متظاهرون مؤيدون للانقلاب في النيجر
متظاهرون مؤيدون للانقلاب في النيجررويترز

أزمة الديمقراطية الإفريقية.. مواسم الانقلابات وأمراض "الحكم الرشيد"

سلطت مجلة فورين أفيرز الأمريكية الضوء على "حجم الخلل السياسي في القارة الإفريقية"، مشيرة إلى أن الانقلابات العسكرية أحد أعراض هذا الخلل رغم أنها ليست المسبب الرئيس له.

وأفاد مقال مشترك للرئيسة التنفيذية لمجموعة الأزمات الدولية كومفورت إيرو، وموريثي موتيجا مديرة قسم إفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية، بأن العقدين الأولين من هذا القرن شهدا وقوع 13 انقلاباً ناجحاً في أفريقياً، ولكن في الفترة من أغسطس/آب 2020 إلى نوفمبر/تشرين الثاني 2023 وحدها تمت الإطاحة بسبعة زعماء أفارقة على يد الجنود.

ورغم أن هذه الانقلابات العسكرية وقعت حتى الآن في المقام الأول في "حزام من عدم الاستقرار" يمتد من النيجر إلى السودان، إلا أن خطر انتشار عدوى الانقلابات على نطاق أوسع خطر حقيقي، مشيراً إلى أن الانقلابات في "الدول الهشة" تتسبب في عكس مسار التقدم الاقتصادي والسياسي، وبالتالي فإن وقف انتشار هذه "العدوى" قد يكون المهمة الأكثر إلحاحاً بالنسبة لأفريقيا في العقد المقبل.

وشدد المقال على أنه يتعين على صناع السياسات والمحللين الأفارقة خارج القارة أن يفهموا بشكل أفضل الديناميكيات المشتركة التي تدعم هذه الانقلابات، وقال إن "كل انقلاب في إفريقيا كان مختلفاً، وكان مدفوعاً بمشاكل محلية، وقد جاء بعضها رداً على فشل الحكومة في السيطرة على التشدد الإسلامي".

ففي مالي مثلا، أدت سنوات من العنف لجماعات إسلامية والتدخل العسكري الفاشل بقيادة فرنسا لمعالجة الاقتتال إلى استنفاد ثقة الجمهور في حكومة الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا، وفتح المجال أمام الجيش للإطاحة به عام 2020، بحسب المقال.

ويرى المقال أن "العنف الإسلامي الجامح" مهد الطريق أيضًا لانقلاب بوركينا فاسو في عام 2022.

زعيم بوركينا فاسو الكابتن إبراهيم تراوري
زعيم بوركينا فاسو الكابتن إبراهيم تراوري أ ف ب

لكن في المقابل، فإن الانقلابات التي وقعت في غينيا والغابون في عامي 2021 و2023 لم تكن بسبب "التشدد الإسلامي"، ففي غينيا، التي عانت من حكم دكتاتوري لعقود من الزمن، أدت تحركات رئيس منتخب للتشبث بالسلطة مدى الحياة إلى التدخل العسكري.

وفي الغابون، وفرت الانتخابات المزورة بشكل صارخ من قبل حاكم ضعيف منذ فترة طويلة قوة دافعة للتغيير.

ولم تختلف الحال في تشاد في عام 2021، إذ استغل القادة العسكريون الفرصة التي أتاحتها الوفاة المفاجئة للرئيس الذي حكم البلاد لفترة طويلة لتعيين ابنه رئيسًا للمجلس العسكري، ثم تخلوا عن وعدهم بالحد من مدة بقاء المجلس في السلطة، كما يقول المقال.

وفي العام نفسه في السودان، سعى القادة العسكريون إلى تعزيز سلطتهم في مواجهة حركة احتجاج شعبية متنامية، وفي الوقت نفسه، يبدو أن الانقلاب الذي حدث في أواخر يوليو 2023 في النيجر كان نابعًا من صراع داخلي على السلطة بين الرئيس والقائد العسكري.

