الإمام أبو حامد الغزالي
الإمام أبو حامد الغزاليصورة بالذكاء الاصطناعي

الإمام الغزالي.. رجل التصوف والفلسفة والبحث عن الحقيقة

ربما لو عاش الإمام أبو حامد الغزالي في عصرنا الحالي، لصنف في مركز متقدم في قوائم عديدة للأذكياء والناجحين والعصاميين والفلاسفة والمتصوفة والرحالة، وهي بعض فقط مما تميز به ذلك الرجل الذي تفرد في كتابة سيرته الذاتية بجانب مؤلفاته العديدة.

عاش أبو حامد الغزالي بين عامي 450 و 505 هجري، الموافق لـ 1058 و 1111 ميلادي، وخلال حياته التي امتدت لنحو 53 عامًا، قضى عمره كاملًا باستثناء سنوات الطفولة الأولية، طالبًا للعلم، سرعان ما تحول لمعلم فذ في بداية شبابه على غير العادة لمن هم في سنه.

ويعد الغزالي رجل دين لا ينافسه في عصره أحد، فعنده تجد علوم الشريعة الإسلامية وتفسيراتها واختلافاتها، لكن ليس ذلك كل شيء، فكثير من الفلسفة والتصوف الذي وصلنا لوقتنا الحالي، يعود لذلك المتصوف الفيلسوف.

ولد أبو حامد محمد بن محمد بن أحمد الطوسي الغزالي في طوس، وهي ثاني كبرى مدن خراسان حينذاك بعد نيسابور، وتقع اليوم في شرق إيران، وكانت تلك الفترة، والمنطقة، حافلة بالنقاشات الدينية وتعدد المذاهب.

طوس
طوسمتداول

توفي والده، الذي يعتقد أنه كان يعمل في غزل الصوف، ومنه أخذت العائلة لقب الغزّالي، وأبو حامد وشقيقه أحمد طفلان لم يبلغا سن الرشد، لكن الوالد أوصى بإنفاق كل ميراثه في تعليمهما، والذي أثمر خلال وقت قصير عن بروز فتى ليس كأقرانه في الحفظ والذكاء.

ومن بلدة طوس، بدأت رحلة أبو حامد الغزالي مع العلوم الشرعية، منتقلًا في بداية الأمر نحو نيسابور، وهي عاصمة السلاجقة الذي حكموا بعد الخلافة العباسية، وكانت مدينة العلم بعد بغداد، فدرس بجد واجتهاد عند أشهر علماء نيسابور، حتى برع في المذاهب والخلاف والجدل والأصول، وكانت العلوم السائدة في عصره.

وبات الغزالي أكثر من طالب علم منذ ذلك الحين، ويعتمد عليه أساتذته في مساعدتهم بتعليم طلابهم في نيسابور، قبل أن يقرر التوجه نحو بغداد، حاضرة العلوم والشريعة في ذلك العصر.

انخرط الغزالي في كثير من المناظرات الفقهية والمطارحات الكلامية الشائعة في تلك الحقبة، وكان لافتًا في حفظه وإدراكه وإقناعه ورده على مخالفيه، ليقرر "نظام الملك"، وهو وزير مشهور في فترة حكم السلاجقة، تعيينه مدرسًا في مدرسته النظامية ببغداد، وهو بعمر 34 عامًا، في سابقة لم يعرفها علماء عصره الطامحون للتدريس في تلك المدرسة المرموقة.

أخبار ذات صلة
المالوف الليبي.. فن معتّق تعملق به حسن عريبي

توجَّه الغزالي بعد نحو أربع سنوات في بغداد إلى الشام، وأقام فيها نحو عامين، تميزت بالعزلة والاعتكاف في المساجد وشكلت بداية حياة التصوف عند الغزالي، ومنها توجه إلى القدس، مصطحبًا طبع العزلة والاعتكاف، ثم توجَّه نحو الخليل، ومنها إلى مكة المكرمة والمدينة، حيث أدى فريضة الحج، قبل أن يعود إلى طوس، بحثًا عن العزلة التي انتهت بعد نحو عشر سنوات بوفاته ودفنه في مسقط رأسه.

لم يجمع الغزالي الأموال في حياته رغم تمني السلاطين والولاة إكرامَه، فمن الأندلس كان الولاة يرسلون له لمعرفة الرأي الفقهي السديد والفتوى في ما يظهر لهم، وشهرته في بغداد والشام ومصر فوق كل شهرة، وأنهى حياته متخذًا في جوار منزله في طوس مدرسة للطلبة، ووزع أوقاته بين ختم القرآن ومجالس الذكر.

وربما أفضل تعريف للغزالي، هو ما قاله عن نفسه في سيرته الذاتية التي عنونها بـ "المنقذ من الضلال" إذ كتب "ولم أزل في عنفوان شبابي منذ راهقت البلوغ، قبل بلوغ العشرين إلى الآن، وقد أناف السن على الخمسين، أقتحم لجة هذا البحر العميق، وأخوض غمرته خوض الجسور لا خوض الجبان الحذور، وأتوغل في كل مظلمة، وأتهجم على كل مشكلة، وأتقحم كل ورطة، وأتفحص عن عقيدة كل فرقة".

الإمام أبو حامد الغزالي
الإمام أبو حامد الغزاليمتداول

ويضيف "أستكشف أسرار مذهب كل طائفة، لأميز بين محق ومبطل، ومتسنن ومبتدع، لا أغادر باطنيًّا إلا وأحب أن أطلع على باطنيته، ولا ظاهريًّا إلا وأريد أن أعلم حاصل ظاهريته، ولا فلسفيًّا إلا وأقصد الوقوف على كنه فلسفته، ولا متكلمًا إلا وأجتهد في الاطلاع على غاية كلامه ومجادلته، ولا صوفيًّا إلا وأحرص على العثور على سر صوفيته، ولا متعبدًا إلا وأترصد ما يرجع إليه حاصل عبادته، ولا زنديقًا معطلًا إلا وأتحسس وراءه للتنبه لأسباب جرأته في تعطيله وزندقته".

يصنَّف الغزالي على أنه من أهم أئمة الأشاعرة، وهو كذلك من أئمة المذهب الشافعي الكبار، ويلقب بـ"حجة الإسلام"، لأنه رد على الفلاسفة والدهريين ورد على الباطنية، كما عرف بأنه أهم منظري الفكر الصوفي في تاريخ الإسلام. يعد كتاب "إحياء علوم الدين" أشهر مؤلفاته الكثيرة، مثل "مقاصد الفلاسفة" و"تهافت الفلاسفة" و"الاقتصاد في الاعتقاد" و"معيار العلم" و"محك النظر" و "المستظهري في فضائح الباطنية".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com