"حيلة البئر".. قصة مثيرة لنساء أسيرات خدعن "بوكو حرام"
"حيلة البئر".. قصة مثيرة لنساء أسيرات خدعن "بوكو حرام""حيلة البئر".. قصة مثيرة لنساء أسيرات خدعن "بوكو حرام"

"حيلة البئر".. قصة مثيرة لنساء أسيرات خدعن "بوكو حرام"

أرسلت جماعة "بوكو حرام" في نيجيريا، 6 أسيرات لتفجير مسجد، لكنهن أردن التخلص من القنابل دون قتل أي شخص، عندما فكرت إحداهن وتدعى بالاربا محمد بخطة، وهي خلع حجابهن وربطه لتكوين حبل طويل، واستخدامه لإنزال القنابل بحذر في البئر، على أمل أن يكون مملوءًا بالماء، ثم تركنه وركضن.

وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، انتشرت سطوة مجموعة "بوكو حرام" واجتازت شمال شرق نيجيريا وحتى 3 دول مجاورة، ونشرت أكثر من 500 امرأة كمفجرات انتحاريات أو تم القبض عليهن قبل قيامهن بمهامهن، وهو عدد يقول خبراء في شؤون الجماعات التكفيرية إنه يتجاوز أي صراع آخر في التاريخ، ومع ذلك، يقاوم البعض ببسالة مثل ما أطلق عليهن "فتيات البئر"، محبطين خطط المتطرفين بطرق هادئة وغير مألوفة في كثير من الأحيان.

ومعظم النساء اللاتي انفصلن عن "بوكو حرام"  يبقين عمليات الاختطاف سرية، حتى لا يعتبرن متعاطفات مع الإرهابيين رغم أنهن احتجزن ضد إرادتهن وتحدين المسلحين، ويسرن في شوارع مايدوغوري يحتفلن سرًا ببطولة ملالا يوسفزاي، التي تم إطلاق النار عليها لوقوفها في وجه طالبان.

وغالبًا ما يتم نسيان هؤلاء النساء ومعاناتهن، مثلما حدث مع 100 تلميذة مختطفة من قرية شيبوك، واللاتي  ما زلن مفقودات بعد حوالي 6 سنوات من اختطافهن.

الزوج أو السترة الانتحارية

وقالت عشرات النساء اللاتي قابلتهن صحيفة "نيويورك تايمز"، إن "بوكو حرام" أعطتهن خيارًا صعبًا، إما الزواج من مقاتلي الجماعة أو ارتداء السترة الانتحارية، وعلى عكس المتوقع تختار العديد من النساء تفجير أنفسهن، ومع ذلك ينجو بعضهن، مثل شابات البئر اللاتي يروين قصصهن.

وقالت بالاربا محمد إنها وصلت إلى معسكر "بوكو حرام" بحالة ذهول في 2012 بعد أن قتلت الجماعة زوجها أمامها، وبعد أيام عادت لاختطاف بالاربا وألقت طفلتها على الأرض، وظنت أن ابنتها ماتت، كاشفة أن أسيرات جديدات يصلن في كل مرة يغادر فيها المقاتلون المخيم، ويتم إجبار بعضهن على تناول حبوب منع الحمل ويتعرضن للاغتصاب، ويتم استخدام بعضهن لاختبار السترات الانتحارية.

وتابعت "بالاربا" أنها سمعت امرأتين تناقشان سبل قتل نفسيهما حتى لا تضطران للمعاناة هناك، وعندما سمعهما أحد المقاتلين غضب، وقال: ما الصعوبة في قتل أنفسكما؟ ثم أطلق النار عليهما حتى الموت"، مضيفة أنها كانت "خائفة للغاية"، وأنها فكرت بالانتحار، لكنها تذكرت جدتها المريضة التي احتاجت إلى رعايتها، وحتى لا تتزوج مقاتلًا ادعت المرض، وللتهرب من التدريب على الأسلحة، تظاهرت بالمرض العقلي".

وعندما أعطاها المقاتلون قنبلة، قالت:"شعرت وكأنني مت، إذ كانت تعلم أنها ستضطر إلى تنفيذ الأوامر حتى لا تُقتل"، وهكذا وجدت نفسها مع 5 أخريات على حافة ذلك البئر.

