الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون أ ف ب

ما أثر تبني فرنسا لقرار يندد بمجزرة سجلت بحق الجزائريين؟

بعد تبني البرلمان الفرنسي قرارا يندد بمجزرة بحق الجزائريين قبل 63 عاما، اعتبر محللون فرنسيون أن القرار بادرة حسن نية من بلادهم قبيل زيارة الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون إلى باريس.

ويعد ملف الذاكرة "التاريخ"، والاستثمارات الفرنسية، عقبة في العلاقات بين البلدين، إلا أن الرئيسين قد أشادا بالعمل المتعلق "بمسائل الذاكرة"، و"بالتقدم الأخير الذي حققته لجنة المؤرخين الفرنسية الجزائرية المشتركة برئاسة المؤرخين الجزائري محمد لحسن زغيدي، والفرنسي بنجامين ستورا، والتي ستجتمع من جديد الشهر المقبل.

أخبار ذات صلة
الجزائر: زيارة تبون إلى فرنسا مرهونة بتسوية 5 ملفات

وتبنت الجمعية الوطنية الفرنسية، قرارا يندد بمجزرة ارتكبت بحق الجزائريين في العاصمة الفرنسية باريس قبل 63 عاما، وأيد القرار 67 نائبا في البرلمان الفرنسي، بينما عارضه 11 جميعهم من صفوف التجمع الوطني (يمين متطرف)، كما امتنع 4 نواب عن التصويت.

وقال المؤرخ الفرنسي إيمانويل بلانشارد إنه في 17 أكتوبر/ تشرين الأول 1961، دعت جبهة التحرير الوطني إلى التظاهر في شوارع باريس للمطالبة باستقلال الجزائر، التي كانت آنذاك مقاطعة فرنسية تدور فيها الحرب منذ 1954، وإنهاء حظر التجول منذ الـ5 من ذات الشهر.

وأضاف: "المتظاهرون استجابوا للدعوة التي أطلقها الفرع الفرنسي لجبهة التحرير الوطني، حيث كانت تقاتل من أجل استقلال الجزائر، وضد حظر التجول الليلي التمييزي الذي يستهدف الجزائريين في المنطقة الباريسية".

وتابع بلانشارد: "لقد شارك ما بين 20 ألفا إلى 30 ألف جزائري في المسيرة، وتعرض العديد من المتظاهرين للضرب بالهراوات أو بأعقاب البنادق على يد الشرطة، حتى إن العديد منهم قُتلوا "بطلق ناري" ثم أُلقوا في نهر السين. 

الاعتراف الرمزي نقطة تحول

من جانبه، قال الباحث الجزائري، عبدالغني بورصالي لـ"إرم نيوز"، إن هذا الاعتراف الرمزي يمثل نقطة تحول في الاعتراف بهذه المأساة التي ظلت لفترة طويلة خاضعة للرقابة والتعتيم، موضحاً أنه يتيح لنا أن نشيد بالضحايا وأسرهم، مع الاعتراف بمسؤوليات السلطات في ذلك الوقت. 

واعتبر أن هذه الخطوة ضرورية للذاكرة الجماعية وبناء مصالحة صادقة ودائمة بين فرنسا والجزائر، لكن مسألة الذاكرة والاعتراف يجب أن تستمر حتى يتم تسليط الضوء على أحداث 17 تشرين الأول/ أكتوبر 1961 وتبعاتها.

وقال بورصالي، إن فرنسا اعترفت للمرة الأولى بمجازر 8 مايو/ أيار 1945 بحق الجزائر منذ عهد الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك، مضيفاً أن الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي حذا حذو شيراك، إذ أدان خلال زيارته لمدينة قسنطينة الجزائرية النظام الاستعماري.

وأشار الباحث السياسي الجزائري إلى أنه منذ الاستقلال وحتى سنوات التسعينيات، تركزت العلاقات الجزائرية الفرنسية على الشراكات الاقتصادية، ثم منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين شهدنا تطوراً وتغييراً في خطابات الرؤساء الفرنسيين.

تصريحات ماكرون حول الاستعمار

ووفقاً للباحث الجزائري في التاريخ العربي الإسلامي، فإن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اعترف خلال حملته الانتخابية عام 2017، بأن الاستعمار جريمة ضد الإنسانية، قبل أن يتراجع عن تصريحاته.

