ريم قمري: المثقف التونسي لم يكن له دور في أحداث بلاده

ريم قمري: المثقف التونسي لم يكن له دور في أحداث بلاده

للشاعرة والإعلامية التونسية ريم قمري رأي مختلف حول قصيدة النثر، فهي ترى أن كتابتها أصعب بكثير من كتابة القصيدة الموزونة أو التفعيلة، لأنها كتابة تخلو من دعائم الوزن الذي يسهم في بناء القصيدة ويجنبها الانزلاق نحو النثر الصرف الذي يخلو من أي شاعرية.

وعلى الصعيد السياسي تأسف قمري من دور المثقف من الأحداث التي تجري في بلادها؛ فهي ترى أنه لم يكن له أي دور فيما حصل من تغيير سواء بشكل إيجابي أو سلبي.

الكتابة مثل الفرس متى ما أحبت خيالها أتته طواعية
ريم قمري

في هذا اللقاء مع "إرم نيوز" نسبر أغوار الكتابة وحالة المثقف في تونس البلاد التي لم تهدأ منذ خلع الرئيس التونسي الأسبق بن علي وحتى يومنا هذا:

- ما يجول بصدرك يستحيل شعرا لحظة كتابته؛ أتحدث عن كتابة ريم قمري بلغتها البسيطة والمباشرة والمكثفة، كيف تنجح ريم باقتناص اللحظة الشعرية في عالم الكتابة المضطرب؟

الكتابة ليست تجول بالضرورة فقط في صدري، فهي أيضا تجول في عقلي، وهي تفاعلي بما هو حولي، أي هي تداخل الشخصي بالعام، والموضوعي بالعاطفي، وهي نتاج حالتي النفسية، وغالبا ما تكون هذه الأخيرة محفزا على الكتابة، فأنا أتأثر بما حولي، من أحداث عامة، وتطفو على السطح كوامن عالمي الداخلي، كل هذا يستحيل تربة خصبة ومادة خام للكتابة.

لكني أود أن أشير هنا إلى أني لا اقتنص اللحظة الشعرية بل هي التي تقوم باقتناصي واصطيادي، أنا أترك لها حرية ذلك، فقط أجهز نفسي لاستقبالها متى ما عن لها ذلك.

الكتابة مثل الفرس متى ما أحبت خيالها أتته طواعية، لذلك أنا دربت نفسي على الكتابة في أي مكان أو زمان، لا طقوس عندي معينة، حين أحس بولادة النص، أجلس وأكتب، داخل البيت، السيارة، الحديقة، المكتب، كلها بالنسبة لي أماكن صالحة للكتابة.

الشعر ديوان العرب أم الرواية؟

- يقولون إن الرواية غدت ديوان العرب، وتراجع الشعر لكثرة سالكي طريقه من المدعين والمتطفلين، إلى أي حد تتفقين مع ذلك؟

سأجيبك عن هذا السؤال بطريقة ربما قد تبدو مختلفة قليلا، شخصيا لا أؤمن بالفصل بين الأجناس الأدبية، طبعا هناك فصل من ناحية الشكل وتقنيات الكتابة، الشعر يبقى شعرا والقصة قصة والرواية رواية.

هنا يأتي دور الناقد الحقيقي في تشريح النص وتحديد جنسه، لكني أؤمن بأن الكتابة الجديدة يمكن أن يتداخل فيها الشعر مع الرواية أو مع النثر إذا شئنا، وفي الوقت نفسه يبقى كل جنس أدبي محافظا على وجوده وبقائه.

وإذا رأى الكاتب في نفسه القدرة على الكتابة في الأجناس الأدبية المختلفة وربما الجمع بينها في أثر أدبي فله ذلك، وشخصيا لا أرى في ذلك ضيرا.

الحديث عن أن الرواية أصبحت ديوان العرب أراه حديثا مجانبا للصواب، وربما هي فكرة أراد أن يكرسها الناشرون لأنهم في النهاية يتحدثون بلغة الأرقام.

أخبار ذات صلة
صدور آخر كتب الباحث محمد شحرور "تصور الإنسان عن الله"

كل ما في الأمر أن هناك في الآونة الأخيرة إقبالا على الرواية بحكم كثرة الجوائز وأهميتها المالية؛ لذلك أصبحنا نتحدث عن سوق هام للرواية مقابل تراجع الإقبال عن الشعر.

