هل يوقف قرار الرئيس بايدن الحرب في السودان؟

هل يوقف قرار الرئيس بايدن الحرب في السودان؟

بعد يومين من اندلاع الحرب في شوارع الخرطوم صباح 15 أبريل 2023، صرحت السفارة الأمريكية بالخرطوم أنها لا تجد سبباً لإجلاء السفير وطاقمها الدبلوماسي، فضلاً عن الرعايا الأمريكيين.

كثيرون فهموا ذلك على أنه تأكيد بأن القتال محدود ومحسوب، ولكن بعد أيام قلائل شرعت أمريكا في عمليات إجلاء واسعة، وحطت طائرات مروحية داخل السفارة بالخرطوم لتجلي الدبلوماسيين، ثم تبعتها بقية الدول، ويكاد السودان يكون الآن دولة خالية من الأجانب، بمن فيهم من السودانيين حاملي الجنسيات الأخرى.

وأغلقت السفارة الأمريكية بالخرطوم أبوابها تماماً دون نقل نشاطها إلى أية عاصمة اخرى، مثلما فعلت الحكومة البريطانية التي نقلت سفارتها إلى أديس أبابا، للإبقاء على اتصالها مستمراً عن كثب مع الأوضاع السودانية.

وظل تواصل الإدارة الأمريكية مع الشأن السوداني محصوراً في تصريحات وزير الخارجية أنتوني بلينكن واتصالاته الهاتفية بالبرهان ودقلو.

واعتبر خبراء الدبلوماسية أن الموقف الأمريكي يبرهن على تدني الشأن السوداني في ذروة انشغال الولايات المتحدة الأمريكية بملفات عالمية ساخنة، مثل الحرب الروسية الأوكرانية والصين وإيران وغيرها.

القرار الرئاسي الأمريكي يفرض بقوة حماية أمريكية للانتقال الديموقراطي والسلام والاستقرار بالسودان ولكن هل يتمتع بالجدية الكافية ليؤثر على الأوضاع الراهنة والفاعلين الأساسيين في المشهد السوداني؟

ولكن الإدارة الأمريكية أعادت ترتيب أوراقها وتغير الموقف يوم الخميس 4 مايو 2023، إذ أصدر الرئيس الأمريكي جو بايدن قراراً تنفيذياً بـ"إنفاذ عقوبات على أشخاص محددين يزعزعون استقرار السودان ويقوضون هدف التحول الديموقراطي"، أعلن بموجبه أن ما يجري في السودان مهدد للأمن القومي والسياسة الخارجية الأمريكية، ومدد "حالة الطوارئ الوطنية" التي أعلنت ضد السودان العام 1997 في عهد الرئيس كلينتون.

القرار الرئاسي الأمريكي الجديد حدد بدقة ما سماه "تهديداً استثنائياً" للأمن القومي والسياسة الخارجية الأمريكية وحصره في حدثين:

الأول: ما وصفه بـ"إمساك العسكريين بالسلطة" في 25 أكتوبر 2021، وقد تجنب تسمية الحدث بـ"انقلاب عسكري" حتى لا يندرج ضمن لائحة عقوبات أمريكية تغل يد الإدارة الأمريكية عن التواصل بالسلطة العسكرية في السودان.

والثاني: القتال الذي نشب في أبريل 2023.

وحدد القرار الرئاسي الأمريكي ثلاث مراحل للمدى الزمني الذي يغطيه، وهي:

المرحلة الأولى: فترة السعي نحو تكوين حكومة مدنية انتقالية، حيث يعاقب القرار الرئاسي الأمريكي من "يحولون دون تكوين الحكومة الانتقالية باستخدام العنف أو أي طرق أخرى" .

المرحلة الثانية: الفترة بعد تكوين الحكومة الانتقالية، إذ يستهدف القرار ما وصفه بـ"تقويض الحكومة الانتقالية".

المرحلة الثالثة: فترة مفتوحة تشمل أية حكومة سودانية منتخبة ديموقراطياً في المستقبل.

أخبار ذات صلة
شابة سودانية تروي تفاصيل رحلة هروبها "الصعبة" من نيالا إلى سنار بسبب الحرب

ينص القرار على تجميد أصول كل من يحدد وزير الخزانة الأمريكي بالتشاور مع وزير الخارجية أنه كان مسؤولاً أو متواطئاً أو اشترك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة أو حاول الاشتراك في:

(1) الأعمال أو السياسات التي تهدد سلام وأمن واستقرار السودان.

(2) الأعمال التي تمنع أو تقوض أو تؤخر أو تعرقل أو تشكل خطراً ملحوظاً يؤدي إلى منع أو تقويض أو تأخير أو عرقلة تكوين أو عمل حكومة مدنية انتقالية، أو انتقال سوداني نحو الديموقراطية، أو حكومة منتخبة ديموقراطياً في المستقبل.

(3) الأعمال التي تستهدف، أو لها تأثير، يُقوِّض الإجراءات والمؤسسات الديموقراطية في السودان.

(4) الرقابة أو الأفعال أو السياسات التي تمنع أو تحد أو تعاقب حريات التعبير والتنظيم والتجمع السلمي للأشخاص في السودان، أو تمنع أو تحد من الحصول على الأخبار والمعلومات المستقلة عن السودان.

(5) الفساد عموماً واستغلال النفوذ أو الأموال الحكومية وشبه الحكومية للمصلحة الشخصية.

(6) الإساءة الخطيرة لحقوق الإنسان، وتتضمن الكبت السياسي.

