كشف تقرير أمريكي أن صناعة "كلوريد الفينيل" السام تستمر في التوسع رغم تداعيات كارثة قرية "شرق فلسطين" بولاية أوهايو، التي تسببت قبل عام بانبعاث مليون رطل من الغازات السامة بعد خروج قطار عن مساره.
ويؤكد تقرير لموقع "إنترسبت" الأمريكي أن سوق منتجات الفينيل آخذ في النمو، حيث تعمل شركات البتروكيماويات الكبرى على توسيع عملياتها، وتنفق المزيد من الأموال أكثر من أي وقت مضى على صناعة الفينيل للضغط على المشرّعين.
وفي الوقت ذاته يواجه غاز "كلوريد الفينيل" تدقيقًا شديدًا من المشرّعين في الولايات المتحدة، ترافق مع التركيز على مخاطر هذه المادة الكيميائية المسرطنة.
استخدامات صناعية لكلوريد الفينيل
يعد كلوريد الفينيل مادة أساسية لإنتاج البولي فينيل كلوريد المعروف اختصارا "PVC"، وهو عبارة عن بلاستيك صلب، ويمتاز هذا المركب بالليونة والمرونة العالية، وهو بلاستيك موجود في مجموعة من مواد البناء والتشييد والأجهزة الطبية والأدوات المنزلية.
ولعقود من الزمن، دقّ المدافعون عن البيئة ناقوس الخطر بشأن مادة البولي فينيل كلوريد، واصفينها بـ"البلاستيك السام"، ناهيك عن أنه تم تصنيف كلوريد الفينيل، على أنه مادة مسرطنة للإنسان من المجموعة "أ" من قبل وكالة حماية البيئة لاحتوائه على إضافات ضارة، مثل: الفثالات، ومثبطات اللهب.
ويقول التقرير إن عملية إنتاج كلوريد الفينيل تطلق كميات هائلة من الغازات الدفيئة، وتُعرّض العاملين لفئة من "المواد الكيميائية الأبدية" الصناعية المعروفة باسم "PFAS"، حيث تصل هذه الملوّثات السامة إلى مجتمعات الخطوط الأمامية المحيطة بمراكز صناعة هذه المواد.
ونقل الموقع عن مايك شادي، مدير حملة "مستقبل خالٍ من السموم"، قوله "كان هناك اهتمام متزايد بتنظيم كلوريد الفينيل وبلاستيك "PVC" والمواد المضافة إليه على مستوى الولاية، والمستوى الوطني، والمستوى الدولي خلال العام الماضي. مضيفًا: "نحن بالتأكيد قلقون من أنه في الوقت الذي تتكشّف أمامنا مخاطر كلوريد الفينيل والمواد الكيميائية المرتبطة بدورة حياته، فإن صناعة البلاستيك قد توسّعت في السنوات الأخيرة، بما في ذلك صناعة البولي فينيل كلوريد".
الرهان على الصناعة
ووسط الدعوات المتزايدة للتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، تراهن الصناعة الآن على البلاستيك، الذي يتم تصنيعه باستخدام مواد كيميائية مشتقة من النفط، مثل كلوريد الفينيل، باعتباره شريان الحياة لهذه الصناعة .
وفي هذا الصدد أفاد التقرير بأن شركة أوكسي فينيرا OxyVinyls" الأمريكية والتي تعمل في مجال التنقيب عن النفط والغاز قد أعلنت خلال السنوات الماضية عن خطط بقيمة مليار دولار لتوسيع عملياتها في مجال إنتاج بلاستيك "PVC" .
وبعد أربعة أشهر من كارثة قرية "شرق فلسطين" أعلنت شركة تصنيع الكيماويات "أوربيا" أيضًا عن نيتها بناء مصنع ضخم للفينيل في الولايات المتحدة قبل عام 2028.
وأفاد تقرير "دي إنترسبت" بأن معظم عمليات البتروكيماويات، بما في ذلك مصانع إنتاج البولي كلوريد، تقع في منطقة ساحل خليج الولايات المتحدة، حيث تتحمّل المجتمعات المهمّشة هناك وطأة التلوّث الصناعي.
ويرتبط التعرّض لكلوريد الفينيل بزيادة خطر الإصابة بسرطان الكبد والدماغ والرئة، بالإضافة إلى سرطان الغدد الليمفاوية وسرطان الدم.
فعندما يحترق كلوريد الفينيل يمكن أن يسبّب المزيد من الضرر، ويطلق فئة شديدة السمّيّة من المركبات الكيميائية المعروفة باسم الديوكسينات.