ولفت بورصالي إلى أن "هناك خطوات تم استحسانها من قبل الكثيري، كاعترافه بمسؤولية فرنسا في مقتل المناضل الشيوعي موريس أودان واعتراف الدولة الفرنسية باغتيال المحامي الجزائري علي بومنجل، ومؤخرا اعترافه بمجازر السابع عشر من تشرين الأول/ أكتوبر 1961، ثم فتح بعض الأرشيف واسترجاع رفاة بعض جماجم المقاومين الجزائريين التي كانت بمتحف الإنسان بباريس".

وتابع: "ثم مؤخرا توصلت اللجنة المشتركة للمؤرخين الجزائريين والفرنسيين إلى تبني مقترحات لمعالجة الخلافات بين الطرفين". 

وأوضح الباحث السياسي الجزائري، أن الطرفين توصلا إلى مقترحات لعلاج الخلافات رغم صعوبات المحادثات التي أكدها، الدكتور زهدي، رئيس لجنة المؤرخين من الجانب الجزائري.

أخبار ذات صلة
الجزائر تعلن عن تقدم في محادثات ملف الذاكرة مع فرنسا

أما عن الإجراءات المتخذة بالفعل، قال بورصالي إن الهيئة المختلطة التي أنشأها الرئيسان عبدالمجيد تبون وإيمانويل ماكرون في 25 يناير/كانون الثاني الماضي، تقدمت في جلسة عامة بالأرشيف الوطني بباريس بسلسلة من الإجراءات التي يتعين اتخاذها؛ بهدف التعامل مع النزاعات المرتبطة بالذاكرة، وتاريخ الاستعمار الفرنسي للجزائر.

وأوضح بورصالي: "من الحلول الخاصة بالأرشيف استعادة خمسة أمتار خطية من أرشيفات الجزائر خلال حقبة العهد العثماني، فضلا عن تسليم مليوني وثيقة رقمية من الأرشيف الوطني في الخارج".

وأشار إلى أن "كل هذا يعتبر أمرا مهما وهي خطوات إلى الأمام من أجل الوصول لمصالحة تاريخية بين البلدين"، مشيراً إلى أنه رغم ذلك تبقى فرنسا الرسمية ترفض الاعتراف بمجازرها ضد الإنسانية خلال فترة تواجدها في الجزائر؛ وهي من النقاط الأساسية التي تعرقل أي مصالحة بين الطرفين لطي صفحة الماضي.

ورأى أن هذا الموقف يعود إلى أن فرنسا ما زالت حبيسة خطاب وضغط أيديولوجي تمارسه الطبقة السياسية في فرنسا وعلى رأسها اليمين واليمين المتطرف إلى جانب كل أولئك الذين يحنون لفرنسا الاستعمارية و"فترة الجزائرية الفرنسية". 

ملف الذاكرة.. خلاف تاريخي

وشدد بورصالي على أنه "لا يجب أن ننسى بأن هذه الطبقة السياسية صوتت في عام 2005 على قانون في البرلمان الفرنسي يمجد الاستعمار و"مخلفاته الإيجابية" في فترة كان يحاول الرئيس الفرنسي الأسبق توقيع اتفاقية صداقة بين الجزائر وفرنسا". 

وتابع: "لذلك في نظري أن ملف الذاكرة يبقى ملفا شائكا؛ لأن الخلاف التاريخي بين الجزائر وفرنسا هو عميق جدا"، موضحاً: "فبالإضافة إلى مسألة المحفوظات وإعادة الممتلكات الجزائرية المصادرة، تطالب الجزائر أيضا بتعويضات عن التجارب النووية الفرنسية في الجزائر وتعويض الضحايا. كما تطالب الجزائر بالاعتراف بجرائم الاستعمار من قبل فرنسا الرسمية".

ويندد نص القرار بالقمع الدامي والقاتل بحق الجزائريين في باريس، تحت سلطة مدير الشرطة آنذاك، موريس بابون في 17 أكتوبر 1961، حيث قتل في ذلك اليوم ما بين ثلاثين وأكثر من 200 متظاهر سلمي بحسب مؤرخين. كما تضمن القرار أيضا اقتراحا بإدراج يوم لإحياء ذكرى لهذه المجزرة في جدول الأيام الوطنية والمراسم الرسمية.

وبينما لم ترد عبارة "جريمة دولة" في النص الذي طلبت صياغته نقاشات متكررة مع الرئاسة الفرنسية، إلا أنه ما زالت المواضيع المتعلقة بالذاكرة تؤثر بشكل كبير على العلاقات بين فرنسا والجزائر.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com