الروائي السوري الراحل حنا مينه
الروائي السوري الراحل حنا مينهمتداولة

في مئوية حنا مينه.. أين أضحت الرواية السورية؟

رفض حنا مينه "1924- 2018"، تسليم الراية الروائية للكتّاب الجدد، لكنه لم يستطع منع المغامرين من اجتياح الميدان ببسالةٍ، حيث قال إن الرواية ستحتل عرش ديوان العرب.

مئة عام على ولادة مينه، والجدل مستمر بين زمنين متفقين في المآلات، مختلفين بالأساليب. زمنان تجمعهما غاية الوصول، ويفرقهما اختيار الطريق. 

حنا مينه.. الأب!

تمكن صاحب "المصابيح الزرق"، من حياكة معطف خاص، عبر 40 عملاً روائياً، حاول المرتادون الجدد تجاوزها. لكن قطع حبل السرّة مع رصيد مينه، لم يكن سهلاً على معظم الأبناء الحالمين باغتيال الأب، بلا كفاءات تساندهم في المعركة.

ويقول الكاتب سامر محمد إسماعيل لـ"إرم نيوز": "لم يُقرأ حنا مينة في سياقٍ بعيدٍ عن ثنائية الأدب والأيديولوجية، فظلت رواياته شبه مجهولة لحركة النقد الأدبي السوري، وأسهم النقد في بلورة نظرة كلاسيكية لنصوصه، جعلته منفياً عن رواية الحداثة في ثمانينيات وتسعينيات القرن الفائت".

لكن قصور المبضع النقدي، لم يمنع رواية مينه الشهيرة "الشراع والعاصفة" أن تكون إحدى العلامات المؤسسة في الرواية السورية.

خليل صويلح
خليل صويلحمتداولة

من جانبه، قال الروائي خليل صويلح لـ"إرم نيوز"، "أن تكون روائياً، عليك قراءة حنا مينه".

لم يستطع مينه الخلاص من لعنة أبطاله المطبوخين في مصانع الواقعية الاشتراكية، وربما ساهم ذلك بانفضاض القراء عنه خاصة في أعماله الأخيرة. إلى جانب موجات الترجمة المتصاعدة لفضاءات الروايات العالمية التي فتحت المخيلة على آفاق مختلفة.

ويعتقد الكاتب أدهم حنا، في مقال نشره موقع "المدن" وحمل عنوان: "لماذا لم تعد الأجيال تقرأ حنا مينه؟"،  أن مينه صار قديماً على سوريا الجديدة، ويضيف: "حنا مينه لا يُقرأ لأنه أصبح تاريخاً لسوريا القديمة جداً، التي لم يكن فيها سوى راو لما رآه وتألم به".

غياب مينه عن مزاج الروائيين الجدد، لا يعني تلاشيه من المستقبل الروائي الذي لا يمكن النظر إليه كشجرة مفصولة عن الجذور. لكن طريقة الخطف خلفاً، لم تعد واردة في عادات قراء وكتّاب اليوم، المنهمكين بترك بصمتهم الخاصة خارج معطف مينه القديم.

يضيف أدهم نقطة تتعلق بنمطية الشخصيات التي أصرّ مينه على تسليمها زمام البطولة في جميع أعماله. على عكس فضاءات ماركيز وايزابيل الليندي وباولو كويلو، التي غزت مخيلات الكتاب الجدد، وهتكت ما يسمى بالخصوصيات المحلية.

مخيلات باسلة وفضاءات بكر

نصوص روائية مغايرة اقتحمت المشهد الروائي السوري، خلال العقدين الماضيين. مخيلاتٌ مزودة بمشارط حادة، انقضّت على الأبطال الأيديولوجيين في الواقعية الاشتراكية، حيث مثلها خالد خليفة "1964- 2023" صاحب "مديح الكراهية" الواصلة إلى القائمة القصيرة في جائزة البوكر عام 2008.

وقام خالد بانقلاب متدرج، حاول خلاله الإطاحة بالأبطال التقليديين وأسلوب السرد وقصة الحكاية. فظهر مثالاً لـ"الابن الضال"، المجرّب بلا مرجعيات أبوية. بل قال مرة: "هل لدينا آباء أصلاً، أم كجيلٍ نحن أبناء زنى؟".

كان من الواضح أن النص الروائي السوري، بدأ بشق عصا الطاعة على موروث الخيال والسرد. ومن ثم جاءت الحرب كي تدق مسمارها الأخير في نعش القضايا والأساليب القديمة، فنالت رواية خالد "لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة" جائزة نجيب محفوظ عام 2013، ورشحت روايته "الموت عمل شاق" إلى جائزة الكتاب الوطني في أمريكا.

الروائي السوري خالد خليفة
الروائي السوري خالد خليفةمتداولة

على الضفة الأخرى، رسم خليل صويلح "1959"، ملامح مغايرة للسرد، عندما حمل المخيلة الشعرية إلى الفضاء الروائي، فطوّع الصورة وثراء المعجم، بلغة حديثة ربطت بين جمال العربية وحداثة النص. 

نالت رواية صويلح "وراق الحب"، جائزة نجيب محفوظ عام 2009، وحصد عام 2018، جائزة الشيخ زايد للكتاب عن روايته "اختبار الندم". وظهرت تجربة مختلفة تغذي الخطى باتجاه التغيير الذي ظهر حتمياً مع بداية الحرب. أدوات مشحوذة بالخيال، ونصوص مضرجة، مع روافد غزيرة من المعلومات.

تبنى صويلح النص الروائي الذكي، فالحكاية متاحة تاريخياً، وما ينقصها هو اندلاع المآلات في الحبكة، وتحريض خيال القارىء المستكين لنصوص الماضي. في هذا، لم يكن حنا مينه على حق، عندما رفض تسليم راية السرد للروائيين الجدد. تلك المقولة التي تبناها كردة فعل على نصوص الهراء، بدأت بالاندحار فعلاً.

يسير صويلح ببوصلة لا تضلّ. ويلقي بصناراته ليصطاد الأبطال المجهولين من الشارع والمقهى، ثم يعيد بناءهم بلا عقائد مسبقة أو أيديولوجيات. كأنه يمتلك مصنعاً لبناء البشر الجدد الذين سيقودون النصوص إلى الينابيع.

تجربة ثالثة من فضاء مختلف، فعلها الروائي يعرب العيسى في روايته الأولى "المئذنة البيضاء" 2022، وشاء فيها تجريد اللغة من النياشين لصالح متعة السرد. عملية نبش كبيرة قام بها يعرب، للعثور على مجد الحكاية وشدّ القارىء باحتمالاتها، ليتابع حتى النهاية، فيما يبدو يعرب سعيداً بحجم الدهشة التي يبديها وهو يتنقل بين السطور.

في المئذنة البيضاء، اتبع يعرب أسلوب تدريب القارئ على اكتشاف المغزى، استناداً لمتعة السرد والتشويق، باعتبارها الأجدى لنقل القناعات وتبديلها بلا خرائط مسبقة.

الروائي السوري يعرب العيسى
الروائي السوري يعرب العيسىمتداولة

استعادة القارىء لم تكن مهمة سهلة، عند خالد خليفة وخليل صويلح ويعرب العيسى. تلك الهجمات المرتدة، أرادت تسجيل هدف في مرمى الجمهور، كي يصحو ويتابع متابعة المباراة بعد أن فقد الشغف والأمل بالفوز.

نهرٌ بعدّة ضفاف، حال الرواية السورية اليوم. الجميع يجدفون بشكل مختلف، يريدون ينابيع النصوص.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com