(7) استهداف النساء والأطفال أو المدنيين الآخرين بكل أنواع العنف بما فيها القتل والتعذيب والعنف الجنسي أو النزوح القسري أو الهجوم على المدارس أو المستشفيات أو الأماكن الدينية وكل ما يخالف القانون الإنساني الدولي.

(8) إعاقة أعمال بعثات الأمم المتحدة بما فيها بعثات حفظ السلام، والبعثات الدبلوماسية والمنظمات الإنسانية.

رغم كون قرار الرئيس بايدن يمثل لائحة عقوبات جديدة فإنه يرفع درجة التعامل مع الشأن السوداني من المستوى الوزاري إلى الرئاسي، وقد تكون المِنن في طي المِحنّ.

القرار الرئاسي الأمريكي يفرض بقوة حماية أمريكية للانتقال الديموقراطي والسلام والاستقرار بالسودان، ولكن هل يتمتع بالجدية الكافية ليؤثر على الأوضاع الراهنة والفاعلين الأساسيين في المشهد السوداني؟

للاجابة عن هذا السؤال يجدر النظر لقرار مماثل صدر من مجلس الأمن، القرار 1591 في مارس 2005، الذي شمل تجميد أصول وحظر سفر الشخصيات السودانية التي ترتبط بحرب دارفور ولم يكن له تأثير يذكر عندما نفذ على 4 شخصيات سودانية، إذ ليست لديهم أصول خارجية، وكل تأثيره كونه أشار بإصبع الاتهام وحدد مسؤولية الأشخاص الذين شملهم القرار.

لكن القرار الرئاسي الأمريكي الجديد قد يشمل طائفة واسعة من المسؤولين المدنيين والعسكريين في مختلف المستويات والمجالات، فمثلا يندرج تحت توصيف "إعاقة تكوين الحكومة الانتقالية" كل من يغلق الموانئ أو الطرق القومية أو حتى يهدد بذلك.. وفي السنوات الأخيرة شاع استخدام أسلوب إغلاق الموانئ والمطارات والطرق والجسور، لفرض أجندة سياسية أحياناً تضاد الحكومة الانتقالية.

ويشمل التأثير المباشر للقرار الرئاسي الأمريكي في الوقت الراهن الحرب التي تدور بضراوة في العاصمة الخرطوم منذ صباح السبت 15 أبريل 2023، وأدت لتدمير وإغلاق المستشفيات والمدارس وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية وقتل وتشريد وتعذيب المدنيين، وكلها تندرج تحت توصيف الأعمال التي يشملها القرار التنفيذي للرئيس بايدن.

ورغم كل هذه العقوبات الواسعة حاولت الإدارة الأمريكية المحافظة على منطقة وسطى تسمح لها بالتأثير الايجابي على مجمل الأوضاع في السودان، فشمل القرار التنفيذي حزمة حوافز لدعم السودان حال مضت الترتيبات لتكوين حكومة مدنية انتقالية تفضي لانتخابات تؤدي لترسيخ الديموقراطية.

أخبار ذات صلة
السودان.. قصة "تحية" المأساوية من دارفور (صور)

للسودان سجل حافل من العقوبات الدولية أدت لعزلة ممتدة لأكثر من 20 سنة خلال النظام السابق، وتسبب قرار بالمقاطعة الاقتصادية صدر من الإدارة الأمريكية في 1997 بحصار اقتصادي صارم طال حتى المواطنين السودانيين داخل وخارج البلاد، ولكن هذه العقوبات لم تؤد في آخر المطاف لتغيير سياسات النظام السابق أو الإطاحة به إلى أن اقتلعته ثورة شعبية في ديسمبر 2018.

فإذا كانت كل تلك العقوبات المتوالية لم تؤثر على سياسات النظام السابق في السودان، فما الذي استجد في القرار الرئاسي الأمريكي الجديد؟

الغالبية الكاسحة لمتخذي القرار أو المؤثرين السودانيين على الساحة السياسية لا يملكون أصولا في الولايات المتحدة الأمريكية أو غيرها، ما يجعلهم في جبل يعصمهم من طوفان العقوبات الواردة في نص القرار التنفيذي للرئيس الأمريكي ولا يتأثرون به.

لكن مع ذلك فإن المدلول الأهم هنا ليس في كون العقوبات قابلة للتنفيذ بل في كونها تمثل دعماً وارتباطاً مباشراً أمريكياً مع الأوضاع في السودان، بما يشكل أساساً لبلورة سياسة السودان الخارجية.

بعد انتصار الثورة السودانية وانقشاع ليل النظام السابق لعبت الولايات المتحدة الأمريكية دوراً بارزاً في تيسير عودة السودان بقوة إلى المجتمع الدولي، فأخرجت السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب ثم تبنت بقوة تطبيع علاقاته مع المؤسسات المالية الدولية حتى تكللت هذه الجهود الأمريكية بانخراط السودان في برنامج متقدم لإعفاء ديونه كان كافياً لإزالة أكثر من 75% من ديون بلغت حوالي 60 مليار دولار وأثقلت كاهل الاقتصاد السوداني طوال عشرات السنوات.

رغم كون قرار الرئيس بايدن يمثل لائحة عقوبات جديدة فإنه يرفع درجة التعامل مع الشأن السوداني من المستوى الوزاري إلى الرئاسي، وقد تكون المِنن في طي المِحنّ.

الأكثر قراءة

No stories found.
logo
إرم نيوز
www.eremnews.com