وتعتقد الكاتبتان أن فكرة شن انقلاب لحل أي شكل من أشكال المشاكل قد تصبح فكرة راسخة بالفعل، ورغم أن الديناميكيات المحلية ألهمت كل انقلاب في إفريقيا، فإن السخط من السلطات الحاكمة ينتشر في معظم أنحاء القارة، ناهيك عن المشاكل الاقتصادية التي باتت المحرك الرئيسي للإحباط الشعبي.

وقد وجدت دراسة استقصائية سنوية أجرتها شبكة "أفروباروميتر" عام 2022، وهي مجموعة بحثية مقرها غانا، أن مواطني الدول الإفريقية، بما في ذلك سكان دول شرق إفريقيا وجنوب إفريقيا المستقرة نسبيًا، يعتقدون أن بلادهم تسير في "الاتجاه الخاطئ".

تحول مثير للقلق

وتقول الكاتبتان إن هذا التحول في الرأي العام بات مثيرًا للقلق، وهو ما يشير إلى أن المواطنين الأفارقة أصبحوا يشعرون "بخيبة أمل إزاء الديمقراطية"، أو يعتقدون على نحو متزايد أن "الحكم الاستبدادي هو الحل الوحيد لمشاكل بلدانهم".

مظاهرة مؤيدة للانقلاب في مالي
مظاهرة مؤيدة للانقلاب في ماليأ ف ب

وتقوم المؤسسات الدولية أو الإقليمية باتخاذ إجراءات صارمة ضد البلدان التي يقودها المجلس العسكري. فقد قام الاتحاد الأفريقي بتعليق عضوية الدول التي تشهد انقلابات، وفرضت دول غرب أفريقيا عقوبات قاسية، وقام المانحون الأوروبيون بقطع الدعم عن تلك الدول التي شهدت انقلابات عسكرية في إفريقيا.

ورأى المقال أن سياسة عدم التسامح مع هذه الانقلابات تنم عن سوء فهم لجذور الاضطرابات الجديدة في أفريقيا، وتخاطر بمزيد من إفقار دول القارة التي تضررت بالفعل بسبب العديد من الأزمات العالمية، ومن بينها التغير المناخي وجائحة فيروس كورونا (COVID-19).

وأفادت بأن واقع الدراسات الاستقصائية الشاملة يظهر أن المواطنين الأفارقة، حتى أولئك الذين يعيشون في بلدان شهدت انقلابات أخيراً، ما زالوا يؤمنون بالديمقراطية وبأنهم كانوا يائسين لتخليص أنفسهم من الأنظمة التي تدعي أنها ديمقراطية ولكنها غالباً ما تفشل في الوفاء بالوعود الأساسية للديمقراطية.

التعطش من أجل التغيير

وشدد مقال فورين أفيرز على أن الشعوب الإفريقية وفي مواجهة الكوارث الناجمة عن تغير المناخ، وأزمات الديون السيادية، وارتفاع معدلات التضخم، استجمعت قواها في العديد من البلدان الأفريقية للاحتجاج من أجل تطبيق "الإصلاحات الديمقراطية".

ولكن على مدى العقدين الماضيين، قام القادة في ربع البلدان الأفريقية "بتعديل أو تجاهل" حدود الولاية الدستورية الممنوحة لهم لتعزيز سلطتهم.

وفي نظر العديد من المواطنين الأفارقة، قد يبدو الانقلاب العسكري بمثابة "استراحة مرحب بها "من الوضع الراهن المحبط، وتوقف ولو مؤقت من المسير في النفق المظلم لفشل النخبة وقمعها لمواطنيها.

ويؤكد المقال أنه "يتعين على الجهات الغربية الفاعلة أن تحول نهجها المعتاد في التعامل مع القارة، والابتعاد عن المساعدات الأمنية والعمل العسكري، ودعم إصلاحات الحكم وتعزيز الدعم الاقتصادي الذي يعمل على تحسين فرص الأسر العادية في تأمين سبل عيش مستقرة".

