مجزرة خان شيخون.. من بالون اختبار إلى مفاجأة ترامب
مجزرة خان شيخون.. من بالون اختبار إلى مفاجأة ترامبمجزرة خان شيخون.. من بالون اختبار إلى مفاجأة ترامب

مجزرة خان شيخون.. من بالون اختبار إلى مفاجأة ترامب

لا يحتاج المتأمل للوضع في سوريا خاصة حادثة استهداف خان شيخون بالأسلحة الكيماوية خلال الأسبوع الجاري لكثير من التفكير لمعرفة الأسباب والدوافع وراء ارتكاب النظام السوري المدعوم روسياً لهذه المجزرة في هذا التوقيت بالذات.

فالجريمة جاءت بعد يوم واحد من تصريحات المتحدث باسم البيت الأبيض شون سبايسر، التي أكد فيها أن النظام السوري بات واقعًا سياسيًا وإزاحته لا تعد خيارًا أساسيًا للإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة دونالد ترامب.

كما أنها جاءت بعد أيام قليلة من اختتام جولة خامسة من مفاوضات جنيف بين الأطراف السورية، لم تقدم -كالعادة-أي جديد رغم التصريحات الدبلوماسية والمتفائلة التي باتت ترافق كل جولة دون أي تقدم ملموس في سبيل الوصول إلى حل سياسي للأزمة المستمرة في البلاد منذ أكثر من 6 أعوام.

وتحمل بلدة خان شيخون أهمية كبرى عسكريًا، فهي بوابة محافظة إدلب من الجنوب التي باتت فعليًا أبرز ما تبقى للمعارضة من معاقل تسيطر عليها في البلاد، كما أن المحافظة تضم حاليًا معظم الذين تم تهجيرهم من مختلف المناطق من مدينة حلب الشرقية إلى ريف دمشق إلى جزء من نازحي حمص وغيرها من المناطق التي خضعت لتسويات بين النظام والمعارضة خلال السنوات الماضية.

وتحمل إدلب أيضًا طابعًا ديمغرافيًا خاصًا فهي ذات غالبية سكانية من العرب السنة، كما أن لها تاريخا قديما في معارضة النظام يعود إلى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وفي ظل الثورة السورية كانت مدن ومناطق الريف أولى المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام وشكلت ثقلاً استراتيجيًا للثوار خاصة في محافظتي حلب وحماة المجاورتين، ومصدر تهديد قريب لمعاقل النظام في محافظة اللاذقية التي ينحدر منها رأس النظام ومعظم أركان حكمه.

ومما لا شك فيه أن إقدام النظام السوري على مثل هذا الفعل لن يكون -من حيث المنطق على الأقل- تصرفًا فرديًا بعيدًا عن إرادة موسكو، خاصة أن روسيا ومنذ العام الماضي باتت هي المحرك الفعلي للعمل العسكري على الأرض من خلال قواعدها العسكرية في سوريا ومشاركة طيرانها في القصف الجوي لمناطق المعارضة وحتى في العمليات القتالية على الأرض، بل وصل الأمر إلى حد تسيير دوريات شرطية في شوارع مدينة حلب بعد إخراج مقاتلي المعارضة منها قبل أشهر، وغيرها من المناطق.

ولا يعتبر مراقبون قولهم إن بشار الأسد بات "مختاراً" لحي المهاجرين الدمشقي حيث يقطن، مبالغة، خاصة أن الوقائع على الأرض والأحداث تشير إلى أن روسيا باتت فعليًا متحكمة بتفاصيل الحكم في سوريا.

ويستند المراقبون إلى استدعاء بشار الأسد وحيدًا إلى موسكو للقاء بوتين أكتوبر/ تشرين الأول 2015، من غير أي مرافقة ولو لوزير خارجيته، وكذلك استدعاء وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو الأسد وحيدًا مرة أخرى إلى قاعدة "حميميم" العسكرية بريف اللاذقية والتي تأوي معظم القوات الروسية وقياداتهم في سوريا، دون أن يعرف الأسد من سيقابل الأمر الذي عبّر عنه بارتباك أمام الكاميرا خلال مخاطبته شويغو: "أنا سعيد جداً بلقائكم.. مفاجأة سارة".

هذه المؤشرات وغيرها تشير إلى أن روسيا تعمدت تصغير الأسد حتى أمام مؤيديه، وهو ما دعمه مؤخرًا إعلان روسيا إبرام اتفاقيات وقف لإطلاق النار في سوريا وأيضًا موافقة وفد النظام على حضور جولات جنيف وأستانا المتخصصة بالشأنين السياسي والعسكري على الترتيب حتى قبل إعلان دمشق نفسها تلك الموافقة.

