هل تنجح فكرة إلغاء الحدود بين الدول في تحقيق الازدهار العالمي؟
هل تنجح فكرة إلغاء الحدود بين الدول في تحقيق الازدهار العالمي؟هل تنجح فكرة إلغاء الحدود بين الدول في تحقيق الازدهار العالمي؟

هل تنجح فكرة إلغاء الحدود بين الدول في تحقيق الازدهار العالمي؟

وسط أزمة الهجرة التي تواجهها أوروبا حاليًا، وخاصة في أعقاب الربيع العربي والاضطرابات التي تخيم على الشرق الأوسط، اقترح رايان كابلان، الكاتب وأستاذ علوم الاقتصاد بجامعة جورج ميسون، في مقال رأي نشرته مجلة "فورين بوليسي"، حلًا جذريًا قد يبدو كفكرة مجنونة، وهو إلغاء كافة الحدود الدولية في العالم.

يعتقد رايان أن كل دول العالم، ولا سيما الأكثر ثراءً، تفوت فرصة هائلة للقيام بعمل خير يساهم في نفس الوقت في تحسين حالتها الاقتصادية، والتي تتمثل في فتح الحدود الدولية في العالم أجمع.

وقال رايان، إنه غالبًا ما يتهم منتقدو الهجرة خصومهم بتفضيل الحدود المفتوحة، مشيرين إلى أنهم يودون فتح الحدود على مصراعيها وترك الناس من جميع الجنسيات يعملون أو يعيشون بحرية في أي دولة تحلو لهم، ولكن هذا اتهام غير عادل، فهم يريدون مزيدًا من التأشيرات للعمال ذوي المهارات العالية أو لم شمل الأسر أو مساعدة اللاجئين، وليس نهاية قيود الهجرة.

فرصة هائلة للازدهار العالمي

وأوضح رايان أن هذا الاتهام يصح في حالته، فهو يعتقد أن فتح الحدود هو فرصة هائلة للازدهار العالمي، الأمر الذي تثبته هجرة حرفيي هايتي ذوي المهارات المنخفضة من عاصمة هايتي "بورت أوبرنس" إلى مدينة ميامي الأمريكية، ففي هايتي، كان العامل يكسب حوالي ألف دولار في السنة، ولكن في ميامي أصبح يجني حوالي 25 ألف دولار في السنة، وهي زيادة هائلة نتجت عن سبب بسيط إلى حد كبير، وهو زيادة إنتاجية العمال في ولاية فلوريدا مقارنة بهايتي، بفضل اعتماد الولاية لسياسات حكومية وإدارة وتكنولوجيا أفضل، وغير ذلك.

فالسبب الرئيسي في معاناة الهايتيين من الفقر ليس ولادتهم في هايتي بل إقامتهم فيها، فأي شخص مكانهم سيعاني على الأرجح من نفس الظروف.

وجادل رايان بأن إلغاء الحدود لن يكون فرصة جيدة للدول الفقيرة فقط، بل سيكون مبادرة مفيدة للجميع تقريبًا، لأن المهاجرين يبيعون المنتجات والثروة الجديدة التي ينتجونها لسكان بلدهم الجديد، على عكس بقائهم في هايتي، الأمر الذي يؤدي إلى إنتاج ضعيف للغاية ويمنعهم من الإسهام في إثراء بقية العالم.

فعندما يهاجر عمال هايتي ترتفع إنتاجيتهم، وكذلك مساهمتهم في إثراء العالم وعملائهم الجدد، فعندما نرى مطعمًا هايتيًا في ميامي، يجب ألا نتخيل أن هذا المطعم نُقل من بورت أو برنس؛ بل عدم وجوده من الأساس، لأنه لم يكن من الممكن بناؤه في هايتي نفسها.

وأشار رايان، إلى أن الوظيفة الرئيسية لقوانين الهجرة الحالية تتمثل في منع حدوث هذا الثراء، وحبس المواهب البشرية في البلدان منخفضة الإنتاجية، وهذه السياسة الاقتصادية الأسوأ في العالم، إذ تشير التقديرات إلى أن الحدود المفتوحة ستضاعف الثروة الإنتاجية البشرية.

ويرجع ذلك إلى أن الهجرة تزيد إنتاجية العمال بقدر كبير، وعند أخذ وجود مئات الملايين من المهاجرين المحتملين في الاعتبار، نرى أن هذه الفكرة تساوي تريليونات الدولارات.

شكاوى واحتجاجات

تثير معدلات الهجرة الأقل بكثير من المقترحة، العديد من الاحتجاجات والشكاوى، ولذلك تعتبر فكرة الحدود المفتوحة غير شعبية، الأمر الذي يرى رايان أنه بحاجة للتغيير، وقال: "مثل كل التغييرات الاجتماعية، الهجرة لها سلبيات، ولكن عندما نقيم الجوانب السلبية، نجد أن المكاسب المقدرة بتريليونات الدولارات ستطغى على أي أضرار محتملة".

وأبسط جانب سلبي لفتح الحدود هو النقل والإمداد، فحتى أكبر الدول لا يمكنها استيعاب مئات الملايين من المهاجرين بين عشية وضحاها، ولكن لا يُتوقع من أي دولة أن تستقبل وصول مئات الملايين بين عشية وضحاها، ففي العادة تبدأ الهجرة ببطء ثم تزداد مع الوقت، فعلى الرغم من السماح للبورتوريكيين بالانتقال إلى الولايات المتحدة منذ عام 1904، إلا أن انتقال غالبيتهم إلى الولايات المتحدة استغرق قرنًا من الزمن.

وعلى الرغم من احتجاج وسائل الإعلام، لم تكن أزمة الهجرة الأوروبية طوفانًا من البشر، إذ وصل إجمالي الوافدين من عام 2014 إلى عام 2018 إلى أقل من 1 % من سكان الاتحاد الأوروبي، والعديد من الدول الأوروبية وعلى الأخص ألمانيا الغربية خلال الحرب الباردة، استوعبت بسرعة تدفقات بشرية أكبر بكثير.

والتفسير المعتاد لردود الفعل الشعبية المتباينة بين الدول، هو أن مقاومة الهجرة تستند في المقام الأول للثقافة والسياسة وليس الاقتصاد أو الإمدادات اللوجستية، إذ أشار رايان إلى أنه في الوقت الذي رحب فيه الألمان الغربيون بملايين المهاجرين من ألمانيا الشرقية، كان عددًا أقل بكثير من المهاجرين من الشرق الأوسط وأفريقيا كافيًا لهز الاتحاد الأوروبي بأكمله.

ويجد الاقتصاديون، صعوبة في قبول فكرة الحدود المفتوحة، لأن الحجج الثقافية والسياسية ضد الهجرة مقنعة ومؤثرة بالفعل، على الرغم من عدم ثبات صحتها.

شكاوى ثقافية

وأوضح رايان أن أكثر الشكاوى الثقافية شيوعًا من الهجرة في الولايات المتحدة، هي فشل المهاجرين اليوم في تعلم اللغة الإنجليزية، ولكن الحقيقة هي أنه على مدار التاريخ، نادرًا ما يجيد المهاجرون لغة البلد المضيف من الجيل الأول، فهذا أمر صعب للغاية على البالغين، والدليل على ذلك هو أن المهاجرين الألمان والهولنديين حافظوا في القرن التاسع عشر على لهجاتهم ولغاتهم طوال حياتهم؛ وانتشرت الصحف اليديشية في نيويورك لعقود.

ومع ذلك لم يجد أبناؤهم أي صعوبة في تعلم اللغة الإنجليزية بطلاقة، وينطبق هذا أيضًا على المهاجرين الآسيويين والإسبان.

وفي كثير من الأحيان، يقلق المواطنون الأصليون، وخاصة في الولايات المتحدة، من أن المهاجرين يفتقرون إلى احترام الغرب للقانون والنظام، مما يعني أنهم أكثر ميلًا للإجرام، ولكن الحقيقة عكس ذلك تمامًا، فمعدل سجن المواطنين المهاجرين أقل بحوالي الثلث مقارنة بالمواطنين الأصليين.

أما بالنسبة لجرائم الإرهاب، يجادل رايان بأنه على الرغم من ارتكاب المهاجرين لـ 88% من جميع جرائم القتل الإرهابية في الولايات المتحدة، إلا أن هذا الرقم لا يعتبر كبيرًا عندما ندرك أنه يمثل حوالي 100 شخص سنويًا، وأن جرائم القتل تمثل 1%  فقط من إجمالي الوفيات عمومًا في الولايات المتحدة سنويًا، وأن 1% فقط من جرائم القتل ترتبط بالإرهاب.

الإنتاجية تعتمد على السياسة

ومع ذلك يظل الاعتراض على الهجرة الأكثر إقناعًا، هو أن الإنتاجية تعتمد على السياسة، والسياسة تعتمد على الهجرة، فالمواطنون الأصليون للبلدان المتقدمة يدعمون السياسات التي تساهم في ازدهار صناعاتهم وإثراء بلدانهم، ولكن من يدري كيف سيصوت المهاجرون الجدد، ألا ينبغي أن يتوقع المرء من الوافدين أن يعتمدوا نفس سياساتهم المعطوبة؟.

وقال رايان، إن الواقع يشير إلى غير ذلك، ففي الولايات المتحدة، الانقسام السياسي الرئيسي بين المواطنين الأصليين والمهاجرين هو المشاركة، فحتى المهاجرين القادرين قانونيًا على التصويت يميلون لتجنب ممارسة هذا الحق.

وفي الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2012، صوت 72 % من المواطنين الأصليين المؤهلين بينما صوت 48 % فقط من المهاجرين، وهذا يشير إلى أنهم قد يكونوا قاعدة انتخابية خاملة.

وبالإضافة إلى أن آراء المهاجرين نادرًا ما تكون مختلفة عن عامة المواطنين، يجب الأخذ بالاعتبار أن الهجرة الحرة لا تترجم إلى امتلاك الجنسية تلقائيًا، فبينما يعتبر الترحيب بالمهاجرين نعمة واضحة لهم وللعالم، قد يكون منحهم الجنسية أكثر تعقيدًا.

وقال رايان: "على الرغم من ترحيبي الشخصي بمنح المهاجرين الجنسية، إلا أنني كثيرًا ما أتساءل عن الحالة الغريبة المتمثلة في أن ممالك الخليج العربي أكثر انفتاحًا للهجرة من أي مكان آخر على وجه الأرض"، مشيرًا إلى أن مركز "بيو" للأبحاث وجد أن 76 % من الناس في الكويت و88 % في الإمارات العربية المتحدة هم من المهاجرين.

وأوضح رايان أن شعوب الخليج تتقبل هذا، لأن الدول تتقاسم بسخاء ثروتها النفطية مع المواطنين، وتحمي هذه الثروة بالامتناع عن منح الجنسية للمهاجرين، الأمر الذي يثبت أنه من الأفضل بكثير الترحيب بالمهاجرين بشروط، بدلًا من رفض قبولهم على الإطلاق، فمعظم المهاجرين الوافدين من المناطق الأكثر فقرًا في العالم يقبلون هذه الصفقة، لأنهم يظلوا قادرين على تحسين مستواهم المعيشي أكثر بكثير في الخليج.

أسلوب التخويف

ويناقش رايان، المزيد من المخاوف والتحديات في كتابه "أوبن بوردرز"، بمزيد من التفصيل، وينتقد اعتماد نقاد الهجرة أسلوب التخويف، والذي يقلل من مصداقيتهم عندما يتضح أنهم يبالغون في المخاوف والمخاطر التي يمكن قياسها.

 وقال إن إدراكهم للحقائق الأساسية، وخاصة إهمالهم للمكاسب الهائلة المتمثلة في نقل اليد العاملة من البلدان منخفضة الإنتاجية إلى البلدان ذات الإنتاجية العالية، ضعيف للغاية، "ويدفعنا لتجنب أخذ رؤيتهم للأمر على محمل الجد".

وأشار إلى أنه "إذا أخذنا تشريع الزواج المثلي في بعض البلدان كمثال، يتضح أن آثاره الاجتماعية طويلة الأجل ظلت غامضة حتى سن القانون، فهو قرار تقييمي يتخذه المجتمع في غياب أدلة قوية على أن الآثار الاجتماعية ستكون سيئة للغاية، كما هو الأمر مع الحدود المفتوحة، فحرمان البشر من الحق في استئجار شقة من مالك العقار أو قبول عرض عمل من صاحب عمل يرغب في ذلك يعد ضررًا خطيرًا، وتبرير هذا السلوك غير الأخلاقي يحتاج خطرًا واضحًا ومثبتًا، وليس مجرد تكهنات".

وتابع: "ومع ذلك، عندما ندرس الهجرة بصبر وهدوء، فإن الشيء الرئيسي الذي نلاحظه هو أن الأشخاص الذين ينتقلون من أماكن تضيع فيها موهبتهم إلى أماكن يمكن أن يصلوا فيها إلى أقصى إمكاناتهم، هو أن إثراء المهاجرين يساهم في إثراء العالم".

ليبرالية اقتصادية

وأوضح الكاتب أنه يأمل أن يقتنع القراء في جميع أنحاء العالم بأن فكرة الحدود المفتوحة ليست مجنونة، بل يمكن اعتبارها ليبرالية اقتصادية ليس أكثر.

وعلى الرغم من أن النزعة الليبرالية الاقتصادية أقوى لدى المهاجرين ذوي المهارات المنخفضة، إلا أن نسبة مشاركتهم في الانتخابات التي تسهم في صناعة السياسة منخفضة؛ ففي عام 2012، شارك 27 % فقط ممن لديهم الحق في التصويت في الانتخابات، مما يستبعد الاقتراح بأن الهجرة ستغير السياسات الاقتصادية والمحافظة التي تجعل الدول المتقدمة غنية.

واختتم رايان المقال، بالإشارة إلى أن العالم يأخذ التنظيم الصارم للهجرة كأمر مسلم به، على الرغم من أن الهدف الرئيسي من هذا التنظيم هو حبس العمالة في المناطق غير المنتجة في العالم، الأمر الذي يبدو قاسيًا ومضللًا ويستحق إعادة النظر.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com