إحدى البائعات في الأسواق السورية
إحدى البائعات في الأسواق السورية إرم نيوز

الأمّ السورية.. امرأة بخمسة رجال (صور)

"ارتفاع عدد الأسر التي تعيلها امرأة، وارتفاع معدلات الفقر، دفعت إلى سوق العمل، نساء لم يكنّ يعملن سابقا".

كثرت مسؤوليات الأم السورية بعد الحرب، نتيجة ارتفاع معدلات الفقر وانخفاض مستوى الدخل، إلى جانب فقدان المعيل الذي تسبب بوجود أكثر من مليون طفل يتيم، تصل نسبتهم إلى 10% من أطفال سوريا، حسب أرقام الأمم المتحدة.

وبسبب قلة فرص العمل، اضطرت الأمهات لمزاولة أعمال الرجال، فنشأت أسواقٌ أغلب البائعين فيها من النساء، كما عملت المرأة في المطاعم ووسائط النقل العامة والتسول وجمع المخلفات البلاستيكية من الحاويات أو بيع الخبز أمام الأفران.

مهام جسام بعائدٍ ضعيف

وتحضر الأم السورية، في معظم أسواق مدينة دمشق، مثل "الفحامة" و"باب سريجة" و"الحميدية"، ويشكل بعضهن مجموعات تتعاقد مع تجار سوق "الشعلان" المختص ببيع الخضار الجاهزة.

ويقول الباحث الاقتصادي زياد غصن لـ"إرم نيوز": "تحولات اقتصادية واجتماعية حصلت أثناء الحرب، منها عمل النساء في مهن شاقة، وجلوس فتيات أخريات في المنزل بسبب عدم القدرة على سد نفقات التعليم".

ورغم أن منظمة العمل الدولية تطالب بعمل المرأة وتراه ضروريًا في جميع المجتمعات، إلا أن المهام الجسام التي تتكبدها الأم السورية، في تدبير المنزل ورعاية الأولاد والعمل ساعات طويلة في الخارج، تجعلها تحتمل أكبر من طاقتها بكثير.

بائعة سورية
بائعة سوريةإرم نيوز

وتقول الباحثة الاقتصادية الدكتورة رشا سيروب لـ"إرم نيوز": "ارتفاع عدد الأسر التي تعيلها امرأة، وارتفاع معدلات الفقر، دفعت إلى سوق العمل، نساء لم يكنّ يعملن سابقا".

وتسبّب ارتفاع عدد الأسر التي تعيلها نساء، إلى تدني أجور المرأة في الوظائف، لأن معظمهن من كبيرات السن وغير الجامعيات، وهو ما أجبرهنّ على العمل برواتب قليلة ومستويات وظيفية دنيا.

وفي أحد أقسام الكهرباء بريف دمشق، تم تكليف الموظفات بالعمل في قراءة عدادات الكهرباء داخل المنازل القريبة من سكنهن، وهي مهنة كانت مقتصرة على الرجال، وذلك بسبب صعوبة المواصلات وتكاليف الوصول لمكان الوظيفة".

ويقول الباحث غصن: "ارتفاع عدد الأُسر التي تعيلها نساء وصعوبة الوضع الاقتصادي، أجبر جميع أفراد الأسرة على العمل، بمَن فيهم النساء. ولم يكن عمل النساء نتيجةً لسياسة حكومية تهدف للمساواة بين الجنسين، وإنّما أحد تداعيات الأزمة المستمرّة منذ عام 2011".

مسنّات وأرامل يضطررن للعمل

وتؤكد أم مصطفى، سبعينية تبيع الخضار في سوق الفحامة، أنها مضطرة للعمل من أجل تأمين ثمن الدواء لعينيها ومفاصلها. وتضيف لـ"إرم نيوز": "إذا تمكنا من تأمين مصروفنا اليومي فهو عيد الأم بالنسبة إلينا".

وتقول أم محمد، إنها تبيع اللبنة والجبنة وبعض المنتجات الأخرى لتأمين حياة بناتها وزوجها العاطل عن العمل، لكنها لا تنجح في ذلك دائماً. وتضيف: "اضطرت ابنتي إلى ترك المدرسة الثانوية، بسبب ارتفاع تكاليف الدروس".

بائعة سورية
بائعة سورية إرم نيوز

وتلتقي قصص جميع النساء في معاناة واحدة، تتلخص في الفاقة وقلة الحيلة وموت الزوج المعيل، فيما تكفلت أخريات بتربية أحفادها بسبب استشهاد أبنائهن في الحرب.

وتفضل بعض النساء، مهنة البيع المتجول، فيواظبن على التواجد عند مواقف الباصات طيلة النهار أو يبقين في الأماكن المزدحمة حيث احتمالات البيع أكبر. لكن هذه المهنة تبقى أقرب إلى التسول.

وتقول أم أحمد لـ"إرم نيوز": "أبيع البسكوت والشوكولاته للعابرين، وغالباً ما يعطوني النقود دون أن يأخذوا شيئاً".

وتحتبس الدمعة في عيني أم خالد، عند سؤالها عما تشعر به في عيد الأم، وتقول: "لم نعد نشعر بطعم لهذا العيد. أتمنى أن أنجح في تربية بناتي الست، فهذا أسعد عيد عندي".

وتسخر بعض الأمهات عندما نسأل عن قوالب الكاتو والشموع التي جهزنها لعيد الأم. ويقلن إن تأمين ربطة الخبز مع طبخة اليوم، أهم شيء بالنسبة إلينا.

امرأة بخمسة رجال

وتأتي أم مصطفى يوميًا من قرى جبل الشيخ الواقعة في ريف القنيطرة القريبة من دمشق، بعد أن تشتري من الفلاحين المنتجات لتبيعها في سوق الفحامة، حيث تقضي النهار حتى المساء، ثم ترجع إلى قريتها "بيت جن".

وتضيف أم مصطفى: "أخرج من ضيعتي وأذهب إلى قرية حينة وبيت ساير وبيت تيمة، فأجمع ما يمكن من الخضار، ثم أكمل الطريق إلى هنا على أمل البيع وتحقيق بعض الربح. وبعد أن أعود للبيت مساء، أقوم بالطبخ وبقية الواجبات".

البائعة السورية أم مصطفى
البائعة السورية أم مصطفىإرم نيوز

وتقول أم مصطفى، إن أسوأ ما يمكن أن يحصل لها، هو عدم تصريف كامل الخضراوات، فهذا يعني خسارة حتمية بسبب تكاليف المواصلات، عدا عن التعب في إعادة البضاعة مرة ثانية إلى القرية".

وربما من أصعب المواقف التي واجهتنا في هذا الريبورتاج، عندما سألنا أم يزن، القادمة من الأرياف البعيدة لتبيع بضاعتها في السوق، عن عيد الأم، فقد شرعت بالبكاء ولم تجب. وكانت المفاجأة أن اثنين من أبنائها قد استشهدا في الحرب!.

Related Stories

No stories found.
logo
إرم نيوز
www.eremnews.com