ومن الطبيعي أن النظام السوري لن يقوم بفعل كاستخدام الأسلحة الكيماوية دون إذن أو على الأقل علم المسؤولين العسكريين الروس، خاصة أن موسكو هي من سيتصدى لتبعات ذلك سواء سياسيًا في مجلس الأمن الذي استخدمت فيه "الفيتو" عدة مرات لمنع أي إدانة ولو صغيرة للأسد، أو عسكريًا باحتمال أي عمل أو ضربات قد تفرض على النظام جراء فعلته.

كل هذه المعطيات السابقة وغيرها تؤشر على أن مجزرة خان شيخون كانت تحمل الضوء الأخضر الروسي ويمكن اعتبارهًا أيضا بمثابة بالون اختبار سوري - روسي استهدف جس نبض إدارة ترامب الجديدة الذي لم يخف في أي من تصريحاته التي سبقت المجزرة أنه لا يدعم كثيرًا إزاحة الأسد ويتخوف من مصير لسوريا مشابه لمصير ليبيا التي تعاني الفوضى منذ الإطاحة بزعيمها الراحل معمر القذافي العام 2011.

وبعد أن أُطلق بالون الاختبار، بدا واضحاً أن رد الفعل الأمريكي بقيادة ترامب في طريقه للتغير بداية من تصريحات مسؤولين أمريكيين مغايرة تجاه الأسد، حيث أكدت أنه لا مكان له في مستقبل سوريا، غير أنه كان يصعب مع بدايات ردة الفعل هذه ورغم التصريحات الامريكية الرافضة للأسد، توقع شن ضربة عسكرية أمريكية مؤثرة ضد نظام الأسد.

ومما يمكن استخلاصه بسهولة، أن إدارة ترامب فهمت جيدًا أبعاد الرسالة الروسية، وأدركت أن وقوفها صامتة أمام هذا الاختبار سيعني ببساطة التسليم بأن الدب الروسي يتولى مقاليد الأمور في سوريا، ويمنح النظام حق ارتكاب المجزرة تلو الأخرى، ويمنع أي إدانة له في مجلس الأمن من جانب المجتمع الدولي، وهو ما كان سيضعف كثيرًا من هيبة أمريكا ورئيسها الجديد أمام العالم، فكان لابد من تحرك أمريكي يضع حدًا لهذه الهيمنة الروسية على الشأن السوري، ويوجه رسالة مضادة لموسكو.

وإضافة إلى ما سبق، من المؤكد أن إدارة ترامب تيقنت أنه إذا مرت الأمور بسلام على نظام الأسد بعد هذه المجزرة أو على الأقل بلا تبعات كبيرة فهذا يعني ضوءا أخضر له ولداعميه من أجل استخدام مزيد من القوة-وإن لم تشمل الكيماوي مجددا- في تصفية المعارضة بإدلب، وهذا قد ينسحب أيضًا على منطقة الغوطة الملاصقة لدمشق والتي ظهر تهديدها قبل أيام بدخول مقاتلي المعارضة مناطق استراتيجية في دمشق ككراج العباسيين ومنطقة المعامل وسيطرتها ناريًا على اوتوستراد العدوي الاستراتيجي قبل أن تتمكن قوات النظام بدعم جوي روسي كبير من استعادة غالبية المناطق التي خسرتها.

وواجه ترامب الذي لا ينفك عن مواصلة توجيه اللوم لإدارة سلفه أوباما في التعامل مع العديد من الملفات وعلى رأسها الملفان السوري والنووي الإيراني هذا الاختبار الحاسم بعد مجزرة خان شيخون خاصة أنه صرح بعد يوم من المجزرة أن الأسد تجاوز خطوطًا كثيرة بارتكابه المجزرة، إلا أنه لم ينس أن يحمّل أوباما جزءا من المسؤولية بسبب وضعه في السابق خطوطًا حمراء تجاوزها الأسد خاصة بارتكابه مجزرة الغوطة صيف 2013 وراح ضحيتها 1400 مدني ولم يتم التعامل معه بالطريقة المناسبة.

وبتوجيه ترامب ضربة عسكرية أمريكية مباشرة للنظام للمرة الأولى منذ اندلاع الأزمة السورية بصواريخ عابرة يبقى السؤال: هل ستليها مفاجآت أخرى أم ستكون كما يقول المثل الدارج في سوريا مجرد "فركة أذن" للأسد ولروسيا؟

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com