وأشار تقرير "مستقبل خالٍ من المواد السامة" لعام 2023 إلى أن أربعة مجتمعات على الأقل من ذوي البشرة السوداء والمصنّفون بأنهم من ذوي الدخل المنخفض في لويزيانا اضطروا إلى الانتقال إلى مكان آخر بسبب التلوّث الناجم عن صناعة بلاستيك الفينيل.
وهذا يشمل بحسب التقرير مجتمع "موسفيل" إحدى المدن الأولى التي أسسها العبيد الأفارقة المحررون في الجنوب.
وقد حدّدت اختبارات السموم التي أجرتها الحكومة الفدرالية أن سكان موسفيل، الذين يعيشون في ظل التلوث الناتج عن مصنعي كلوريد الفينيل، لديهم مستويات مرتفعة من الديوكسينات في أجسادهم.
ويشدد التقرير على أن الدمار الذي أحدثه كلوريد الفينيل لا يزال مستمرًا، ففي يناير أصدرت وكالة حماية البيئة تقييمًا للمخاطر اعتمد على جمع بيانات مراقبة الهواء لأكثر من عام، حيث قررت وكالة حماية البيئة بعد ذلك أن الانبعاثات في الهواء تجاوزت المستويات المقبولة في الولاية لخطر الإصابة بالسرطان مدى الحياة.
في المقابل واصل العديد من الشركات استثماراتها بملايين الدولارات لتوسيع مصانع الأنابيب البلاستيكية، و"استثمارات ضخمة" من شركات البتروكيماويات في السنوات الأخيرة.
وتعدّ قناة هيوستن للسفن التي يبلغ طولها 52 ميلًا بالفعل واحدة من أكثر المناطق تلوثًا في البلاد، إذ تضم أكثر من 600 شركة مصنعة للمواد البلاستيكية والمواد الأولية البلاستيكية.
وفي الشهر الماضي، أصدرت منظمة العفو الدولية تقريرًا وجد أن شدة التلوث السام في قناة هيوستن للسفن ترقى إلى مستوى انتهاك لحقوق الإنسان.
ممارسة ضغوطات على المشرعين
ويقول التقرير إن الشركات الأربع الكبرى في تصنيع المواد البلاستيكية والكيميائية في الولايات المتحدة أطلقت عام 2022 أكثر من نصف مليون رطل من كلوريد الفينيل في الهواء، وفقًا لتحليل بيانات مخزون الإطلاقات السامة بواسطة "ماتيريال ريسيرتش".
ولكن باعتبارها أعضاء في معهد الفينيل، وهي مجموعة الضغط الرائدة لصناعة PVC وكلوريد الفينيل، فإن الشركات الأربع تكافح بشدة لإقناع المشرّعين بأن كلوريد الفينيل آمن ومستدام.
ويقول التقرير، إنه وبينما كانت المجموعة نشطة في الكابيتول هيل لعقود من الزمن، فقد رفعت إنفاقها على الضغط الفدرالي إلى 560 ألف دولار في العام الماضي.
ووفقًا للإفصاحات، فقد اجتمعت جماعات الضغط مع المشرّعين الأمريكيين لمناقشة موضوعات، مثل: تنظيم كلوريد البولي فينيل، وقانون التحرر من التلوث البلاستيكي، الذي يسعى إلى تقليل إنتاج المواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد، فيما يعارض معهد الفينيل هذا القانون، ويحشد من أجل عدم إثباته.
ويشدّد التقرير على أن هذه الجماعات واجهت تحديات على المستوى الدولي في العام الماضي، إذ اجتمعت لجنة التفاوض الحكومية الدولية التابعة للأمم المتحدة بشأن التلوّث البلاستيكي مرتين لمناقشة المعاهدة العالمية المقترحة بشأن البلاستيك. وقد دعا الاتحاد الأوروبي وعشرات الدول إلى حظر مادة البولي فينيل كلوريد.
في المقابل يدافع موقع معهد الفينيل عن ذلك بالقول "كان فريقنا موجودًا على الأرض في هذه الاجتماعات، لتثقيف المندوبين حول التأثير الإيجابي لمنتجات PVC على حقوق الإنسان والمساواة والصحة العامة في جميع أنحاء العالم."
وأردف "إن فرض حظر على مادة PVC من شأنه أن يضرّ بالدول النامية، ويقوّض أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة"، مضيفًا "نحن جميعًا نتفق مع الهدف الشامل المتمثل في القضاء على النفايات البلاستيكية، ومعهد الفينيل حاضر في هذه الاجتماعات لتثقيف المجتمع العالمي حول أهمية منتجات PVC في الرعاية الصحية ومياه الشرب النظيفة."