أغاديز.. مدينة صحراوية نيجرية تعيش على السياحة والمهاجرين
أغاديز.. مدينة صحراوية نيجرية تعيش على السياحة والمهاجرينأ ف ب

أغاديز.. جنة المهاجرين الأفارقة وكابوس أوروبا

لا تزال أفراح مدينة "أغاديز" النيجرية متواصلة؛ احتفالا بقرار المجلس العسكري الحاكم الذي ألغى قانوناً كان يجرّم تهريب المهاجرين، حتى بعد مرور أسابيع من إعلانه.

قرار المجلس العسكري أربك أوروبا وضاعف مخاوفها، وهي التي تدرس وتخطّط منذ سنوات لكبح جماح الهجرة؛ إذ تعكف على وضع سياسة هجرة، لكنها تفشل في ذلك منذ سنوات.

سكان "أغاديز" لا يبدون معنيين بقلق أوروبا ولا خططها، هم منشغلون بالتخطيط لكيفية صرف الأموال التي سيجنونها. تماما مثل ما يفعل "نعيم"، وهو اسم مستعار لأحد "مهربي المهاجرين" تحدثت إليه "إرم نيوز".

يقول نعيم إن مدينته الصحراوية تغرق في الفرح، بعد أن عاشت ركودا لسنوات بسبب قانون 2015، وكشف أنّ عمليات نقل المهاجرين نحو ليبيا شمالا استؤنفت بسرعة و بالكثير من الفرح والحماس، مؤكدا أنه شخصيًّا نقل العشرات من المهاجرين منذ إعلان سلطات بلاده القرار.

تجذب "أغاديز" الساعين للوصول إلى أوروبا، حيث ينقل نعيم وأمثاله المهاجرين برًّا إلى الأراضي الليبية، ومنها ينطلقون عبر قوارب توصلهم إلى دولة أوروبية في الأغلب إيطاليا القريبة من ليبيا وتونس. 

مهاجرون من دول  غرب أفريقيا في أغاديز قبيل التوجه إلى ليبيا
مهاجرون من دول غرب أفريقيا في أغاديز قبيل التوجه إلى ليبيا أ ف ب- صورة أرشيفية

قانون أوروبي "قاسٍ"

يستأنف نعيم برفقة باقي" المهربين" عملهم كما لو أن "قانونا لم يكن"، يثني على القرار الأخير الذي أخرجهم من دائرة "المهربين" إلى النّور، ويوضح: "القانون فرضته أوروبا على النيجر، وإلغاؤه جعلنا نحتفل، إنها الفرحة العارمة.. جميعنا سعداء". 

وكانت نيامي خلال 2015 سنّت قانونا، وُصف بالقاسي، يعاقب المتورطين في الهجرة السرية بالسجن بعقوبات تصل إلى ثلاثين عاما، كما يلزم المهربين بدفع "غرامات تتراوح بين 4500 إلى 45000 يورو.

ورغم تسجيل انخفاض واضح، وقتها، في أعداد المهاجرين المنطلقين من "أغاديز" إلى أوروبا، إلا أن مهاجرين كثر غامروا بحياتهم في مسالك خطرة للوصول إلى القارة العجوز.

ولا يزال سكان "أغاديز" يتذكرون مآسي اقترنت باسم مدينتهم، حين استحالت أحلام الوصول لأوروبا إلى موت بشع في الصحراء القاحلة بين النيجر وليبيا. وكثيرا ما أعلن العثور على جثث مهاجرين قضوا جوعا وعطشا بعد أن ظلوا طريقهم، وهم يحاولون تجنب المسالك التي تحرسها قوات الأمن. 

يقول نعيم: "إلغاء القانون يخدمنا ويناسبنا"، يقصد سكان المدينة الواقعة في قلب الصحراء النيجرية، التي يلزمها السياح والمهاجرون لتحيا.

جانب من الحياة اليومية لشباب أغاديز
جانب من الحياة اليومية لشباب أغاديزأ ف ب
أخبار ذات صلة
الاتحاد الأوروبي "قلِق" إزاء إلغاء النيجر قانون تجريم الهجرة

قلق أوروبي بالغ

جاء قرار نيامي ليضاعف مخاوف أوروبية من تزايد أعداد اللاجئين إلى دول فضاء شنغن التي تشكل أرضية لتحقيق الأحلام بالنسبة لمواطنين قادمين من البلدان الإفريقية كنيجيريا، وبوركينافاسو، والكاميرون، ومالي، والبنين وغيرها.

وفي أعقاب قرار المجلس العسكري النيجري أعربت المفوضة الأوروبية للشؤون الداخلية إيلفا جوهانسون عن "قلقها البالغ" لإلغاء سلطات النيجر قانونا يجرم تهريب المهاجرين في هذا البلد الذي يعد نقطة انطلاق نحو أوروبا.

