مخيم للاجئين السوريين في بلدة بر الياس في سهل البقاع بلبنان
مخيم للاجئين السوريين في بلدة بر الياس في سهل البقاع بلبنانرويترز

موجات اللجوء .. تحديات تفاقم أوضاع الدول المستضيفة

تزامنت الأحداث الدامية في عدد من الدول العربية، خلال العقد الأخير من هذا القرن، مع موجات هجرة ونزوح إلى دول الجوار، فاقمت الأوضاع الاقتصادية للدول المستضيفة، مع ما رافقها من تغير ديموغرافي وثقافي في محافظات تمركز اللاجئين.

على الصعيد المصري، فإن "الدولة التي تتعامل مع أزمة اقتصادية متصاعدة، تستضيف نحو تسعة ملايين لاجئ ومهاجر، بمن في ذلك ما يقارب 300 ألف سوداني وصلوا العام الماضي بعد فرارهم من الحرب في بلادهم"، وفقًا للأمم المتحدة.

ويرى أستاذ العلوم السياسية، الدكتور رأفت محمود، أن "مصر تؤدي دورًا مهمًا في استقبال وحماية اللاجئين من دول الأزمات، خاصة في منطقتها الجغرافية".

ويشير لـ"إرم نيوز" إلى أن "هناك جنسيات معينة تتصدّر قائمة اللاجئين في مصر، أبرزها السودانيون والسوريون، حيث يقترب عددهم من 6 ملايين نسمة، يليهم اليمنيون والليبيون بنحو مليوني نسمة".

أخبار ذات صلة
اللاجئون السودانيون في تشاد.. معاناة فوق معاناة

تداعيات سياسية واقتصادية

وأضاف الدكتور رأفت محمود، أن "مصر لا تعتمد على سياسة عزل اللاجئين في مناطق مخصّصة لهم، بل تعتمد على سياسة دمجهم في المجتمع المصري، وتتمثل هذه السياسة في السماح للاجئين بممارسة جميع الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية؛ ما يحقّق نوعًا من التفاعل بين القادمين من الخارج والمواطنين المصريين".

ويشير إلى أن "غالبية العمال المهاجرين في مصر يعملون دون عقود، وبشكل أساسي في القطاع الخاص غير الرسمي، ويصعب محاسبتهم ضريبيًّا، أو إدراجهم في قاعدة بيانات رسمية".

وفيما يتعلق بالتحديات المرتبطة بوجود العمال المهاجرين، يقول إنه "على المدى البعيد قد يحدث تغير ديموغرافي وثقافي في محافظات التمركز للاجئين؛ ما قد يؤثر على الهُوية المصرية، بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي الضغط الشديد على الموارد إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية؛ ما يساهم في زيادة معدلات التضخم وارتفاع الأسعار".

أما عن الفلسطينيين، فيؤكد أن "أعدادهم أقل من الجنسيات الأخرى، لأهداف سياسية ترتبط في الأساس بالقضية الفلسطينية، وهو ما بدا في رفض مصر دعوات التوطين في شبه جزيرة سيناء؛ إذ ترى الدولة أن هذا المخطط يستهدف القضاء على حلم قيام الدولة الفلسطينية".

وأوضح أن "توطين الفلسطينيين في الأراضي المصرية، ستكون له تداعياته السياسية والاقتصادية الواضحة، ويُعيد الدولة مرة أخرى كنقطة عبور للهجرة غير الشرعية عن طريق الحدود البحرية، وهو ما عملت مصر طيلة السنوات الماضية على وقفه".

ويُشكّل الفلسطينيون في الشرق الأوسط مجموعة سكانية متنوعة تُقدّر بنحو سبعة ملايين شخص ذوي أوضاع قانونية مختلفة، ويعيشون بشكل رئيس في إسرائيل، وقطاع غزة، والضفة الغربية، والأردن، ولبنان، وسوريا، ومصر، ودول أخرى، وفقًا لوكالة الأونروا.

 وقد أعربت مصر والأردن عن تخوفهما من سعي إسرائيل لتوطين الفلسطينيين، وإلغاء المطالب الفلسطينية بإقامة دولتهم، مؤكدتين أن "النزوح الجماعي قد يؤدي إلى خطر جلب المسلحين إلى شبه جزيرة سيناء المصرية، فقد يشنون هجمات على إسرائيل؛ ما يُعرّض معاهدة السلام الموقعة بين القاهرة وتل أبيب منذ 47 عامًا للخطر".

بالإضافة إلى أن "الدول العربية والعديد من الفلسطينيين يشكون بأن إسرائيل قد تستغل هذه الفرصة لفرض تغييرات ديموغرافية دائمة، من أجل تدمير المطالب الفلسطينية بإقامة دولة في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية".

أخبار ذات صلة
اللاجئون السوريّون والآيديولوجيا السكانية

أزمات مستقبلية في الأردن

وفيما يخص الأردن، يرى الباحث الأردني، هادي الرفاعي، أن "الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة فاقمت الأوضاع بصورة كبيرة في الأردن"، وأوضح أن "المملكة لديها أربعة ملايين لاجئ، معظمهم من سوريا".

وأضاف لـ"إرم نيوز"، أن "الأزمة السورية التي اندلعت قبل عقد من الزمان، أسهمت بصورة كبيرة في تفاقم الأوضاع؛ إذ استقبل الأردن الغالبية العظمى من السوريين، بالإضافة إلى وجود أعداد كبيرة من العراق واليمن والصومال والسودان؛ ما يضع البلاد أمام تحديات جديدة، كزيادة الضغط على الموارد، وتفاقم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية".

