وسط الجثامين في غزة
وسط الجثامين في غزة(أ ف ب)

في "عيد الحب".. آلاف الأزواج في غزة يستذكرون مآسيهم

"الآن لم يعد هناك محمد، ولم يعد هناك معنى لعيد الحب، بل أصبحت تمر هذه الذكرى لتزيد ألم الفراق ونار الاشتياق، ولم أعد أجد إجابة مقنعة لأطفالي الذين يسألونني يوميًا "ماما وين بابا؟"، تقول آية الجعيدي.

وسط الدمار والموت الذي يعيشه قطاع غزة منذ أشهر، ما زال بعض سكانه يستعيدون ذكريات يثيرها "عيد الحب"، المحدد في هذا اليوم 14 من فبراير/ شباط من كل عام.

قصص يرويها بحرقة من فقدوا أحباءهم، ليكملوا مشوار الحياة وحيدين، تاركين خلفهم جرحًا نازفًا لا يندمل مع الأيام.

فقدت الجعيدي زوجها بقصف إسرائيلي استهدف مكان عمله في مدينة غزة، تقول لـ "إرم نيوز": "في الأسبوع الثاني للحرب وبعد اشتداد القصف على حينا السكني في غزة أوصلني زوجي (محمد) أنا وأطفالي الاثنين إلى بيت عائلتي في مخيم النصيرات وسط القطاع، خوفًا من أن يصيبنا مكروه ثم عاد إلى مدينة غزة ليكمل عمله".

وأضافت الجعيدي: "كانت تمر الأيام علينا أنا وولديّ ثقيلة ومحمد بعيد عنّا، حيث كنت أهاتفه كل ساعة للاطمئنان عليه وأنه بصحة جيدة، وأخبره بأنني خائفة جدًّا عليه، فقد سمعت أن هناك قصفًا عنيفًا للمدينة، فيخبرني بألا أقلق وأنه بخير".

أخبار ذات صلة
مجلس الأمن يعبر عن قلقه إزاء الوضع الإنساني الخطير في غزة

وأكملت: "في أحد الأيام، قرأت خبرًا، أن قصفًا إسرائيليًّا استهدف البناية التي يعمل بها محمد وهناك عشرات الضحايا تحت الأنقاض، للحظة كاد قلبي أن يتوقف، وبدأت يداي بالارتعاش وفقدت القدرة على التعبير، لاحظت والدتي أنني في حالة انهيار عصبي لتلتقط مني الهاتف وتقرأ خبر الفاجعة، بدأت والدتي بالاتصال على محمد ولكن كان هاتفه لا يجيب، فانهارت باكية بصوت عال".

وتابعت الجعيدي: "بقينا نحاول الاتصال عشرات المرات دون جدوى، حتى جاءنا خبر من أحد زملاء محمد بأنه تحت الأنقاض هو وعدد من الزملاء ويحاولون إخراجهم آملين أن يكونوا ما زالوا على قيد الحياة".

"بقيتُ أكثر من 4 أيام أناشد المؤسسات الدولية وطواقم الدفاع المدني أن يحاولوا الوصول إلى زوجي متمسكة بأمل صغير جدًّا بأن يكون ما زال على قيد الحياة".

وتضيف: "كنت أنام والدموع تغرق عينيّ، وأستيقظ وما تزال الدموع تنهمر، داعية الله بأن يكون ما أعيشه كابوسًا ليس إلا، إلى أن فقدت الأمل تمامًا فقد مر على الحادثة قرابة ثلاثة أشهر ولا يزال جثمان محمد تحت الأنقاض".

أخبار ذات صلة
"كازانوفا غزة".. بلوغر فلسطيني حرمته الحرب من عائلته

وأشارت الجعيدي، "كنّا ننتظر عيد الحب من كل عام أنا ومحمد بفارغ الصبر لنجدد فيه حبنا الذي توجناه بالزواج وبإنجاب طفلين، وكنّا نخرج للاحتفال وقضاء أوقات جميلة".

من جهته، قال المواطن يوسف بكر الذي فقد زوجته وطفله بقصف إسرائيلي: "لقد تعرّفت على زوجتي ريم قبل 7 سنوات، وعشنا أجمل قصة حب قد يعيشها أي اثنين في العالم، كللناها بالزواج وإنجاب طفلي الوحيد أسامة".

وأضاف بكر في حديث لـ"إرم نيوز"، كنّا نسكن بمخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، ومع تهديد الجيش الإسرائيلي للمنطقة بالإخلاء، وبدء عمليات القصف العنيف، قمت بإرسالهم إلى بيت والدي في مدينة غزة في مكان أكثر هدوءًا وآمانًا.