لكن لا أحد في أفريقيا يقاسم أوروبا قلقها، فللقارة السمراء ما يكفي من المشاكل المقلقة، وفي "أغاديز" ينشغل  مهربو المهاجرين "الناقلون الشرعيون"  بإتمام أكبر قدر من عمليات "التهريب" قبل أن تتغير أهواء السياسيين وتصبح مهنتهم " غير شرعية" من جديد.

لم يخفِ نعيم فرحته بالأرباح التي يجنيها من نقل المهاجرين، ويقول إنه ينقلهم بشكل دوري عبر مركبته، ومثله يفعل نيجريون آخرون، يوصلونهم إلى حدود ليبيا.

أحد مساجد مدينة أغاديز النيجرية
أحد مساجد مدينة أغاديز النيجريةأ ف ب

تهريب البشر بحماية القانون

في قلب قارة ميزتها الانفلات الأمني والتضييق على الناس، يختبر سكان "أغاديز" من جديد حرية التنقل.

وعلى خلاف ماكان عليه الوضع مع قانون 2015 الذي عزز المراقبة، بما فيها العسكرية، "المهربون" اليوم أحرار يعملون تحت الشمس ومهنتهم لم تعد تهريبا، باتت تسمى"نقلا".

هي كذلك إلى أن تطأ أقدامهم حدود ليبيا، الخطوة الأولى داخل الأراضي الليبية يصبحون معها "مهربين " ومن معهم " مهاجرين سريين"، وفي ليبيا الوضع صعب.

يقول "المهرب" نعيم لـ "إرم نيوز"، إنه "بمجرد الوصول إلى الحدود الليبية نوقف محركات السيارات، ينزل المهاجرون، وسيرًا على الأقدام يدخلون الأراضي الليبية، يجدون في انتظارهم هناك  سيارات ليبية، تتولى مهمة نقلهم إلى داخل ليبيا".

وتقوم السيارات النيجرية والليبية بتبادل الركاب، فالقادمون من ليبيا يجدون سيارات نعيم ورفاقه لنقلهم إلى مدينة "أغاديز"، إذ يقول نعيم: "شخصيا قمت بنقل العشرات، وتجاوز العدد الإجمالي لمن نقلناهم إلى حدود ليبيا إلى غاية الآن (قبل أيام ) المئة".

 قرار انتقامي

تعيش "أغاديز" أزهى أيامها منذ إعلان إلغاء قانون 2015، وبات للكثير من العائلات مصدر رزق إضافي لم يكن في الحسبان. 

وكشف لنا نعيم أنه يحصل على 150.000 فرنك، أي 220 أورو تقريبا، من كل شخص يوصله إلى حدود ليبيا.

أخبار ذات صلة
بعد إلغاء قانون الهجرة.. النيجر تتعهد بإعادة النظر في فتح الحدود مع ليبيا

قرار نيامي الأخير كان له تأثير إيجابي على اقتصاد المدينة، يقول الكاتب النيجري محمد سيد حيب الله.

وأضاف في تصريح خصّ به "إرم نيوز"، أن القرار "لقي منذ صدوره قبولا واسعا في أوساط المجتمع النيجري، إذ اعتُبر فرصة جديدة للكسب، مقابل أمواج المهاجرين التي تتدفق على أوروبا".

قبل الانقلاب، في صيف 2023، كانت النيجر شريكا رئيسا للاتحاد الأوروبي في إدارة تدفق المهاجرين. قبل أن تنقلب الأمور في إفريقيا والنيجر تحديدا، ومع وصول المجلس العسكري، الحاكم الجديد للبلاد، توالت خطوات فك الارتباط بين نيامي والاتحاد الأوروبي وخاصة باريس. 

يقول الكاتب الصحفي النيجري حيب الله، إن قرار نيامي الأخير له تداعيات كبيرة للغاية على أوروبا، حيث "يمحو الإدانات التي طالت رؤساء وأعضاء عصابات تهريب البشر، وبذلك ستكون أوروبا ضحية لموجات كبيرة من المهاجرين". 

وتابع قائلا: "القرار حسب رأيي انتقامي بالدرجة الأولى؛ بسبب تأزم العلاقات بين المجلس العسكري والاتحاد الأوروبي، لاسيما أن الأخير رفض الانقلاب في النيجر".

المهاجرون والسياح .. مصدر رزق العائلات في أغاديز
المهاجرون والسياح .. مصدر رزق العائلات في أغاديزأ ف ب

"الشرعية أو إغراقكم بالمهاجرين"

قرار سلطات نيامي بإلغاء قانون كان يجرم تهريب المهاجرين، اعتبره البعض انتقاما من أوروبا، فيما يراه آخرون ورقة في يد النظام العسكري الحاكم، يلوح بها تهديدا ودعوة للتفاوض، "إما الاعتراف بي أو إغراقك بالمهاجرين".

