عاجل

حاكم تفير الروسية يقول إن إمدادت الغاز والكهرباء مستمرة بالرغم من الهجوم الأوكراني

logo
منوعات

المجتمع السوري بين دراما الخيانة وخيانة الدراما

المجتمع السوري بين دراما الخيانة وخيانة الدراما
26 يناير 2024، 6:44 ص

نظرة بانورامية على الدراما السورية تضعنا أمام حقيقة أن أحد أهم أسباب نجاحها الذي حققته خلال عقدين من بداية التسعينيات وحتى 2010 يعود إلى ملامستها الجمالية للواقع المحلي، وطرحها قضايا اجتماعية مهمة يتعاطف معها المشاهد السوري والعربي على حدٍّ سواء.

واستطاعت الأعمال الدرامية السورية في تلك الفترة أن تأخذ مكانها الأثير في الذاكرة الجمعية العربية باعتبارها تنطق بلسان المواطن العادي، من خلال تناولها قضايا الفقر والفساد والجهل والعديد من المشكلات المجتمعية، لدرجة بات المشاهد فيها يرى نفسه ومجتمعه وحياته فيها من خلال شخصياتها وحبكاتها والأفكار التي تطرحها.

أما بعد العام 2010 فقد توجهت المسلسلات السورية إلى طرح قضايا اجتماعية أكثر حساسية، وبات التركيز منصبًا على مواضيع إشكالية تتعلق بقيم الرجولة المحببة في الشرق الأوسط، ومنها على سبيل المثال موضوعة الخيانة الزوجية، التي لم تقتصر على خط درامي واحد ضمن العمل، بل بات المحور الأساسي الذي ترتكز عليه، مثل مسلسل "صرخة روح". واستشرت الخيانة في الدراما السورية لتحتل ما يقارب الـ40% من مساحة الأعمال المعروضة.

ولم يقتصر الموضوع على الخيانة الزوجية بمعناها التقليدي، بل تعداه إلى جرأة أكبر وحساسية أشد، إذ تناولت على سبيل المثال سفاح القربى، معتمدةً بشكل أساس على محاكاة الغرائز والشهوات واللعب على تابو الجنس بغزارة، ولو كان ذلك على حساب القيم المجتمعية التي سعت الدراما السورية منذ تأسيسها إلى محاكاتها والتأكيد عليها.

بعد أن كانت الخيانة مجرد خط درامي فرعي في كثير من الأعمال، مثل "سنعود بعد قليل، سكر وسط، أبناء القهر، زمن العار، شتاء ساخن، قلبي معكم، عن الحب والعزلة" وغيرها، باتت هي المحرك الأساس للأحداث، والموضوع المركزي في مسلسلات كعمل "الخائن" المقتبس عن الدراما التركية.



لكن بنظرة فاحصة فإن أخلاقيات الدراما السورية لم تعد كما كانت، إذ تحولت إنتاجاتها من أعمال مناسبة للأسرة في الوطن العربي عمومًا، إلى "دراما للكبار" أو "دراما +18" تحت يافطات مختلفة، منها الجرأة، أو محاكاة الواقع بواقعيته مهما كانت فجّة. ويحيل بعض النقاد ذلك إلى تلبية متطلبات السوق الدرامية.

ولعل مقارنة بسيطة بين أبناء القهر والخائن ستكون بمثابة بوصلة لما آلت إليه حال الدراما السورية، فكلاهما طرح موضوع الخيانة وآثار طلاق الأهل الناجمة عنها من ضياع الأولاد والانعكاسات النفسية على أفراد الأسرة كاملةً، لكن في المسلسل الأول نلاحظ أن الدراما كانت توعوية وتمرر رسائلها بسلاسة ودون تكلُّف، على عكس مسلسل الخائن الماضي في غِيِّه، وحلقاته التي لا تنتهي، في تصوير الخيانة وعواقبها بتبجُّح وتعالٍ وبابتعاد عن هموم الطبقة الوسطى في المجتمع.



بمعنى أن الدراما تخلَّت عن وظيفتها في صناعة المتعة النظيفة، وباتت بعيدة عن الواقع وشجونه، ورغم أنها حظيت ببعض الحرية في السنوات الأخيرة، ودعم إنتاجي كبير بحكم تجاوز حدود الإنتاج السوري المحلي باتجاه شراكات إنتاجية عربية، ما جعلها قادرة على اختراق محظورات اجتماعية ورقابية كان من الصعب تناولها سابقاً، إلا أنها لم تُرسِّخ القيم التي نهضت من خلالها، بل اعتمدت على شطحات جعلتها أقرب إلى "الدراما الصفراء" و"دراما الفضائح الاجتماعية" بعيدًا عن ملامسة الواقع بشفافية كما كانت تفعل سابقًا.

حتى أن العديد من إنتاجاتها الأخيرة أصبحت أقرب إلى فيديو كليبات فارهة، تعرض الممثلات والممثلين كعارضي أزياء، وتهتم بالديكورات الداخلية والطبيعة الخارجية على حساب طبيعة الشخصيات وانشغالاتها النفسية وتوتراها التي تفرضها الحكاية الدرامية.

وغلب الشكل على المضمون في الآونة الأخيرة، وصارت دراما الخيانة أقرب ما تكون إلى خيانة للدراما السورية نفسها، ولا نعلم متى سيتنبَّه صُنَّاعها إلى أن "الرُّوح يُحيي والحَرْف يُميت"، وأنه مهما بلغت ميزانيات الإنتاج ضخامة، فإن التركيز على جماليات المَظهر دون الاهتمام بالجوهر، سيضعها في خانة الدراما التائهة بلا بوصلة تقودها إلى بر الأمان.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC