كل الانقلابات كانت مدفوعة بأزمات داخلية
كل الانقلابات كانت مدفوعة بأزمات داخليةأ ف ب

"فورين أفيرز": أزمة الديمقراطية الأفريقية

سلط مقال لمجلة "فورين أفيرز" الضوء على الانقلابات في القارة السمراء، مشيرا إلى دوافع هذه الانقلابات وأسبابها الحقيقية.

تذكر المجلة الأمريكية أنه في العقدين الأولين من هذا القرن، حدث 13 انقلابا ناجحا في أفريقيا. لكن في الفترة الواقعة بين آب 2020 وحتى تشرين الثاني 2023 تم الإطاحة بسبعة زعماء أفارقة على يد جيوشهم. وتميل الانقلابات إلى عكس مسار التقدم الاقتصادي والسياسي، وبالتالي فإن وقف انتشارها قد يكون المهمة الأكثر إلحاحا بالنسبة لأفريقيا في العقد المقبل.  

وللقيام بذلك، وفقا للمجلة، يتوجب على صناع السياسات الافارقة والمحللين خارج القارة أن يفهوا بشكل أفضل الديناميكيات المشتركة التي تقوم عليها هذه الانقلابات. وبمعنى آخر، كل انقلاب حدث مؤخرا كان مختلفا عن الآخر، وكان مدفوعا بمشكلات محلية. وقد ظهر بعضها ردا على فشل الحكومة في السيطرة على المتشددين الإسلاميين.

وتقول "فورين أفيرز" إنه على الرغم من أن الديناميكيات المحلية قد ألهمت كل انقلاب، فإن السخط من السلطات الحاكمة ينتشر في معظم أنحاء افريقيا. وتعتبر المشكلات الاقتصادية هي المحرك الرئيس للإحباط الشعبي.  

وأضافت أنه في السنوات الماضية، كان يُنظر إلى الانقلابات في أفريقيا من قبل السكان بشكل سلبي في كثير من الأحيان، وكان يُنظر إليها على أنها جهود يحركها الجشع من قبل رجال يرتدون الزي العسكري لاحتكار موارد الدولة. لكن اليوم، يبدو أن الانقلابات العسكرية تتمتع بتأييد شعبي وبخاصة في منطقة الساحل.

هذا التحول في الرأي يبدو مثيرا للقلق كما ترى المجلة؛ إذ يشير إلى أن المواطنين الأفارقة أصبحوا يشعرون بخيبة الامل تجاه الديمقراطية، أو أنهم يعتقدون على نحو متزايد أن الحكم الاستبدادي هو الحل الوحيد لمشاكل بلدانهم. تقوم الهيئات متعددة الجنسيات باتخاذ إجراءات صارمة ضد البلدان التي يقودها المجلس العسكري. فقد قام الاتحاد الأوروبي بتعليق عضوية الدول التي تقع فيها الانقلابات، وفرضت دول غرب أفريقيا عقوبات قاسية، فيما قطع المانحون الأوروبيون دعمهم.

وتشير إلى أن هذا النهج اللا متسامح يسيء فهم جذور الاضطرابات الجديدة في أفريقيا ويخاطر بالمزيد من إفقارها وهي التي تضررت بشدة بفعل الصدمات العالمية مثل تغير المناخ وجائحة كورونا.

أخبار ذات صلة
أزمة الديمقراطية الإفريقية.. مواسم الانقلابات وأمراض "الحكم الرشيد"

وتلفت المجلة إلى أن الدراسات الاستقصائية الشاملة تظهر أن المواطنين الأفارقة، وحتى أولئك الذين يعيشون في البلدان التي شهدت مؤخرا انقلابات، ما زالوا يؤمنون بالديمقراطية. لقد كانوا يائسين لتخليص أنفسهم من الأنظمة التي تدعي أنها ديمقراطية، لكنها غالبا ما تفشل في الوفاء بالوعود الأساسية للديمقراطية.

وتوضح أنه في مواجهة الكوارث الناجمة عن تغير المناخ، وأزمات الديون السيادية، وارتفاع معدلات التضخم، استجمع السكان في العديد من البلدان الأفريقية طاقاتهم للاحتجاج من أجل الإصلاحات الديمقراطية. لكن القادة في ربع البلدان الأفريقية قاموا على مدى العقدين الماضيين بتعديل أو تجاهل حدود الولاية الدستورية بهدف تعزيز سلطاتهم.  

وترى المجلة أن الحكومات والمؤسسات الأجنبية، مثل الاتحاد الأفريقي، تحتاج في البداية إلى العمل، بشكل مؤقت، مع بعض قادة الانقلابات لتشجيعهم على السير في مسار يكون أكثر ديمقراطية. والأهم من هذا، يتعين على الجهات الغربية الفاعلة أن تحول نهجها المعتاد في تعاملها مع القارة، والابتعاد عن المساعدات الأمنية والعسكرية والتوجه نحو دعم إصلاحات الحكم وتعزيز ذلك النوع من الدعم الاقتصادي الذي يعمل على تحسين فرص الأسر العادية في تأمين سبل عيش مستقرة.

