أزمة السودان في عيون مثقفيه

أزمة السودان في عيون مثقفيه

يرى عدد من مثقفي السودان أن الصراع الذي اشتعل في البلاد، كان حتميا وتعود جذوره إلى عدة عوامل.

ويقول الكاتب عبدالله الأسد إن جذوره تعود إلى عدة عوامل تاريخية واجتماعية وسياسية، منها الصراعات في دارفور وجنوب السودان والمناطق الحدودية الشمالية والشرقية، والتي تتعلق بالتمييز العرقي والديني والنزاعات الأرضية والموارد والسياسة والسلطة.

ويؤيده الكاتب منصور الصويم في أن الحرب كانت متوقعة، وتعود إلى أخطاء كبيرة منها في عهد البشير وأغلبها أبعد من ذلك، يعود إلى تأسيس الدولة الوطنية السودانية في عام 1956، وما صاحبها من أخطاء تأسيسية ترجمتها حالات الانقلابات العسكرية والحروب الداخلية المتكررة، وفشل الحكومات المتعاقبة في تحقيق توافق سلمي وعادل بين أقاليم السودان المختلفة، الحرب الأخيرة ما هي إلا ترجمة لحالة فشل الدولة السودانية منذ لحظة ميلادها إلى الآن.

وتلفت الدكتورة إيمان شريف، الحائزة على دكتوراه في الاقتصاد، إلى أن حتمية الحرب تعود إلى وجود جيشين في المشهد والسلطة، والصراع بين جيش وجيش آخر أحدث وهو قوات الدعم، التي تم إنشاؤها منذ عشرين عاما، للسيطرة على التمرد والمشاكل في دارفور، وبعد ذهاب عمر البشير أصبح جزءا من المشهد السياسي، وهو ما وصفته بـ"الخطأ الأكبر".

الكاتب عبدالله الأسد
الكاتب عبدالله الأسد

التأثير الديمغرافي

وفي وقت استبعدت فيه الدكتورة إيمان تأثيرا ديمغرافيا للحرب على الأرض، مرجعة السبب في ذلك إلى انحصار الصراع بين قوتين عسكريتين، ليس للعرق شأن بها. يرى الكاتب الصويم أن الحرب بشكلها الحالي تقود إلى الاستقطاب الإثني والديمغرافي، ولا يتعلق الأمر فقط بطرفي الصراع.

ويوضح أنه على الرغم من أن الدعم السريع، من حيث الجذر ومستوى القيادة يكاد ينتمي إلى مكون عرقي واحد، إلا أنه – مع مرور الوقت منذ تكوينه – صار مستوعبا لكافة الأعراق السودانية، ويكاد في هذا يقترب من الجيش السوداني أو يوازيه.

ويتوقع الكاتب الصويم أن الأثر الأعمق ربما يكون قبليا في كافة ولايات السودان، بدخول الجميع في حرب الكل ضد الكل، في حال تفاقم الأمر وخروجه عن السيطرة.

ترى إيمان شريف أن "الجميع خاسر في هذه الحرب"، منوهة في الوقت نفسه إلى أن الوضع لن يشهد هجرة كبيرة خارج السودان.

ويرتكز الصويم في ذلك إلى وجود صراعات قبلية في الأصل على الأرض في ولايات مثل دارفور، خاصة فيما حدث في مدينة الجنينية، بداية اندلاع هذا الصراع.

ويرى أنه في النهاية لابد أن تطال هذه الحرب كل شيء في السودان حتى وإن تحقق السلام وتوقفت آلة القتل.

ويقول: "ما أرجوه فقط أن يتحقق في -حال انتهت الحرب – التوافق السوداني الكامل الذي يعترف بالتنوع الثقافي والإثني الذي يذخر به السودان، وهو بلا شك وجه من أوجه الصراع الدائر الآن وإن كان غير مرئي بالكامل".

الأثر الاقتصادي

وتؤكد أستاذة الاقتصاد، الدكتورة إيمان شريف، أن البلد دفع "الثمن غاليا" من الناحية الاقتصادية مع دمار شامل في البنية التحتية، التي تدمرت بشكل شبه كامل.

وتضيف أن هناك عمليات ممنهجة لنهب البنوك، ونقص في السيولة سيعود بأثر سلبي على الناس، الذين لم يعودوا قادرين على التصرف في حساباتهم البنكية، وتعرضت التطبيقات الذكية التي تمكن الناس من شراء حاجياتهم، لأعطال تؤخر أعمال المواطنين، إضافة إلى انقطاعات في الكهرباء.

