التنور الطيني.. حرارة الخبز وشتاء الذكريات في سوريا

التنور الطيني.. حرارة الخبز وشتاء الذكريات في سوريا

لصناعة الخبز أجواؤه المميزة، فعدا رائحته الطيبة، فتلك تجهز العجين، وتلك تحوله لكرات صغيرة بعد أن يرتاح لساعات قبل الخَبز، وأخرى تقوم برق العجين وإدخاله بالتنور، والصبية يجمعون الحطب.

لا يزال تنور الخبز المصنوع من الطين يحتفظ بمكانته التراثية بين شعوب مناطق عدة من سوريا، ولاسيما النساء في شمال البلاد، حيث يعد التنور موئلاً لسرد الذكريات والوقائع وكذلك فرصة للتدفئة في ظل البرد القارس، مع نقص موارد الطاقة في سوريا.

كما تجتمع نساء حول التنور لتصدح أصوات أغانيهن الفلكلورية التي ترافق تجمعاتهن، ومنها حليمة كجو، (47 عاماً)، وهي امرأة كردية من منطقة "الكوجرات" في شمال شرق سوريا تقول لـ"إرم نيوز": "أنا أمٌ لأربعة أولاد شتت الحرب شملهم، بعد أن كانت رائحة خبز التنور المنبعثة من كل أطراف القرية تجمعهم مع بقية الأولاد".

تتنهد حليمة بحسرة تعقبها نظرة أمل، وهي تنظر لرغيف الخبز بيدها: "ربما سيعود الغائبون شوقاً لخبز أمهاتهم".

وتضيف أن "التنور ليس مكاناً لصنع الخبز فقط، بل هو مكان لتبوح فيه النسوة المنتظرات دورهن بالخبز عن همومهن وذكرياتهن، فالأحاديث التي تدور في محيطه من أجمل الأوقات التي تطيب بها الحكايات".

وتقول سينم بهزاد، (42 عاماً)، وهي تحمل العجين متجهةً إلى تنور جيرانها منتظرةً دورها: "ليس شرطاً أن يملك كل بيت تنوراً، فالجميع هنا لا ينام دون أن يخبز عجينه، لأن البعض لا يملك حطباً أو تنوراً".

السيدة "يادي شيريني" أي "الأم شيرين"، باللغة الكردية، تتمتع بذراعين قويتين رغم أنها تجاوزت السبعين، والعكازة بيدها ربما تخدع مَن يراها من بعيد، ولكنها تعتبر نفسها "تحت الطلب" دائماً لا يثنيها برد الشتاء ولا حرّ الصيف عن مساعدة الأمهات في صناعة التنور التي ورثتها عن أمها وجدتها.

وتبتسم الجدة شيرين متباهيةً بعملها المتقن بصناعة التنور الذي كانت لا ترضى أن يساعدها أحد بصناعته في أيام صباها.

تقول لـ"إرم نيوز": "أقوم برسم دائرة أحدد فيها محيط التنور، خطوة تعقب عجن الوحل وتجهيزه الذي يأخذ وقتاً بعد عجنه وخلطه بالتبن والقش، ومرسه وتقليبه وخلطه بشكل جيد، ومن ثم ملاحقة الدائرة والبدء برفع سقف التنور، الذي يأخذ شكلاً اسطوانياً مخروطياً فوهته للأعلى ربما تتجاوز خمسة أشبار، ثم نغربل التراب والتبن ونضع الملح لهما ونتركه لمدة يومين لنحصل على طينة جيدة".

ولصناعة الخبز أجواؤه المميزة، فعدا رائحته المنبعثة في كل أرجاء المكان، فتلك تجهز العجين، الذي لا يحتاج إلا لقليل من الملح والخميرة والماء، وأخرى تحوله لكرات صغيرة بعد أن يرتاح لساعات قبل الخَبز، وتلك تقوم برق العجين وإدخاله بالتنور، والصبية يجمعون الحطب متسارعين لإطعام النار ليحمى التنور الذي يحتاج لحرارة معينة، حتى تتمكن الأمهات من البدء بالخبز.

 وتُجمع نساء متجمهرات حول التنور على أن الظروف الاقتصادية الصعبة، وانقطاع الكهرباء المتكرر، وعدم توفر الخبز في الأفران، جعلتهن يستعن بالخبز المنزلي على التنور الطيني الذي يضاهي طعمه وجودته طعم الخبز في الأفران.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com