القدس.. "زهرة المدائن" تطل على شرفات الزمان (فيديو إرم)

تُطل القدس، أكبر مدينة في فلسطين التاريخية من حيث المساحة وعدد السكان، وأكثرها أهمية دينيا واقتصاديا، مثل أميرة في كامل بهاءها، من شرفات التاريخ على أزمنة غابرة وممالك متعاقبة.

وتصنع المدينة القديمة، التي تقع في وسط فلسطين، وتبعد نحو 60 كيلومترا شرق البحر المتوسط، أسطورتها الخاصة كأحد أقدم المدن المأهولة بالسكان على وجه المعمورة، وتضيء ابتسامتها دروبا وأودية وتعطر سيرتها قصصا وحكايات تليق بإحدى أكثر بقاع العالم خصوصية ورمزية.

وتؤكد الحفائر والسجلات الأثرية أن تاريخها يعود إلى أكثر من 5 آلاف عام تنوعت خلالها الألقاب والأسماء، التي تدل عليها بتنوع الحضارات والأزمنة المتوالية.

وأطلق عليها الكنعانيون "أورساليم"، التي تعنى "مدينة السلام" أو "مدينة الإله ساليم" ومنها اشتق اسم "أورشليم"، التي تُنطق بالعبرية "يروشاليم"  بمعنى " البيت المقدس".

بينما أطلق عليها اليونانيون اسم "إيلياء" بمعنى "بيت الرب" وتناوب على عرشها ملوك وأباطرة الفراعنة والبابليون والمقدونيون بقيادة الإسكندر الأكبر والرومان وأخيرا العرب.

ويكتسب موقع المدينة أهمية خاصة، حيثُ تبعد المدينة القديمة نحو 60 كيلومترا شرق البحر المتوسط وحوالي 35 كيلومترا غرب البحر الميت، و250 كيلومترا شمالا عن البحر الأحمر، وتبعد عن عمّان 88 كيلومترا غربا، وعن بيروت 388 كيلومترا جنوبا وعن دمشق 290 كيلومترا جنوب غرب.

وأقيمت "مدينة السلام" فوق هضاب وقمم جبلية ما جعلها تجمع بين عبقرية الجغرافيا وفرادة التاريخ، الذي يسير على قدميه في أزقتها ويجلس ليستريح بين الحين والآخر في حاراتها وأسواقها.

البلدة القديمة

وبحسب وزارة السياحة والآثار الفلسطينية، تعتبر البلدة القديمة في القدس بأسوارها إحدى أكثر مدن العصور الوسطى الإسلامية المحافظ على طرازها وشكلها بصورة جيدة في العالم، وهي تنقسم إلى أربعة أحياء أو حارات هى  الحي الإسلامي وحارة النصارى وحي الأرمن والحي اليهودي.

وكانت المدينة القديمة موطنا للعديد من الثقافات المتنوعة، والتي انعكست في تخطيطها وهندستها المعمارية ، وكذلك في طرقها وأسواقها وأحيائها السكنية.

ولا تزال التقاليد الحية فيها بارزة إلى الوقت الراهن، وتجعل منها قلبا نابضا بتاريخ البشرية. وقد أُدرجت في عام 1982 على قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر.

ويظل سور القدس أحد السمات العمرانية المميزة للمدينة، إذ تشير وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" إلى أن السور بُني في العهد الكنعاني، لكنه تعرض إلى الخراب عدة مرات على يد الجيوش الغازية وكانت آخر عملية تدمير تعرض لها على يد الملك عيسى الأيوبي في عام 1226، خوفا من أن تتقوى به الجيوش الصليبية إذا ما احتلوا المدينة.

وحين  جاء السلطان  العثماني "سليمان القانوني" أمر بإعادة بناء السور الموجود حاليًا ورصد لإعماره جميع عائدات الضرائب في فلسطين لمدة خمس سنوات.

ويأخذ السور شكل شبه المنحرف ويبلغ  طوله أكثر من 3 ونصف الكيلومتر بينما يصل ارتفاعه إلى نحو 12 متر وله 34 برجا أشهرها برج اللقلق، وبرج كبريت كما أن له 7  أبواب مفتوحة هي باب الأسباط والعامود والساهرة والجديد والخليل والمغاربة وباب النبي داود.

ذاكرة فنية

وتكتسب القدس رمزية كبرى عند أصحاب الديانات الثلاث حيث تضم من المزارات الروحية والخلفيات التاريخية ما يجعلها تجمع على نحو عبقري وغير مسبوق رموزا يهودية ومسيحية وإسلامية  وهو ما يتجلى بشكل رئيسي في حائط المبكى وكنيسة القيامة والمسجد الأقصى.

وتعد كنيسة القيامة أحد أبرز معالم المدينة وهي واحدة من أقدم ثلاث كنائس بالعالم، بينما يصنف الباحثون مسجد "قبة الصخرة" باعتباره أقدم أثر في تاريخ العمارة الإسلامية وبناه عبد المروان بن عبد الملك في عهد الأمويين.

وفي كتابه " القدس – ذاكرة فنية عربية"، يعتبر الباحث محمد منصور أن أغنية "زهرة المدائن" التي قدمتها السيدة فيروز، كلمات وتلحين الأخوين رحباني، أهم عمل فني يستلهم سيرة المدينة حيث خضع اللحن والبناء الموسيقى لتجارب غير تقليدية تقوم على توظيف المارشات العسكرية والأبواق النحاسية.

ويقول مطلع القصيدة :"لأجلك يا مدينة الصلاة أصلّي.. لأجلك يا بهيّة المساكن يا زهرة المدائن..  يا قدس يا مدينة الصلاة أصلّي.. عيوننا إليك ترحل كل يوم".