وأفادت بأن القنابل لم تنفجر وعادت الشابات خائفات وغير متأكدات مما يجب عليهن فعله إلى معسكر بوكو حرام، وأقسمن على القرآن لخاطفيهن أنهن أنجزن مهمتهن، وأنهن ركضن بسرعة للهرب حتى فقدن حجابهن في الطريق.

راحة قصيرة

هتف المقاتلون فرحًا، وأعدوا وليمة للاحتفال بالنساء اللاتي اعتقدن أنهن مقاتلات، وتفوقت النساء الست على المتطرفين بذكائهن، لكن راحتهن كانت قصيرة الأجل، إذ قرر المقاتلون أنهم أصبحن بلا رحمة بما يكفي ليكن مستعدات للتدريب على الأسلحة، ومنحهن البنادق ووضعن أسرى آخرين كأهداف التدريب، إذ أوضحت "بالاربا" أن إحدى فتيات البئر شعرت بصدمة شديدة لدرجة أنها ركضت في مرمى الرصاص وقتلت نفسها.

وبالنسبة للنساء اللاتي يحاولن الهروب من بوكو حرام، تعد جميع الخيارات سيئة، فوفقًا لليونيسف، تُقتل النساء اللواتي يحاولن اللجوء للشرطة من قِبل الضباط المتوترين، وقال أعضاء قوة أهلية مدنية إنهم أطلقوا النار على سيدة العام الماضي اقتربت من أحد مراكزهم الأمامية على حافة مايدوغوري، وانفجرت قنبلتها.

وقالت شابة، تم حجب اسمها لأسباب أمنية، إنها كانت في الـ 16 من عمرها عندما تم تخديرها وإجبارها على ارتداء سترة انتحارية وإرسالها مع امرأتين أخريين حملتا قنابل لتفجير جنود عند نقطة تفتيش، وكانت إحدى النساء تحمل رضيعًا، والثلاثة قررن تسليم أنفسهن.

وأضافت الشابة أنه مع اقتراب المجموعة من نقطة التفتيش للاستسلام، توقفت إحدى السيدات خلف شجرة للتبول، وعندما تقرفصت انفجرت عبوتها دون قصد، وسمع الجنود الانفجار وركضوا نحو المجموعة.

وهربت السيدة التي كانت تحمل الرضيع، وتركت الطفل على الأرض يبكي، وفكرت الشابة بطفلها الذي مات من الجوع في شهر سابق في مخيم بوكو حرام، حيث تم احتجازهن كرهائن، فالتقطت الطفل وهدأته حتى أزال الجنود متفجراتها، وهي لا تزال ترعى الطفل الذي بلغ 3 أعوام الآن، وتخطط لعدم إخباره أبدًا بأنه متبنى.

مهمة ثانية

وبعد خدعة البئر، أرسل المقاتلون "بالاربا" والنساء الأخريات في مهمة انتحارية ثانية، لتحل أسيرة جديدة محل الفتاة التي ماتت، وكان الهدف هذه المرة سوقًا في بانكي، وهي مدينة كانت تعج بالحركة، وخطط أحد المقاتلين لمرافقة النساء، لكن الأسيرة الجديدة أكدت للمتشددين أنها من بانكي وعرفت طريقها عبر الريف.

ومرة أخرى، جمعت النساء قنابلهن واستخدمن حجابهن لخفضها في البئر، وعدن إلى معسكر المقاتلين منتظرين نفس الاستقبال السعيد، لكن المقاتلين صُدموا بسرعة عودتهن.

وحينها، ظهرت أخبار على الإذاعة تشير إلى وقوع انفجار في بانكي، لكن في قرية صغيرة خارج البلدة الرئيسة وليس في السوق، وعندها انقلب المقاتلون على الأسيرة الجديدة معتقدين أنها قادت النساء إلى المكان الخطأ، وأطلقوا عليها النار حتى الموت.

