فيلم "الحوت".. حين يرتقي البطل بفيلم متواضع إلى منصة "الأوسكار"

فيلم "الحوت".. حين يرتقي البطل بفيلم متواضع إلى منصة "الأوسكار"

لا شيء في فيلم "الحوت (Whale)" للمخرج الأمريكي دارين أرنوفسكي يلفت الانتباه، فهو عبارة عن دراما رتيبة تدور مشاهدها ضمن أربعة جدران، غير أن أداء بطله بريندان فريزر استطاع أن يمنح الفيلم قيمة، وأن يجلب للفيلم جائزتي أوسكار في الدورة الأخيرة، هما جائزة أفضل ممثل، وكذلك جائزة "الماكياج".

ما حكاية الفيلم؟

يكاد يخلو فيلم الحوت المقتبس عن مسرحية لصامويل د. هانتر، بالاسم ذاته، من أية حبكة درامية، وفي اللغة المسرحية هو أشبه بمونودراما تقتصر على رصد حياة ويوميات بطل الفيلم شارلي (بريندان فريزر) الذي يعيش في عزلة شقته، ولا يكاد يرى أحداً سوى صديقته ليز، وابنته إيلي، وجار طارئ هارب من أسرته.

ما الذي يستدعي، إذاً، تحقيق فيلم عن شخصية هامشية على هذا النحو؟ الجواب يكمن في "البدانة المفرطة"، فهذا البلاء الذي ابتلي به شارلي، الذي يزن نحو 300 كغم، هو الذي يشكل حافزاً للمخرج أرنوفسكي، صاحب التاريخ السينمائي الناصع، للمضي في سرد هذه الدراما النفسية والغوص عميقاً في نفسية الشخص البدين وكآبته، ومراقبة التفاصيل اليومية البسيطة التي تمثل مشاكل عويصة لبطل الفيلم.

وسط هذه الجدران الأربعة، وفي تلك العزلة الأبدية، تمضي الساعات الضجرة لبطل الفيلم فريزر الذي ينجح في تقمص شخصية البدين، بكل انفعالاتها وتقلباتها وعثراتها

على مدى نحو ساعتين (مدة الفيلم) سنراقب حياة شارلي التعيسة وهو يعاني من عجز في الوقوف والمشي. يلتهم الوجبات السريعة بشراهة، وكأنه ينتحر بالتقسيط، ويمضي يومياته متكاسلاً على كرسي متحرك، باستثناء وقت قصير يمضيه على اللابتوب وهو يعطي دروساً "أونلاين" في الأدب الإنكليزي لعدد من الطلبة، مبدياً الحرص على عدم فتح كاميرته كي لا يفاجئ طلبته بمظهره الذي سيبعدهم عنه.

يظهر الفيلم تفاصيل ما يعانيه شارلي، فسقوط مفتاح الغرفة من يده على الأرض يشكل مشكلة له لا يقوى على حلها بجسده العملاق، وكذلك تناول ورقة، أو جلب هاتفه الخليوي من مكان قريب، أو الاستحمام .. إنه حبيس جسد مترهل؛ متراخ، لا يقوى على أدنى حركة، ولا يستطيع أن يخدم نفسه إلا بمساعدة صديقته.

وسط هذه الجدران الأربعة، وفي تلك العزلة الأبدية، تمضي الساعات الضجرة لبطل الفيلم فريزر الذي ينجح في تقمص شخصية البدين، بكل انفعالاتها وتقلباتها وعثراتها، وتقليد حركاته البسيطة، ويأسه في فعل شيء حيال ضغط الدم المرتفع واضطراب ضربات القلب.

يتخيل البطل نفسه الحوت موبي ديك، ولا أحد يرغب في العيش أو التعاطف معه، فهو رجل بات، كما يعتقد، فائضاً عن الحاجة، يرزح تحت وطأة جسد ثقيل خانته السنوات
أخبار ذات صلة
جوائز الأوسكار.. جدارة فنية أم صفقات خفية؟

بهذا السجل الصحي والنفسي السيىء، يعلم شارلي أن أيامه باتت معدودة في الحياة، لينقل للمشاهد صور عجزه عبر ردود أفعال ترتسم على ملامح وجهه البائس، وكأنه يلوم الأقدار على ما انتهى إليه حاله، بعد حياة أسرية فاشلة، والعلاقة غير الودية التي تربطه بابنته الوحيدة "المشاكسة والمتمردة"، والتي يسعى لإصلاحها بعد فوات الأوان.