وأعلن النظام العسكري في النيجر إلغاء قانون عام 2015، مؤكدا أنه "يجرم بعض الأنشطة ذات الطبيعة المنتظمة على أنها اتجار غير مشروع"، وأنه "تم إقراره بتأثير قوى أجنبية معينة".

حجة تتطابق مع وجهة نظر الكثير من المواطنين النيجريين الناقمين على بقاء بلادهم لعقود "بدون قرار" أمام إرادة فرنسا وأوروبا. ومثلما أكد لنا "نعيم" أكثر من مرة فإن القانون الخاص بالمهاجرين سنّه الأوروبيون لا النيجريين.

وأوضح نعيم: "أوروبا هي التي فرضت القانون (وقتها)على برلماننا، بعدها لم يعد لنا ما نشتغله في هذه المدينة؛ لذلك فرحنا جدًّا قبل أيام وفرح كل الناس بأغاديز حين أعلن المجلس العسكري قراره".

مع ذلك تبدو حجة "المجلس العسكري في نيامي" غير مقنعة، على الأقل بالنسبة لأوروبا، ولأغلب محللي خطاب المجلس العسكري الراغب في افتكاك شرعيته من التكتل الأوروبي.

يقول الباحث في الشأن الإفريقي محمد تورشين: "إن ورقة المهاجرين من أهم وأنجع الأوراق التي تستعملها الدول، مرجحا أن يستعملها المجلس العسكري الحاكم في النيجر، لممارسة أكبر قدر ممكن من الضغط على أوروبا لإجبارها على الاعتراف به".

وفي أعقاب الانقلاب في النيجر دان الاتحاد الأوروبي بشدة، استيلاء الجيش على السلطة في 26 تموز/يوليو الماضي، واحتجازه للرئيس المنتخب محمد بازوم، كما علّق التعاون الأمني والدعم المالي للنيجر في أعقاب الانقلاب العسكري.

صورة أرشيفية  توضح طريقة تنقل المهاجرين بين ليبيا وأغاديز النيجرية
صورة أرشيفية توضح طريقة تنقل المهاجرين بين ليبيا وأغاديز النيجرية أ ف ب
أخبار ذات صلة
تقرير: انقلابيو النيجر يستفزون الاتحاد الأوروبي بملف الهجرة
منظر عام لمدينة أغاديز القديمة شمالي النيجر
منظر عام لمدينة أغاديز القديمة شمالي النيجرا ف ب

ولا توحي العلاقة في شكلها الجديد بعودة الوصال قريبا بين نيامي والاتحاد الأوروبي، وبالتالي فإن "قرار النيجر يحتم على السلطات الفرنسية (والأوروبية) الدخول في مباحثات مباشرة معه".

وأوضح الباحث توشين أنه في حال حدث هذا سيتمكن المجلس العسكري من انتزاع شرعية مهمة، لا سيما أن الحكام في فرنسا، وأوروبا، يعتبرون قضية الهجرة من القضايا المحورية جدًّا".

ويعمل الاتحاد الأوروبي حاليًّا على صياغة سياسة الهجرة، ويقول إنه متضرر من أفواج المهاجرين المتزايدة، ويحاول إقناع دول شمال إفريقيا بأن تكون السد المنيع الأول لمنع وصول المهاجرين السريين إلى دوله.

يرى الباحث تورشين أن المواطنين الفرنسيين والأوروبيين عموما، كثيرا ما يميلون إلى اليمين المتطرف حين يتعلق الأمر بقضايا الهجرة والمهاجرين، والدليل هو الصعود المتزايد لليمين في أوروبا، ويقول: "بتقديري الجانب النيجري استطاع أن يضرب على الوتر الحساس بقراره الأخير بخصوص المهاجرين".

وفيما تتشتت جهودها بين الحرب الروسية ومحاولات منع انتقال حرب غزة لشوارعها تجد أوروبا نفسها في ورطة جديدة مع توقع تضاعف فجائي لأعداد اللاجئين من إفريقيا.

في المقابل يستعد عدد كبير من الأفارقة للانطلاق من "أغاديز" نحو الحلم الأوروبي غير آبهين بانعدام الترحيب ولا القوانين المشددة، يغادرون فرحين برحلة موت محفوفة بالمخاطر.

في كل هذا لم تخسر سلطات نيامي شيئا، بل كسبت ولاء سكان "أغاديز"، وحوّلت المدينة من حصن منيع لأوروبا إلى كابوس يقضّ مضجعها.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com