رحلة إلى "موسيقى الباروك" في أوبرا دمشق
أحيت فرقة "عازفو دمشق لموسيقى الباروك"، مساء الخميس، أمسية في دار الأوبرا بالعاصمة السورية.
واصطحبت الفرقة الحاضرين إلى رحلة في هذا النمط اللحني المفعم بالعواطف والأحاسيس والمنتمي إلى الفترة الزمنية بين أعوان (1580 -1650)، لمؤلفين من جنسيات مختلفة إيطالية وألمانية وإنكليزية وفرنسية.
وكانت المعزوفة الأولى كونشيرتو للوتريات والكلافيسان من تأليف الإيطالي أنتونيو فيفالدي، والمتعارف عليه أن الكونشيرتو يكون حواراً لآلة موسيقية بمرافقة بقية آلات الفرقة.
لكن في هذا العمل لم تكن البطولة مفردة، وإنما جماعية أبرزت جماليات اللحن البوليفوني الذي يميز تلك المرحلة من تاريخ الموسيقى، وذلك وفق ثلاث حركات: سريعة ثم بطيئة فسريعة.
وأحال العمل الثاني سينفونيا رقم أربعة بتوقيع الألماني غيورغ فيليب تيليمان، إلى شخصية الباروك الألماني الأكثر صلابةً من نظيره الإيطالي، فضلاً عن أنها عرَّفتنا على الشكل البدائي لما بات يُعرَف لاحقاً في العصر الكلاسيكي للموسيقى بالسيمفونية، حيث تألَّفت السينفونيا من أربع حركات تؤديها الفرقة مجتمعة.
ومن فرنسا قدمت فرقة دمشق لموسيقى الباروك متتالية السلطان للوتريات والكلافيسان للمؤلف فرانسوا كوبيران، مجسدةً نمطاً لطيفاً، عبارة عن مجموعة رقصات متسلسلة ومُسليّة.
وتعد هذه إحدى مظاهر التأثر الغربي بالحضارة العربية، فمع نهاية عصر الأندلس انتشر نمط موسيقي له علاقة بالموسيقيين الجوالين يدعى "تروبادور" يكون فيه مغن يرافقه عازف على آلة اللوت التي تحولت إلى العود في عصور لاحقة.
ذلك كان في عصر النهضة السابق للباروك، لكن في الفترة الباروكية تم تطوير هذا النمط ومزجه مع الموسيقى الكنسية، أي تم جمع الموسيقى الدينية بالدنيوية وجعلها مشحونة بالعواطف والانفعال.
وكان العمل الرابع في الأمسية من تأليف الإنكليزي هنري بورسيل بعنوان ثلاث مقطوعات للوتريات، ولعل أكثر ما يميزها هو جمعها للرصانة الألمانية مع الغنائية الإيطائية، وهو ما جعلها في المنطقة الوسط من ناحية الأحاسيس والزخرفات الباروكية.
واختتم حفل الأوبرا بترنيمة "آفي ماريا" (الأم العذراء) للمؤلف جوليو كاتشيني بمشاركة مغنية السوبرانو حنين الحلبي، التي أبرزت مقدرات صوتية مهمة وإمكانية في تلوين دراما حنجرتها في تجسيدها التضرع للسيدة مريم عليها السلام.
وكانت هذه المقطوعة كما أوضح المشرف على الحفل مهدي المهدي بمثابة صلاة لأرواح ضحايا الزلزال الذي أصاب سوريا في السادس من شباط الماضي.

وقال المهدي في تصريح لـ"إرم نيوز": "نحن كشعوب عربية نحمل جانباً عاطفياً كبيراً بشخصيتنا، وهو ما يجعلنا قادرين على أداء هذا النوع الفني بكل جدارة، وإبراز جماليات المقطوعات المبنية على النمط الموسيقي البوليفوني".
وأوضح أن "ما يميز البوليفوني عن الموسيقى الهارمونية التي تحوي لحناً رئيسياً وألحاناً مرافقة، بأنه في النمط البوليفوني هناك عدة أصوات موسيقية متزامنة مع بعضها، ولكل منها الأهمية ذاتها، وهو ما يجعل كتابتها معقدة بالشكل لكنها لحنية أكثر وبالتالي جميع العازفين يكونون أبطالاً منفردين".
ومن الجدير ذكره أن فرقة دمشق لموسيقى الباروك كانت موجودة سابقاً وأشرف على تدريبها الدكتور نبيل الأسود، إلى جانب ورشات أشرف عليها الموسيقي الإيطالي ماركو فيتالي Marco Vitale في المعهد العالي للموسيقا.
وكان مهدي المهدي من أعضاء هذه الفرقة في عام 2014، وشارك معهم في عدة حفلات ومهرجانات خلال سنوات عديدة.
وأكد أنه "أحب إعادة إحياء هذه الفرقة من جديد لنقل خبرته التي اكتسبها في هذا النمط الموسيقي إلى الأجيال الجديدة، ولتكون هذه الفرقة وسيلة لرفد الحركة الثقافية والفنية الجادة في سوريا بنمط موسيقي نوعي، وقريب لنا في نفس الوقت، كونه ينتمي لعصر كانت فيه موسيقى الحضارات والشعوب حول العالم متقاربة إلى حدٍّ ما.

وتكونت الفرقة التي أشرف عليها مهدي المهدي من مجموعة آلات وترية هي الكمان الأول وعازفوه هم: (يارا العشة، جورج أبو شعر)، والكمان الثاني: (ديمة خير بيك، جورج سعد).
أما "الفيولا" فعزف عليها (قيس أبو فخر، ملهم المسعد)، والتشيللو (قره بيت أرسلانيان)، والكونترباص (سارة سنجار) بالاضافة لآلة الكلافيسان (طارق شرابي) والتي تشكل مع التشيللو والكونترباص القاعدة الهارمونية الأساسية لموسيقى هذا العصر والتي تسمى "Basso Continuo".