صورة قاتمة وتوقعات كبيرة

لقد جلب تغير المناخ الجوع إلى مساحات شاسعة من شرق القرن الأفريقي، وفيضانات غير مسبوقة في ليبيا وجنوب السودان، وعواصف مميتة في الجنوب الأفريقي.

وقد بلغ معدل التضخم في القارة 16% في صيف عام 2023، وهو أعلى بكثير من المتوسط العالمي البالغ 7%.

وفي نيجيريا وإثيوبيا، البلدين الأكثر اكتظاظاً بالسكان في أفريقيا، تجاوز معدل التضخم 25%؛ كما شهدت نيجيريا عشرة أشهر من الارتفاعات المتتالية في التضخم. وتعتمد الدول الأفريقية أيضاً على النفط من الشرق الأوسط، وإذا اتسعت الحرب الجديدة بين إسرائيل وحماس، فقد يؤدي ذلك إلى ارتفاع أسعار الطاقة المرتفعة بالفعل.

أخبار ذات صلة
لوفيغارو: الحبوب المجانية.. ورقة روسيا لتعزيز النفوذ في إفريقيا

وتمثل هذه الصورة القاتمة تحولاً عن التفاؤل النسبي الذي ميز بداية القرن الحادي والعشرين في القارة الأفريقية.

وترى إيرو وموتيجا أن نقاط ضعف القارة لا تزال قائمة، رغم العديد من "الإصلاحات"، ولا يزال العديد من الدول الأفريقية تعاني من عجز كبير في الحكم الديمقراطي.

وشهد العقد الأول من هذا القرن فترة مرت فيها الدول الإفريقية بهيمنة غربية دون منازع إلى حد كبير، وكان على السلطات في أفريقيا أن تكون حريصة على عدم الوقوع في اصطدام مع الجهات الفاعلة الغربية القوية. وقد قطعت بعض الدول خطوات جادة نحو ترسيخ الديمقراطية.

لكن في حالات أخرى، قام "الرجال الأقوياء" بتعزيز الديمقراطية الأدائية، ما أدى إلى التظاهر بسياسة التعددية الحزبية لخطب ود العواصم الغربية.

ورأى المقال أن ظهور قوى جديدة تسعى إلى تحقيق مصالح في أفريقيا، مثل الصين في المقام الأول وروسيا والقوى الأخرى مثل البرازيل والهند وتركيا ودول الخليج، منح الزعماء الأفارقة المزيد من الخيارات لإنشاء شراكات، إذ لم يعودوا "يشعرون بالحاجة الماسة إلى الانصياع للمطالب الغربية التي تدعوهم إلى التحول للديمقراطية".

فقدان الثقة بالديمقراطية

وأشار المقال إلى أن الاستقبال الحار من جانب المواطنين الأفارقة للانقلابات الأخيرة في منطقة الساحل، بشكل خاص، لا يشير إلى فقدان الثقة بالديمقراطية.

وبحسب استطلاع أجراه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لقياس آراء الأفارقة بشأن الانقلابات والتلاعب بالدستور، إذ شملت الدراسة 8 آلاف مواطن أفريقي، 5 آلاف منهم يعيشون في بلدان عانت من الانقلابات الأخيرة و3 آلاف يعيشون في بلدان تتجه نحو ترسيخ الديمقراطية، قال 67% من الأشخاص الذين يعيشون في الدول التي تتجه نحو ترسيخ الديمقراطية إن الأخيرة هي الشكل المفضل لديهم للحكم.

لكن 55% من الناس في البلدان التي تحكمها المجالس العسكرية الآن قالوا أيضا إنهم يفضلون الديمقراطية، أي ما يقرب من ثلاثة أضعاف عدد الذين يفضلون الحكم غير الديمقراطي.

وشدد المقال على أن "الدعم الواضح من قِبَل المواطنين الأفارقة "للطغمة العسكرية" يشير إلى حالة التعب العام من النخب الفاشلة، وليس دليلا على نفور الأفارقة من الديمقراطية.

