مفوض عام "الأونروا": 400 ألف شخص محاصرون شمال قطاع غزة
كان حي بري بالخرطوم مهد الانتفاضة ضد الرئيس السوداني السابق عمر البشير والقادة العسكريين الذين حلوا مكانه، وقد تعرض سكانه للضرب والقتل أثناء مسيراتهم من أجل "الحرية والعدالة".
والآن وبعد توقيع اتفاق لإدارة المرحلة الانتقالية لمدة ثلاث سنوات يلبي مطالبهم فإن النشطاء من هذا الحي المطل على نهر النيل مختلفون بشأنه.
ووفق تقرير لوكالة رويترز، يعد تأييد هؤلاء حاسم لنجاح الاتفاق الخاص بتقاسم السلطة الذي يستهدف إنهاء ثلاثة عقود من حكم الإسلاميين الاستبدادي وإقامة حكم ديمقراطي في منطقة انتهت فيها الانتفاضات بعمليات قمع عسكرية أو حرب أهلية.
تم التوصل إلى الاتفاق بين المجلس العسكري الحاكم والمعارضة المدنية بعد شهر من قيام قوات الأمن بقتل عشرات الأشخاص أثناء فض اعتصام بالعاصمة.
وكاد فض الاعتصام أن يبدد إمكانية أن يفضي خلع البشير في أبريل/ نيسان إلى عملية انتقال سلمي للسلطة. لكن بعد جولة من المظاهرات الحاشدة في 30 يونيو /حزيران استأنف الجانبان المحادثات وأعلنا تحقيق انفراجة كبرى.
وانضم منذر عوض أحد نشطاء حي بري إلى آلاف المتظاهرين الذين تدفقوا على شوارع الخرطوم احتفالًا بالاتفاق.
قال منذر: "أنا سعيد بهذا الاتفاق لأنه جاء لوقف إراقة الدماء". وأضاف قائلًا إن السكان مبتهجون للغاية بهذه اللحظة، مشيرًا إلى أن "معظم الناس هنا يحتفلون لأنهم ثوريون ويتبعون عواطفهم".
بينما عبر صديقه محمد فاروق (35 عامًا) وهو عامل في مصنع كان ينظم الاحتجاجات في الحي عن القلق.
قال محمد وهو يحتسي الشاي بجوار عوض بأحد شوارع بري: "إذا أوقفت أيًا من هؤلاء المحتفلين وسألته ماذا يعني هذا الاتفاق أو ماذا تعني كلمة مدنية ستجد أنه ليس لديهم أي فكرة".
وعندما انتشرت الأنباء عن الاتفاق في الساعات الأولى من يوم الجمعة لم يستطع كثير من السودانيين معرفة تفاصيله بسبب انقطاع خدمة الإنترنت طوال أسابيع.
ومنذ ذلك الحين تعقد قوى الحرية والتغيير، وهو تحالف لجماعات الاحتجاج والمعارضة قاد المحادثات مع الجيش، اجتماعات جماهيرية لإقناع الناس بالاتفاق الذي سيوقع رسميًا هذا الأسبوع.
وسوف يتقاسم الجيش والمدنيون السلطة في المجلس السيادي المؤلف من 11 عضوًا؛ حيث من المتوقع أن يقود الجيش مدة 21 شهرًا الأولى من الفترة الانتقالية قبل نقل القيادة إلى المدنيين لمدة 18 شهرًا ثم إجراء الانتخابات.
ويتضمن الاتفاق أيضًا تشكيل حكومة كفاءات في السودان وإجراء تحقيق مستقل في أعمال العنف التي جرت في الآونة الأخيرة، على الرغم من التساؤلات المحيطة بكيفية ضمان ذلك في ظل احتفاظ القيادات العسكرية بالسلطة السياسية في البلاد.
ومما يزيد من تعقيد المشهد رسوخ قوة الجيش والفصائل المسلحة، كما أن موقع السودان في شمال شرق أفريقيا وما يتمتع به من إمكانيات زراعية جعله لفترة طويلة موضع اهتمام من جانب دول متنافسة في الشرق الأوسط والعالم.
غريزة
قال محمد ناجي الأصم، أحد قادة تجمع المهنيين السودانيين الذي يتزعم الاحتجاجات والذي يقود الآن قوى الحرية والتغيير، في كلمة ألقاها وسط حشد يهللون في بري إن الاتفاق خطوة أولى.
وأضاف الأصم إن الرسالة التي يود قولها هي ضرورة حماية السلطة المدنية الانتقالية التي ستتشكل لحين تحقق كل أهداف الثورة واحدًا تلو الآخر، مشيرًا إلى أن ذلك تم "بدم إخواننا وأخواتنا".