ومرت أيام وجاء المقاتلون وذهبوا، واشتبكوا في معارك ضارية أودت بحياة بعضهم، وأرادوا الانتقام، فأعدوا "بالاربا" وغيرها من النساء لعملية كبيرة، وهي تفجير سوق الاثنين، الذي يعد الأكبر في شمال شرق نيجيريا، فقام المقاتلون بتحميل حوالي 20 سيارة ودراجة نارية وشاحنات عسكرية مسروقة بالقاذفات والمقاتلين وقادوها إلى السوق، وقالت "بالاربا" إنها كانت مريضة وأضعف من أن تخرج من السيارة، وجلست في الداخل بينما انفجرت القنابل وانطلقت السيارة بعيدًا.

أُعيدت "بالاربا" إلى المخيم وظلت مريضة لعدة أيام، محبوسة في كوخ من الصفيح مع أسرى آخرين وهم يستمعون إلى المقاتلين الذين يستعدون لغزو الميليشيات الشعبية للمخيم، وقالت:"كنت أقول في قلبي: يا إلهي حتى لو مت دع أقاربي يجدون جثتي "، ومع سماع طلقات نارية وضوضاء عالية، فقدت وعيها.

ووصلت حديزة موسى، التي انضمت إلى قوة الميليشيات المحلية للانتقام من اختطاف بوكو حرام لأختها، لتجد مشهدًا مروعًا، كان المعسكر بأكمله مشتعلًا وكانت هناك مذبحة، وشرحت حديزة أنه في محاولة لإلهاء القوة المهاجمة، نسفت الجماعة معسكرها وأسراها وفرت.

وقالت "حديزة" إنها نزلت بين القتلى وقابلت بالاربا، التي كانت فاقدة للوعي والحروق تغطي جسدها والدماء تتدفق مما بدا وكأنه جرح رصاصة في ساقها.

خبر سعيد

بكت "حديزة" وهي تساعد في نقل بالاربا إلى المستشفى، ثم ظلت بجوارها واعتنت بها حتى عادت إلى الوعي. وأخبرتها بأول خبر جيد سمعته منذ شهور، وهو أن طفلها هيرات، كان على قيد الحياة.

في الآونة الأخيرة، انخفض عدد التفجيرات الانتحارية مع تركيز "بوكو حرام" وفصائلها على استهداف القوات العسكرية. ومع ذلك استمرت الحوادث، وفي مدينة تشاد المجاورة، قتلت انتحارية 9 أشخاص، وفي مايدوغوري، فجرت سيدتان سوقًا مما أدى إلى مقتل شخصين.

وإجمالًا، فجرت أو حاولت أكثر من 540 امرأة وفتاة انتحارية تفجير أنفسهن منذ حزيران/يونيو 2014، وفقًا لتقدير أعدته إليزابيث بيرسون، المحاضرة في مركز أبحاث التهديدات السيبرانية وجامعة "سوانسي" في ويلز.

والآن تعتبر "حديزة" و"بالاربا" نفسيهما كأختين، وما زالت الأخيرة تحمل ندوبًا من الحروق على وجهها وذراعيها وساقيها.

حياة اجتماعية خانقة

وفي مايدوغوري حيث تعيش مع هيرات الذي أصبح في الصف الأول، يشك بعض الجيران الذين يعرفون أنها اُختطفت في أنها قد تكون موالية لبوكو حرام.

وقال أحد الجيران:"أفضل شيء هو أن تقتلي"، لكنها تحاول  تجاهل هذه الأنواع من التعليقات، فهي تعرف أن كل هذه المحنة لم تكن ذنبها.

وتتكفل "بالاربا" بتكاليف تعليم هيرات عن طريق العمل في حياكة القبعات وبيع المشروبات الغازية من ثلاجة صغيرة مستأجرة. وتقوم برحلات منتظمة إلى المشرحة للبحث عن جثة شقيقها الذي اختفى بعد أن ترك الكلية لينضم إلى القوات الشعبية للانتقام لأسرها.

كما بدأت بالتدريب لتصبح ممرضة، حيث تود رد الجميل، لكنها لم تستطع تحمل رسوم الامتحانات الأخيرة بعد أن طردها عمها من منزله، إذ لا يزال يشك بموقفها من المسلحين، وحتى تتمكن من توفير المال من أجل الامتحان، تحتفظ بأدوات الإسعافات الأولية معها، في حال صادفت أي شخص يحتاج للمساعدة.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com