خلال إطلاق أحد صواريخ "سبيس إكس" إلى الفضاء
خلال إطلاق أحد صواريخ "سبيس إكس" إلى الفضاءرويترز

السباق نحو الفضاء.. مصدر آخر لتلوث الأرض والغلاف الجوي

قبل مغادرته غلاف الأرض الجوي، يطلق كل مكوك فضائي آلاف الكيلوغرامات من المعادن والمواد الكيميائية الأخرى الملوثة في الهواء؛ ما قد يؤثر على الأرض والغلاف الجوي على حد سواء.

وفي السنوات القليلة الماضية، ارتفع عدد عمليات إطلاق الصواريخ، مع قيام الشركات التجارية، خاصة شركة "سبيس إكس" والوكالات الحكومية، بإطلاق آلاف الأقمار الصناعية إلى مدار أرضي منخفض.

ومع ازدياد عمليات إطلاق الأقمار الصناعية، سيتطلب الأمر عدداً أكبر من عمليات الإطلاق الفضائية التي يمكن أن تؤدي إلى مستويات متصاعدة من الانبعاثات.

مزيد من الملوثات

وفي الوقت الذي رفضت فيه شركة "سبيس إكس"، التعليق على حجم التلوث الناجم عن الصواريخ والأقمار الصناعية، شعر العديد من العلماء بالقلق من أن المزيد من عمليات الإطلاق، ستؤدي إلى انتشار المزيد من الملوثات في الطبقات البكر من الغلاف الجوي للأرض، في حين أن الهيئات التنظيمية في جميع أنحاء العالم، والتي تقيّم بعض مخاطر الإطلاقات الفضائية، لا تضع قواعد تتعلق بهذا النوع من التلوث.

ويقول العلماء، إنهم لا يريدون الحد من اقتصاد الفضاء المزدهر، لكنهم يخشون إننا قد لا نفهم عواقب التلوث الناجم عن الصواريخ، والمركبات الفضائية، إلا بعد فوات الأوان.

وتشير الدراسات بالفعل إلى أن الطبقات العليا من الغلاف الجوي مليئة بالمعادن الناتجة عن المركبات الفضائية، التي تتفكك عندما تعود إلى الأرض.

التأثير السلبي

وعندما ينطلق صاروخ مثل "فالكون 9"، يستغرق عادةً نحو 90 ثانية، لاختراق الغلاف الجوي السفلي، أو التروبوسفير، قبل الوصول إلى الغلاف الجوي الأوسط، الذي لا يشهد الكثير من التلوث؛ لأنه نادراً ما تحلق الطائرات التجارية على هذه الارتفاعات، فهو مكان هادئ وغير ملوث وخال، باستثناء صاروخ يمر عبره لمدة 3 إلى 4 دقائق في طريقه إلى الفضاء.

وبحلول الوقت الذي ينحني فيه الصاروخ إلى مداره، يكون قد ألقى في الطبقتين الوسطى والعليا من الغلاف الجوي ما يصل إلى ثلثي انبعاثات عادمه، والذي يتوقع العلماء أنه سيتجمع في الطبقة السفلية من الغلاف الجوي الأوسط "الستراتوسفير".

وتعدّ هذه المساحة موطناً لطبقة الأوزون، التي تحمينا من إشعاعات الشمس الضارة، ولكنها حساسة للغاية، وحتى أصغر التغييرات، يمكن أن يكون لها تأثيرات هائلة عليها، وعلى العالم تحتها.

أخبار ذات صلة
بيونغ يانغ تنذر بإطلاق المزيد من الأقمار الاصطناعية

يذكر أنه عندما ثار بركان "جبل بيناتوبو" في عام 1991، قذف البركان ما يكفي من غاز ثاني أكسيد الكبريت إلى طبقة الستراتوسفير، لإحداث موجة تبريد دامت سنوات متعددة على الأرض، في الوقت الذي ارتفعت فيه درجة حرارة طبقة الستراتوسفير.

ويشعر بعض العلماء بالقلق من أن العادم التراكمي الناتج عن المزيد من الصواريخ، قد يؤثر على المناخ بطريقة مماثلة.

وفي الوقت الحالي، يتضاءل انبعاث عادم الصواريخ مقارنة بما ينبعث من الطائرات، لكن العلماء يشعرون بالقلق من أنه حتى الإضافات الصغيرة إلى طبقة الستراتوسفير سيكون لها تأثير أكبر بكثير.

ويقول العلماء إن الكربون الأسود، الذي ينبعث من الصواريخ الحالية، سيكون بمثابة ثوران بركاني مستمر، وهو التغيير الذي يمكن أن يستنزف طبقة الأوزون ويؤثر على الأرض.

عمليات الإطلاق المتكررة

في التسعينيات، عندما كان يتم إطلاق المكوك الفضائي التابع لوكالة "ناسا" والصواريخ الأخرى باستمرار من الأراضي الأمريكية، توقع العديد من الدراسات أنها ستسبب ضرراً محلياً للأوزون.

حتى أن إحدى الدراسات تنبأت بأن ذلك سيؤدي إلى خلق ثقب صغير في الأوزون فوق "كيب كانافيرال" من حيث تنطلق الصواريخ؛ الأمر الذي من شأنه أن يسمح لمزيد من أشعة الشمس فوق البنفسجية، بالوصول إلى الأرض؛ ما سيزيد بدوره من خطر الإصابة بسرطان الجلد، وإعتام عدسة العين، واضطرابات المناعة.