ولكن هذا لا يعني مطلقا أن الشعر لم يعد ديوان العرب وأنه يشكو من الإهمال وعدم إقبال القراء، هو فقط صفر نخبويا أكثر، ثم إن مسألة استسهال كتابة الشعر أثرت سلبا وهذا أمر لا يمكننا إنكاره.

بالنسبه لموضوع أن هناك العديد من المتطفلين ممن تجرؤوا على كتابة الشعر يمكنني هنا أن أخبرك أنه حتى بالنسبة للرواية هناك الكثير من المتطفلين في كتابة الرواية ممن تجذبهم الجوائز العربية الهامه لكتابة نصوص هزيله جدا ولا تستجيب لمقومات الرواية.

الجدال بين قصيدة النثر والقصيدة الموزونة أو التفعيلة هو جدال عقيم.

برأيي الشخصي أنا يهمني فعل الكتابة في حد ذاته، ولا أؤمن بفكرة أن هذا من حقه أن يكتب والآخر لا، برأيي أن نكتب حتى ولو أنجزنا نصوصا ضعيفة وهزيلة أفضل من أن لا نكتب (بالمرة)، والزمن وحده كفيل بالمحافظة على النص الحقيقي.

قصيدة النثر.. جدل لا ينتهي

- مازالت قصيدة النثر تحظى بالجدل؛ فمنذ ظهورها وحتى يومنا هذا تغيب عن بعض النقاد جمالية النص على حساب الوزن والتفعيلة، كيف تنظر ريم لهذا الجدل؟

أعتقد أن كتابة قصيدة النثر أصعب بكثير من كتابة الموزون أو التفعيلة، لأنها كتابة تخلو من دعائم الوزن الذي يسهم في بناء القصيدة ويجنبها الانزلاق نحو النثر الصرف الذي يخلو من أي شاعرية.

وبالتالي فإن قصيدة النثر عارية من هذا الوزن الذي يمكن أن يدعمها، لذلك يستسهل الكثيرون كتابة قصيدة النثر ولكنهم يجهلون أن هذه الكتابة دقيقة جدا، ويمكن أن تجعلنا ننزلق بسهولة ونخرج عن الشعر لنجد أنفسنا داخل الخاطرة أو الأقصوصة أو أي كتابة أخرى غير الشعر.

أعتقد أن قصيدة النثر هي في صميم الشعر وإن كانت لا تعتمد على الوزن كما ذكرنا سابقا، وهي لا تخلو من شعرية وجمالية وإيقاع داخل النص.

أخبار ذات صلة
"طفولة من قش".. رواية مصورة للسويسرية ليكا نوسلي

فقط كتابتها صعبة جدا وتتطلب الكثير من المراس والجهد، إنها قصيدة تعتمد على الصورة، أي أن الصورة الشعرية يجب أن تكون متكاملة وتحمل داخلها إيقاعها.

شخصيا أرى أن كتابة قصيدة التفعيلة والموزون أسهل بكثير من كتابة قصيدة النثر. متى ما كنا متمكنين طبعا من الكتابة العروضية.

وأظن أن هذا النوع من الكتابة لا يزال قيد التطور والإنشاء وربما سيفاجئنا في المستقبل بجمالية مختلفة ومنفلتة.

برأيي إن هذا الجدال بين قصيدة النثر والقصيدة الموزونة أو التفعيلة هو جدال عقيم، لأن الكتابة كائن حي واللغة أساسا كائن يتطور باستمرار، لكن هذا لا يعني طبعا إلغاء قصيدة التفعيلة أو الموزون، فقط علينا أن نؤمن بأن هناك أشكالا مختلفة لكتابة الشعر وأن الشعر قادر على احتوائها وتطويرها.

علينا أن نحتفظ بقصيدة التفعيلة والموزون، وهي أيضا أثبتت قدرتها على تطور عبر الزمن منذ العصر الجاهلي إلى اليوم، لأنها أساس الشعر العربي، لكن علينا أيضا أن نمنح قصيدة النثر ما تستحقه من مكانة في الشعر العربي الحديث.

المثقف والربيع العربي

- تعيش بلادك تونس تحولات كثيرة وكبيرة منذ الإطاحة بنظام بن علي؛ على أي ناصية كان المثقف التونسي يقف، هل قاتل ولو بالكلمة؟

أعتقد أن دور المثقف والمبدع عموما في تونس بعد الثورة وإلى اليوم لا يمكننا أن نصفه بالدور القيادي، فالمثقف تفاجأ برأيي كما تفاجأ جزء كبير من الشعب بحدوث الثورة، وهذا لا ينسحب فقط على المثقف التونسي وحده.