أخبار ذات صلة
"إيكواس" تثبّت العقوبات على النيجر وتضع شروطًا لتخفيفها

ورأت المجلة أن الجيوش تتدخل عندما "يتم استنفاد أفكار الطبقات السياسية، وعندما تفشل هذه الطبقات في تجديد نفسها، وتثبت عجزها عن تزويد شعوبها بحلول للمشاكل العاجلة، سواء كانت مرتبطة بالأمن، أو الخدمات العامة، أو إعادة توزيع الثروة".

ورأى المقال أن الطريقة التي استجابت بها الحكومات الغربية والاتحاد الأفريقي والمنظمات الإقليمية للاضطرابات في الدول الأفريقية أدت إلى تفاقم حالة عدم الاستقرار في تلك الدول.

وكان رد فعل هذه المؤسسات الدولية عموما هو الغضب الشديد، إذ أصرت على أن أي انقلاب يؤدي ببساطة إلى إلغاء القواعد والأعراف الديمقراطية.

فقد قام الاتحاد الأفريقي، على سبيل المثال، بتعليق عضوية بوركينا فاسو، والغابون، وغينيا، ومالي، والنيجر، إلى أن تتم استعادة الحكم الدستوري. وفرضت دول غرب أفريقيا عقوبات قاسية على بوركينا فاسو، وغينيا، ومالي؛ وقد أدت هذه العقوبات التي فرضتها إلى تقييد وصول النيجر إلى الكهرباء بشكل كبير.

ورأى المقال أن هذا النهج العقابي يؤذي المدنيين بينما يفشل في إحداث تغيير جوهري في سلوك المجالس العسكرية، مشيرًا إلى أن الجهود الرامية إلى عكس الانقلابات بمجرد حدوثها نادراً ما تنجح.

واعتبر أن "الاستجابة الأكثر ذكاءً "للانقلابات تتمثل في العمل على تحسين الوضع في البلدان التي استولى فيها العسكر على السلطة".

أخبار ذات صلة
الانقلابات تعيد تشكيل خريطة التحالفات في الساحل الأفريقي

وخلصت المجلة إلى أن استخدام نهج مختلف في التعامل مع زعماء الانقلاب لن يكون كافياً لوقف وباء الانقلابات في أفريقيا، مشددة على أن الأمر يتطلب قدراً كبيراً من العمل المتضافر على نطاق أوسع لمنع تطور الألم الاقتصادي إلى اضطرابات سياسية.

وشددت على أن تخلف الدول الإفريقية عن سداد ديونها السيادية أدى إلى معاناة الملايين من البشر داخل القارة، إذ توصلت دراسة رئيسية أجراها البنك الدولي إلى أن تخلف أي دولة عن سداد ديونها السيادية يؤدي إلى ارتفاع معدلات الوفيات بين الأطفال بنسبة 13%، وارتفاع معدلات الفقر بنسبة 30%، وتبقى كذلك مرتفعة لسنوات عديدة.

وقالت: "قد يكون صناع القرار في العواصم الغربية، الذين يعانون بالفعل من تحديات محلية، مترددين في محاولة إقناع دافعي الضرائب بفكرة إرسال المزيد من الأموال إلى الخارج"، واستدركت: " لكن مساعدة أفريقيا في موسم الصراع الذي تعيشه قد يكون أسهل مما يتصوره العديد من زعماء الغرب".

وختمت المجلة أن "الاستثمار في أفريقيا يشكل عملاً من أعمال المصلحة الذاتية، فإذا ما استمرت الاتجاهات السكانية فسيكون أربعة من كل عشرة أشخاص تتراوح أعمارهم بين 15 و 24 عاما في جميع أنحاء العالم من الأفارقة بحلول العام 2050، وعندما تتقدم بقية دول العالم في مرحلة الشيخوخة، فإن الشباب الأفارقة سيشكلون جزءا متزايدا من القوى العاملة في المستقبل".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com