وبعد جمع البيانات من الرحلات البحثية على ارتفاعات عالية، وجد العلماء ثقوباً محلية في الأوزون في أعقاب المكوك، لكنها شفيت بسرعة ولم تكن كبيرة بما يكفي للتأثير على "كيب كانافيرال".

لكن قد لا يكون الأمر نفسه صحيحاً في المستقبل؛ ففي عام 2023، أطلقت شركة "سبيس إكس" ما يقارب من 100 صاروخ بمفردها، حيث قامت ببناء كوكبة الأقمار الاصطناعية "ستارلينك" الخاصة بها.

وستنضم شركة أمازون قريباً إلى سابقتها؛ إذ تخطط لعمليات إطلاق متكررة لمشروع "كويبر" الخاص بها، كما أن هنالك شركات أخرى تسعى إلى وجود كبير في المدار.

وتوفر هذه الأقمار الصناعية مجموعة من المزايا، بما في ذلك الإنترنت عريض النطاق في أي مكان على الأرض تقريباً. ولكن بمجرد أن تكمل هذه الشركات مجموعاتها التي تصل إلى آلاف المركبات المدارية، فلن تنتهي عمليات الإطلاق؛ إذ إن عمر العديد من الأقمار الصناعية يتراوح من 5 إلى 15 عاماً؛ ما يتطلب من شركات الأقمار الصناعية أن تقوم باستبدالها بشكل مستمر.

تحديد التأثيرات المحتملة

ومع قيام شركات الفضاء بتسجيل أرقام قياسية لعمليات الإطلاق، ونشر الأقمار الصناعية، بدأ العلماء في تحديد التأثيرات المحتملة.

ففي بحث نُشر في عام 2022، تبين أن الكربون الناتج عن الصواريخ، فعّال بما يقرب من 500 مرة في تسخين الغلاف الجوي، مقارنة بالكربون المنبعث من مصادر مثل الطائرات الأقرب إلى السطح.

وهذا يعني أنه عندما تنمو صناعة الفضاء مع إطلاق المزيد من الصواريخ، سنبدأ في رؤية هذا التأثير يتضخم بسرعة كبيرة.

ووجدت دراسة منفصلة نُشرت أيضًا في عام 2022، أنه إذا زاد معدل إطلاق الصواريخ 10 مرات، فإن انبعاثاتها يمكن أن تتسبب في ارتفاع درجات الحرارة في أجزاء من الستراتوسفير بما يصل إلى درجتين مئويتين.

وقد يؤدي ذلك إلى تدهور طبقة الأوزون في معظم أنحاء أمريكا الشمالية، وكل أوروبا، وجزء من آسيا. ونتيجة لذلك، قد يتعرض الأشخاص الموجودون في خطوط العرض العليا في نصف الكرة الشمالي، لمزيد من الأشعة فوق البنفسجية الضارة.

الوقود المحايد

تستخدم معظم الصواريخ المطلقة حالياً وقود الكيروسين، الذي يصفه بعض الخبراء بأنه "قذر"؛ لأن ثاني أكسيد الكربون وبخار الماء والكربون تنبعث منه مباشرة إلى الغلاف الجوي. لكنه قد لا يكون الوقود السائد في المستقبل.

أخبار ذات صلة
"سبيس إكس" تحصل على ترخيص أولى رحلات "ستارشيب" إلى الفضاء

فعلى سبيل المثال، يستخدم صاروخ "سبيس إكس" المستقبلي "ستار شيب" مزيجاً من الميثان السائل ووقود الأكسجين السائل. ومع ذلك، فإن أي وقود هيدروكربوني ينتج كمية معينة من الكربون.

وحتى الصواريخ الخضراء، التي تعمل بالهيدروجين السائل، تنتج بخار الماء، وهو غاز مسبب للاحتباس الحراري على هذه الارتفاعات العالية الجافة. لذلك، يمكن القول أنه لا يوجد شيء اسمه وقود دافع محايد تماماً، وكلها لها تأثيرات مختلفة.

المخلفات المتناثرة

بمجرد أن تصل الأقمار الصناعية الموجودة في المدار الأرضي المنخفض إلى نهاية عمرها التشغيلي، فإنها تغوص في الغلاف الجوي وتتفكك، تاركة وراءها تياراً من الملوثات.

وعلى الرغم من أن العلماء لا يعرفون حتى الآن كيف سيؤثر ذلك على بيئة الأرض، إلا أنه يعتقد أن التأثير الأكثر أهمية سيكون من رحلات الفضاء.

ووجدت دراسة نشرت في أكتوبر أن طبقة الستراتوسفير مليئة بالفعل بالمعادن الناتجة عن عودة المركبات الفضائية.

قواعد تنظيمية

وبينما يدق العلماء ناقوس الخطر، فإنهم لا يرون أنفسهم في معارضة لشركات الصواريخ أو مشغلي الأقمار الصناعية، التي تقدم خدمات مذهلة للناس على الأرض. لكنهم يطالبون بمجموعة من القواعد التنظيمية التي تأخذ في الاعتبار الآثار البيئية.

فعلى سبيل المثال، إذا وجد العلماء أن صناعة الفضاء بدأت في الإضرار بالبيئة، فمن المنطقي أن يتم ببساطة الحد من أعداد عمليات الإطلاق والأقمار الصناعية، إلى أن يتم تعديل المواد أو الوقود التي تستخدمها صناعة الفضاء.

ولكن للقيام بذلك، يقول العلماء إن مشغلي الأقمار الصناعية وشركات الصواريخ يحتاجون إلى لوائح تنظيمية، والقليل منها موجود حالياً.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com