وتابع: "أصبحت كل يوم أذهب إلى بيت العائلة والاطمئنان عليهم واللعب قليلًا مع طفلي أسامة ذي الأربعة أعوام ثم العودة إلى منزلي للبقاء فيه خوفًا من السرقة، إلى جانب أن هناك عددًا من الجيران، ما زالوا متواجدين في بيوتهم".

وأكمل بكر: "وصلني خبر من أحد جيران أهلي أن هناك قصفًا اسرائيليًّا استهدف منزل العائلة، فأصبحت أركض في الشارع كالمجنون وأنا ادعو الله أن يكونوا بخير ولم يصبهم مكروه، وصلت إلى المنطقة وذهلت من حجم الخراب والدمار، وأخبرني الجيران أنه جرى نقلهم إلى مجمع الشفاء الطبي".

وأضاف: "انطلقت إلى مجمع الشفاء وعندما وصلت بدأت بالسؤال عن مصابين من عائلة بكر وصلوا قبل قليل، فأخبرني أحد الممرضين أن جزءًا منهم يتلقى العلاج في غرف العمليات والجزء الآخر قد استشهد وموجود في ثلاجة الموتى".

"بدأ جسمي بالارتعاش وقلبي يدق بسرعة رهيبة وكأنه سيخرج من مكانه، بدأت بتفقد الجثث، لأصاب بحالة من الانهيار العصبي، فقد وجدت زوجتي ريم وطفلي أسامة بجانب بعضيهما وقد جرى تكفينهما، أصبحت أرفع الكفن عنهما لعلهما يكونا على قيد الحياة، وأستمع إلى صوت أنفاسهم ولا أسمع شيئًا".

وذكر المواطن بكر، أتذكر أنني وضعت نفسي بجانبهما ووضعت طفلي أسامة بيني وبين زوجتي واستلقيت لأكثر من ساعتين، وأنا أعيش حالة من الانهيار والهذيان، لقد خسرت جزءًا من روحي وقطعة من قلبي.

أخبار ذات صلة
انتشار عمالة الأطفال.. وجه بائس آخر للحرب في غزة (صور)

وتابع، أذكر آخر مرة احتفلنا فيها سويًا بعيد الحب عام 2023، أخبرتها صباح ذلك اليوم بأنني سأصطحبها للعشاء في مطعم بالمدينة، وسنقوم بوضع أسامة عند عائلتي، كانت السعادة تغمرها، وعدت في ذلك اليوم كمراهق يريد أن يظفر بقلب حبيبته.

"وبالفعل، خرجنا مساء ذلك اليوم في الرابع عشر من فبراير/شباط عام 2023 لعشاء رومانسي في أحد مطاعم غزة المطلة على البحر، كان السلام يملأ الأجواء وكنّا نفكر في بناء مستقبل من أجل أسامة، ولكن لم يعد لدي زوجة ولم يعد هناك أسامة، ولم يعد يعنيني هذا اليوم في شيء".

علّق استشاري الصحة النفسية بوزارة الصحة بغزة د.محمد أبو شاويش قائلًا: "لقد تركت هذه الحرب ندوبًا وأثرًا نفسيًّا هائلًا في حياة المواطنين، جرّاء تعرضهم إلى صدمات عنيفة أفقدتهم معنى الحياة والعيش، وولدت لديهم رغبة جامحة في الخلاص".

وأوضح أبو شاويش في حديث لـ"إرم نيوز"، أن الصدمة التي تعرّض لها هؤلاء المواطنون بفقدان أحدهم للآخر، ولا سيما الأزواج، تحتاج إلى جلسات علاج نفسي مكثفة لمحاولة التخفيف عنهم وتقليل أثر هذه الصدمات في المستقبل، وإعادة دمجهم في الحياة.

وأشار إلى أن هذا الأمر يحتاج إلى وقف إطلاق النار، أولًا، وإنهاء الحرب تمامًا؛ حتى يتسنى لنا العمل كطواقم صحة نفسية والبدء في برامج التعافي.

وبحسب الخبير في الصحة النفسية، فإن مجيء المناسبات العاطفية كعيد الحب على المواطنين الذين فقدوا شركاءهم في الحياة يكون قاسيًا جدًّا، حيث يجري تذكر جميع الذكريات الجميلة التي مرّت عليهم خلال السنوات الماضية إلى جانب اللقطات العاطفية، ومن ثم يصطدمون بالواقع الأليم بأن كل هذه الذكريات أصبحت من الماضي ولم يعد لها وجود.

ولفت إلى أن هناك عشرات الآلاف من هذه الحالات في قطاع غزة التي تحتاج إلى جهد كبير من طواقم الصحة النفسية، إلى جانب تضافر جهود المؤسسات الأممية ذات العلاقة؛ لمحاولة ترميم الصحة النفسية للمواطنين.

أخبار ذات صلة
الضحايا المجهولون.. جرح نازف يعمّق مآسي الغزّيين

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com