مواطنون مؤيدون لانقلاب النيجر
مواطنون مؤيدون لانقلاب النيجرأ ف ب

وتقول إنه ما يزال العديد من البلدان الأفريقية يعاني من عجز كبير في الحكم الديمقراطي. لقد كان العقد الأول من هذا القرن فترة مرت فيها الهيمنة الغربية بلا منازع إلى حد كبير، وكان على السلطات في أفريقيا أن تكون حريصة على عدم الوقوع في صدام مع الجهات الفاعلة الغربية القوية. وقد قطعت بعض الدول خطوات جادة في ترسيخ الديمقراطية. لكن في حالات أخرى، قام النافذون بإضفاء الطابع الديمقراطي الأدائي، مما أدى إلى التظاهر بسياسة التعددية الحزبية لاستمالة العواصم الغربية.  

وتضيف: في العديد من الأماكن، أصبح ينظر إلى التصويت باعتباره طقوسا لا معنى لها. ولم تتقاسم العديد من الحكومات في القارة فوائد النمو الاقتصادي على نطاق واسع في سنوات الازدهار.

وتلفت "فورين أفيرز" إلى أن الدعم الواضح من قبل المواطنين الأفارقة للمجالس العسكرية الحاكمة يشير إلى تعب عامة الناس من النخب الفاشلة، وليس إلى نفورهم من الديمقراطية. وفي جوهر الأمر، تتدخل الجيوش عندما تستنفد أفكار الطبقات السياسية، وتفشل في تجديد نفسها، وتثبت عجزها عن تزويد شعبها بحلول للمشاكل العاجلة سواء كانت مرتبطة بالأمن، أو الخدمات العامة، أو إعادة توزيع الثروة. وفي الغالب، كان الحكم المدني يعني حكما سيئا حيث ينظر المواطنون اليائسون إلى الحكم العسكري باعتباره بديلا جاهزا.

وتقول إن الطريقة التي استجابت بها الحكومات الغربية والاتحاد الاوروبي والمنظمات شبه الإقليمية للاضطرابات أدت إلى زيادة حدة عدم الاستقرار. لقد تصرفت هذه الجهات عموما بغضب شديد مصرة على أن أي انقلاب يؤدي ببساطة إلى إلغاء القواعد والأعراف.

أخبار ذات صلة
العطب المُزمن.. لماذا تتوالى انقلابات العسكر في إفريقيا؟

وتتابع المجلة بالقول: تتلخص الخطوة الأولى نحو عكس اتجاه عدم الاستقرار السياسي في أفريقيا في تبني فهم أكثر دقة له. كثير من النخب في بوركينا فاسو وغينيا ومالي والنيجر لديهم ردود سريعة جاهزة على الغضب الذي تم التعبير عنه في العواصم الغربية وفي الاتحاد الأفريقي ردا على الانقلابات العسكرية. فقد سألوا أين كنتم عندما كنا نكافح الجهاديين الإسلاميين الذين يقتلون شعوبنا؟ وأين كنتم عندما نظم رؤساؤنا الحاليين انتخابات زائفة؟    

وتوضح أنه يمكن لهيئات مثل الاتحاد الأفريقي أن تقدم حجة أقوى ضد الانقلابات العسكرية، وهي أن الانقلابات ببساطة لا تنجح. يصل الانقلابيون إلى السلطة واعدين باستعادة الأمن وتحسين الحياة، لكن عادة ما ينتهي بهم الأمر إلى جعل الأمور أسوأ.  

وتخلص المجلة إلى أنه في المستقبل، ينبغي أن يكون القادة وصناع السياسات أكثر انفتاحا على العمل مع قادة الانقلابات وتشجيعهم على اتخاذ خطوات نحو تهجين حكوماتهم حتى يتمكنوا من دمج الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني. وربما يعتقد القادة العسكريون هذه الخطوة أقل تهديدا. لكن يمكنها أن تسمح للجهات الفاعلة الإقليمية والشركاء الخارجيين بدعم الجماعات المدنية التي يمكن أن تحث على العودة في نهاية المطاف إلى النظام الدستوري.   

كما ينبغي على الاتحاد الأفريقي، كما ترى المجلة، أن يذهب إلى ما هو أبعد من تعليق عضوية البلدان التي تحدث فيها تغيرات غير دستورية في حكوماتها. من حيث المبدأ، يعد تعليق عضوية أي دولة بعد استلام المجلس العسكري أمرا سليما. ومع ذلك، فإن هذه الخطوة لن تفعل الكثير لتحقيق تغيير في المسار في تلك البلدان. ويتعين على الاتحاد الأفريقي أن يتعاون بشكل مستمر مع السلطات العسكرية الجديدة لتشجيع العودة الى الحكم المدني.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com