وبالنسبة للنشطاء في بري تمثل العدالة مطلبًا رئيسيًا. وكان سكان الحي، وغالبيتهم من عمال الطبقة الكادحة الذين عُرف عنهم الشجاعة التي تقترب من حد التهور، في قلب الاحتجاجات ضد البشير التي اندلعت بالبلاد في ديسمبر كانون الأول.
قال فاروق، الذي اعتقل قبل خلع البشير مثل شبان كثيرين من سكان حي بري: "لم نكن نعرف أيًا من هؤلاء الأشخاص قبل اندلاع الاحتجاجات. لكن كان لدينا نوع من الانقياد الغريزي (لتجمع المهنيين السودانيين) ولدينا قناعة بأن هذا النظام لابد في نهاية المطاف أن يسقط".
وعندما قادت المظاهرات إلى أعمال قمع دموية واصل سكان حي بري احتجاجاتهم دون كلل. وكان اثنان من قتلى الحي من بين أشهر "شهداء" الانتفاضة.
يقول سكان الخرطوم إن محتجي حي بري كانوا يشكلون أيضًا القوة الرئيسية للاعتصام الذي بدأ خارج مقر وزارة الدفاع يوم السادس من أبريل نيسان قبل خمسة أيام من تحرك القادة العسكريين ضد البشير.
وعندما فضت قوات الأمن الاعتصام في الثالث من يونيو حزيران بعد تعثر المحادثات التي استمرت أسابيع، قال سكان حي بري إنهم فتحوا منازلهم ومساجدهم لإيواء المحتجين وخاصة أولئك القادمين من أماكن بعيدة مثل دارفور.
والتقط عوض من نافذة صغيرة بمنزله صورًا مهتزة تظهر قوات الأمن وهم يطاردون محتجين ويستخدمون بنادق هجومية ويطلقون النار.
واكتظ أكبر مستشفى خاص في السودان والموجود في حي بري بالمصابين. وقال سكان إنهم حاولوا المساعدة بتقديم الحشايا وطهو الطعام لنزلاء المستشفى وأسرهم.
تغير الأولويات
تأثر كل سكان حي بري تقريبًا بالأحداث. قال عوض إن ابن عمه أصيب في رأسه بعبوة غاز مسيل للدموع. وقال فاروق إن أحد أقاربه قتل وتعرضت إحدى زميلاته للضرب المبرح.
وطبقًا لأطباء مقربين من المعارضة، قُتل 128 شخصًا على الأقل أثناء عملية الفض والأحداث التي أعقبتها على مدى أسبوعين. وأكدت الحكومة مقتل 61 شخصًا على الأقل.
يقول فاروق إن رؤيته تغيرت.
ومضى يقول: "أنا أولوياتي الآن تغيرت. يعني الناس اللي ماتت في فض الاعتصام والمجزرة اللي حصلت دي. من أهم أولوياتي حق الناس دي".
كان الاعتصام يسد طريقًا رئيسيًا يؤدي إلى حي بري. وكان مخيم الاحتجاج قريبًا بدرجة تتيح وصول صدى ما ينطلق من مكبرات الصوت من مناقشات سياسية حامية وموسيقى احتفالية صاخبة إلى بعض شوارع الحي.
والآن أصبح هذا الطريق خاليًا من المحتجين والحواجز والخيام وعادت حركة المرور إلى وضعها الطبيعي. ومع بدء عودة الحياة إلى طبيعتها يشعر سكان بري بالقلق على المستقبل.
قالت رنا عثمان (25 عامًا) وهي مهندسة من بري إنها لا تثق في أن بعض قوى المعارضة داخل تحالف قوى الحرية والتغيير ستواصل الكفاح من أجل مطالب المحتجين بعد توقيع الاتفاق مع الجيش وإن على تجمع المهنيين السودانيين أن ينأى بنفسه عن ذلك.
وأضافت رنا: "المفروض التجمع ينفصل عن قوى إعلان الحرية والتغيير لأن احنا لما بدأنا طلعنا شباب وما عندنا علاقة بالأحزاب السياسية لأننا عارفين إن الأحزاب أصلًا فاشلة وأثبتت فشلها".
ووصف منذر عوض الاتفاق بأنه خطوة للأمام "يمهد الطريق أمام طرح مبادرات أخرى".
لكن فاروق يقول إن على المحتجين المضي قدمًا في الاحتجاجات نظرا لأن الاتفاق لم يصل إلى حد إقامة حكم مدني كامل. ويعتقد أن المظاهرات التي جرت في أنحاء السوادان في 30 يونيو حزيران، والتي شارك فيها مئات الآلآف، هي التي دفعت القادة العسكريين للعودة إلى طاولة المفاوضات.
ويضيف فاروق أن القادة العسكريين لا يخيفهم أكثر من ضغط الشارع.