخ علي الحاتم، الكتل السياسية في العراق بإقالة رئيس الحكومة نوري المالكي فوراً، وتشكيل حكومة انتقالية لإنقاذ ما تبقى من العراق.
وقال الحاتم في كلمة مصورة تم تداولها على شبكة الإنترنت: "نوصيكم بعدم السماح للإرهاب بكافة أنواعه أن يشوه صورة هذه الثورة البراقة، لأن المالكي ومن معه يريدون أن يلبسوها ثوب الإرهاب".
وأكد أن "ثورتنا قامت منذ اليوم الأول على أساس استرداد الحقوق لا الانتقام، ونحذر كل مندس"، مضيفاً أن "الكل ضد داعش وضد الميليشيات الحكومية".
وحذر الحاتم من "إعلان حالة الطوارئ، لأن المالكي يبتغي من هذا الطلب إبادة محافظاتنا والفتك بأهلها والبقاء على سدة الحكم".
وطالب "الدول التي تدعم المالكي بالسلاح والذخيرة بإيقاف التعامل معه، لأن المالكي يستخدمه لقتل أبناء المحافظات الست".
بدوره، قال طارق الهاشمي، النائب السابق لرئيس الجمهورية العراقي، إنه يجب على المالكي الاستقالة والبدء فوراً في تشكيل حكومة وحدة وطنية.
براغماتية أوروبية
ومن ناحيته دعا رئيس بعثة العلاقات مع العراق في البرلمان الأوروبي استرون ستفنسون إلى تنحي رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وقطع التدخلات الإيرانية وتشكيل حكومة وطنية تضمن مشاركة جميع مكونات المجتمع العراقي، معتبرا أن هذا هو الحل الوحيد والموضوعي لوقف مزيد من إراقة الدماء في العراق.
وطالب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بممارسة ضغوط على المالكي لقبول هذا الحل والتنحي عن السلطة بدلا من أن تقدم العون له "لأن في ذلك دعم لأراقة الدماء في العراق شئنا أو أبينا".