هذا الإمعان في رسم ملامح العجز البشري يميز سينما ارنوفسكي في أفلام سابقة، فهو لا يتردد في إظهار آلام وهموم أبطاله، مهما بدت صادمة، مركزاً عدسته على مكامن الضعف البشري ومستعرضاً واقعاً شديد القسوة، والقتامة.

وفيلمه الحوت ليس استثناء، فهو يوظف شخصية شارلي لإظهار كل ما فيها من سوداوية وعطب وضعف وهشاشة، تاركاً المشاهد وسط مشاعر متناقضة إزاء شخصية غارقة في التراجيديا، ويموت ببطء أمام الكاميرا في بيت يبدو، بدوره، كئيباً وموحشاً وصامتاً، باستثناء عصفور ينقر على النافذة في صورة رمزية عن التحليق والطيران، وهو ما يناقض، تماماً، حالة البطل المقيد.

"موبي ديك"

ومع أن عنوان الفيلم يأتي أساساً من شكل الشخصية التي تشبه الحوت في ضخامتها، غير أن العنوان يحيلنا كذلك إلى رواية "موبي ديك"، الشهيرة، للروائي الأمريكي هيرمان ملفيل، وهذا ما يتجسد في الفيلم حين يتخيل البطل نفسه الحوت موبي ديك، ولا أحد يرغب في العيش أو التعاطف معه، فهو رجل بات، كما يعتقد، فائضاً عن الحاجة، يرزح تحت وطأة جسد ثقيل خانته السنوات.

وتحضر رواية "موبي ديك" كذلك، عندما يستعين شارلي بتعليق كتبته قبل سنوات ابنته عن هذه الرواية، فقد احتفظ بهذا التعليق، ويطلب من الآخرين قراءته على مسمعه، مراراً وتكراراً، حتى غدا أشبه بتميمة تنقذه من هجمات المرض، وتعيد له شيئاً من سعادة آفلة.

"هذه القصة لا تتحدث عنها وسائل الإعلام عادة، إنها قصة تحصل خلف أبواب مغلقة في شقق صغيرة مؤلفة من غرفتين في كل أنحاء البلاد، وفي أنحاء القارة، وفي أرجاء العالم"
بريندان فريزر - بطل الفيلم
أخبار ذات صلة
توم كروز غاب عن حفل جوائز الأوسكار لهذا السبب

الأداء الملفت لفريزر في فيلم الحوت، أعاده إلى الأضواء مجدداً، بعد نجومية حققها في أفلام تجارية في التسعينات، فالأوسكار أعاد له الاعتبار، وهو ما ظهر في تعليقات النقاد الذين لم يشيدوا بالفيلم كثيراً لكنهم أجمعوا على براعة أداء بطله، ورأوا أن دور فريزر في "الحوت"، سيجعل استديوهات صناعة الأفلام تعيد النظر في موهبة البطل السابق لأفلام المغامرات والإثارة والكوميديا مثل "المومياء"، و"رحلة إلى مركز الأرض"، و"جورج من الغابة"، و"روز السامة".

وبعيداً عن رؤية المخرج أرنوفسكي، كان لفريزر قراءته الخاصة للفيلم، عندما أعرب عن أمله في أن يساهم الفيلم في "إنهاء التحيز ضد الأشخاص الذين يعانون من السمنة".

وقال فريزر: "في كثير من الأحيان ننسى أن هؤلاء بشر، لديهم أفكار، ومشاعر، وقلوب، وعائلات".

وأوضح أن "هذه القصة لا تتحدث عنها وسائل الإعلام عادة، إنها قصة تحصل خلف أبواب مغلقة في شقق صغيرة مؤلفة من غرفتين في كل أنحاء البلاد، وفي أنحاء القارة، وفي أرجاء العالم".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com