الكاتب منصور الصويم
الكاتب منصور الصويم

ويعتبر الكاتب الصويم أن الاقتصاد السوداني يعاني حالة انهيار تام، بدأت مع عهد الرئيس عمر البشير وتفاقمت في الفترة الانتقالية، رغم محاولات الانعاش في عهد حكومة حمدوك اعتمادا على مؤسسات النقد الدولية.

ويلفت إلى أن الحرب الدائرة الآن قضت على ما تبقى من الاقتصاد، فالبنية التحتية في الخرطوم بحاجة إلى سنوات طويلة لإعادة إعمارها، وعلى مستوى الإنتاج والتصدير والاستثمار (الذهب، الزراعة... الخ)، توقف كل هذا وأصبح السودان الآن خارج المنظومة الاقتصادية العالمية، معلقا بالقول "الخراب هو الحالة المسيطرة في هذه اللحظة".

الوضع الإنساني

تقول أستاذة الاقتصاد، الدكتورة إيمان، أن المواطن السوداني هو الذي دفع الثمن على الأرض، إذ أصبحت الخرطوم خاوية من أهلها بعدما هجر سكانها بيوتهم وحياتهم.

وتضيف أن حرب الشوارع صعبة في طبيعتها على الناس، إذ يختبئ المتمرون في بيوت المواطنين، ويبدؤون في ضرب الجيش، ما يتسبب بصعوبة في الوصول إليهم، لافتة إلى ارتكاب قوات الدعم السريع الكثير من الانتهاكات.

وتشير إلى أن قوات الدعم السريع تعيث خرابا في النهار، وفي الليل تحل محلها عصابات أخرى تمتهن السرقة واقتحام البيوت الآمنة بسكانها لهذا الهدف.

أخبار ذات صلة
ما نطاق أزمة المساعدات الناجمة عن القتال في السودان؟

وترى إيمان شريف أن "الجميع خاسر في هذه الحرب"، منوهة في الوقت نفسه إلى أن الوضع لن يشهد هجرة كبيرة خارج السودان، إذ يلجأ المواطنون إلى مناطق أخرى في البلاد، نظرا لأن النزاع متركز في مناطق سيادية وفي أماكن مقرات الجيش.

نهاية الصراع

يشدد الكاتب عبدالله الأسد على ضرورة الحوار بين الأطراف المعنية في الصراع السوداني والتفاهم والمصالحة لحل الصراعات القائمة.

ويؤكد ضرورة مشاركة جميع الأطراف في الحوار باستثناء "المؤتمر الوطني" الذي تقوده جماعة الإسلام السياسي (الإخوان المسلمين).

ويرى أن هذا يتطلب التزاما بحقوق الإنسان والعدالة والتسامح وتقاسم السلطة والثروات، وقبول حلول وسطية للمشاكل المشتركة.

بدورها، ترى إيمان شريف أنه يصعب التكهن في وضع البلاد حاليا، ولم يتم حسم الأمور، مبينة أن الاتفاق السياسي ودمج قوات الدعم تحت لواء واحد "كان الطريق الأسلم"، لكن ذلك لم يحصل، ما أشعل هذه الحرب.

وتشدد على ضرورة إنهاء حالة تعدد الأجهزة الأمنية في البلاد، وحصر السلاح فقط في يد القوات النظامية.

وتعتقد أستاذة الاقتصاد أن "التعنت هو سيد الموقف" في الوقت الحالي، وأن الأمور ربما وصلت إلى مرحلة اللا عودة.

يؤيدها الكاتب منصور الصويم، الذي يعتقد أن التحليلات المحلية والعالمية تشير إلى تفاقم الوضع بصورة أسوأ ودخول البلاد في حرب أهلية شاملة، وهو ما تحقق بشكل جزئي في الخرطوم وبعض الولايات، ما سيؤدي بدوره إلى تفكك السودان وتوزعه إلى دويلات متناحرة.

ويؤيد كذلك ضرورة التفاوض الذي يهدف إلى تحقيق تسوية ومصالحة شاملة لإنقاذ السودانيين من جحيم هذه الحرب.

ويبدي أملا في أن تحقق المبادرات الإقليمية والدولية الجارية الآن هذا الهدف وأن تنجح على الأقل في هذه المرحلة في إيقاف القتال الدائر بين القوتين المتصارعتين وتتيح للمواطنين السودانيين ممرات آمنة وقدرة على استعادة الخدمات الحياتية والطبية وغيرها، وبالطبع تأتي على رأس هذه المبادرات المبادرة السعودية الأمريكية التي تمكنت من الجمع بين طرفي الصراع في المفاوضات الجارية الآن في مدينة جدة في السعودية.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com