أعتقد أن هذا ما حصل في أغلب بلدان الربيع العربي، مع الأسف المثقف التونسي والعربي عموما كان يعاني دائما من التهميش والتسطيح، وهو ما جعل أغلب المثقفين ينقسمون إلى قسمين، قسم قرر أن يعيش في عزلة اختيارية، ويكتب في صمت دون أن يخوض فيما هو سياسي.

أغلب المثقفين فضلوا الوقوف على الربوة ومشاهدة ما يحدث دون أن يسهموا في تغييره بشكل مباشر

وقسم آخر حاول أن يكون له دور نضالي أو نقابي أو سياسي ولكنه فشل في فرض صورة المثقف المناضل والثوري.

برأيي الشخصي وقد يهاجمني الكثير على ما سأقوله أعتقد أن المثقف لم يكن له أي دور فيما حصل من تغيير سواء بشكل إيجابي أو سلبي.

أغلب المثقفين فضلوا الوقوف على الربوة ومشاهدة ما يحدث دون أن يسهموا في تغييره بشكل مباشر.

وأعتقد أن هذا يعود أساسا إلى أننا مجتمعات كانت ترزح تحت سلطة أنظمة ديكتاتورية شمولية، وقد سعت هذه الأنظمة دائما وأبدا إلى تقزيم المثقف اجتماعيا وماديا ومعنويا حتى تتسنى لها السيطرة على المجتمع.

- ككاتبة ومنخرطة بالعمل الثقافي، هل تتفقين مع التحولات السياسية في بلادك، وهل تعتقدين بأن أتّون التغيرات بات يصهر كل شي ليعيد تشكيله من جديد؟

لا يمكنني أن أقول صدقا أنني أتفق مع كل التحولات السياسية التي وقعت في بلدي إلى حد اليوم، لكني في الوقت نفسه أؤمن أن هناك مسارا اجتماعيا سيؤدي بدوره إلى واقع سياسي مختلف، هذه حتمية الزمن وحتمية التغيير.

ما حصل من تغيير سياسي في تونس أي منذ الثورة إلى اليوم لم يكن بالأمر السهل؛ لقد تم تفكيك نظام سياسي شمولي كان يسيطر على الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويمسك جميع خيوط اللعبة بيده، طبيعي بعد انهياره أن يحصل الفراغ.

أخبار ذات صلة
رواية بوليسية جديدة للكاتبة الفرنسية فريد فارغاس

وهذا الفراغ أدى إلى ظهور أجسام سياسية واجتماعية مختلفة، بعضها كان غريبا عن المجتمع، ( الفكر الإسلامي المتشدد)، وبعضها الآخر ربما كان جزءا من المجتمع ولكنه كان مختفيا زمن قمع النظام السابق.

أخبار ذات صلة
عودة أيام قرطاج للفن المعاصر في تونس بعد غياب 3 سنوات

المهم أن كل هذه التغييرات التي حصلت دفعه واحدة لا يمكنها أن تؤسس نحو بناء مجتمع مستقر سياسيا واقتصاديا واجتماعيا خلال فترة زمنية قصيرة، أي أنه بالضرورة لا يزال أمامنا الكثير من التغييرات، خاصة أننا مرتبطون جغرافيا بالعديد من التحولات الاقليمية، التي تؤثر بالضرورة علينا، هذا إلى جانب الصراع الدولي الكبير الذي يحاول تشكيل خريطة جيو إستراتيجية جديدة للعالم، وفق مصالح اقتصادية للقوى الكبرى المؤثره في العالم، أي أننا في النهاية جزء من لعبة عالمية كبيرة بوعي أو دون وعي منا.

لو تحدثت عن وضع بلدي بشكل عاطفي، سأقول أكيد إنني غير راضية عما يحصل، فهناك العديد من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، وعدم استقرار سياسي بسبب الصراع بين الأحزاب والأطراف السياسية المختلفة، إضافة إلى الصراع الطبقي الجديد وارتفاع نسبة الفقر والبطالة.

سأقول إني غير راضية وهذا أمر طبيعي. لكني أؤمن إيمانا عميقا بأن فترة 10 سنوات في تاريخ الشعوب لا تعني شيئا، لذلك أنا واثقة من أن تغييرات كثيرة مازالت تنتظرنا، وأظن أننا سننجو في نهاية المطاف وسننجح في تحديد طريق نجاتنا.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com