وأضاف أنه "من بين أربعة ملايين لاجئ في الأردن، لا يوجد إلا نحو 700 ألف مسجلين لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين؛ ما يضع مزيدًا من الضغط على موارد الدولة، حيث إن هؤلاء اللاجئين غير المسجلين لا يتلقّون أي مساعدات من الأمم المتحدة أو من الدول المانحة".

وأشار إلى أن "التحدي الأكبر هو أن العالم يتجاهل ما آلت إليه الأمور، جراء الزيادة الكبيرة في أعداد اللاجئين، فالأردن تحمّل نحو 53 مليار دولار من موازنة الدولة، للوفاء باحتياجات اللاجئين؛ ما ترك تداعيات عدة على الداخل الأردني، كارتفاع نسب الفقر والبطالة".

وأوضح الرفاعي، أن "التحديات في الأردن لم تقتصر على مجرد الأوضاع الاقتصادية، وإنما امتدت إلى المياه والأراضي الزراعية، في ظل معاناة البلاد من شُح المياه وارتفاع درجات الحرارة؛ ما يُنذر بأزمات كبرى في المستقبل".

أخبار ذات صلة
من عروض الجونة.. "كباتن الزعتري" وثائقي يروي معاناة السوريين في المخيم الأردني

كل دولة لها خصوصيتها

ويؤكد الباحث المتخصص في شؤون اللاجئين والعلاقات الدولية، مجدي سلامة، أن "تنامي الأزمات الدولية في العالم أسهم بشكل كبير في تفاقم أوضاع ملايين البشر، بسبب النزوح الجماعي للعائلات إلى دول الجوار".

وأوضح سلامة لـ"إرم نيوز" أن ذلك "أدى إلى تفاقم أوضاع اللاجئين، وأثر بالسلب على أوضاع مواطني الدول التي ينزحون إليها"، وأضاف أن "كل دولة لها خصوصيتها في التعامل مع ملف اللاجئين، فمصر ترفض تمامًا تخصيص مخيمات أو مناطق مخصصة للاجئين، وبالتالي لا توجد منطقة  خاصة يتمركز فيها اللاجئون، وهو ما ينعكس على انتشارهم في جميع محافظات الجمهورية".

وعلى النقيض من ذلك، تخصّص بعض الدول، كالأردن، أماكن معينة للاجئين، حيث خصّصت مخيمات الزعتري والأزرق للاجئين السوريين، ولكن رغم ذلك فإن نسبة اللاجئين الموجودين في هذه المخيمات لا تتجاوز 25%، وفق تقدير سلامة.

وأوضح الباحث أن "هناك عددًا من المخيمات المخصصة للفلسطينيين في الأردن، حيث تقع مسؤولية التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية على عاتق وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، بينما تتحمّل السلطات الأردنية الجانب الأمني".

وأضاف أن "الاستثناء الأردني بالنسبة للفلسطينيين هو معاملتهم كمواطنين؛ إذ تمنحهم الجنسية، حتى يمكنهم تحقيق أكبر قدر من الاندماج مع المجتمع الأردني"، وأوضح أنه "لا فرق بين الأردني والفلسطيني حامل الجنسية الأردنية في أمور الحياة اليومية".

الحاجة إلى الدعم المالي

ورغم أن "نشاطات بعض اللاجئين، قد تُمثّل ميزة إضافية، فإن اللاجئين يُشكّلون عبئًا إضافيًّا على الاقتصاد الوطني للدول المستضيفة لهم"، وفق تقدير الخبير الاقتصادي، علي الحنفي.

وأوضح الحنفي أن "السوريين، على سبيل المثال، يُشكّلون نسبة ضئيلة في الاقتصاد بفضل مشاريعهم الخاصة، إلا أن القطاع الأكبر من اللاجئين لا يؤدّون الدور ذاته، وبالتالي، تتزايد الضغوط على موارد الدول العربية؛ ما يُسهم في زيادة الأسعار وزيادة نسبة التضخم".

وأضاف أن "هناك حاجة مُلحّة للدول المستضيفة للاجئين للحصول على تمويلات من الدول الأخرى، خاصة من الاتحاد الأوروبي؛ لأن هذه الدول تحميهم من تدفق آلاف اللاجئين إلى أراضيهم".

ولا تزال أزمة اللاجئين السوريين أكبر أزمة لجوء في العالم؛ إذ يوجد حاليًّا أكثر من 5.34 مليون لاجئ سوري مسجلين لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، موزعين على المخيمات والملاجئ الجماعية والأحياء الفقيرة في جميع أنحاء لبنان وتركيا والعراق والأردن ومصر.

وحدّدت المفوضية 777 ألف سوري يحتاجون إلى إعادة التوطين، وهو عدد أكبر من أي مجموعة لاجئين أخرى، وتظل إعادة التوطين اختبارًا حاسمًا لتقاسم المسؤولية من جانب المجتمع الدولي، وفق تقرير المفوضية.

ورغم أن المفوضية أعلنت عودة 38379 لاجئًا إلى سوريا من الأردن، ولبنان، وتركيا، والعراق، ومصر، في عام 2022، إلا أنها كشفت، في دراسة، أن "96.8% من اللاجئين السوريين المقيمين في الأردن يرفضون العودة إلى سوريا، مقابل 95% في مصر، و94% في العراق، و91% في لبنان؛ ما يعني تزايد الأزمات الاقتصادية خلال الفترة المقبلة".

Related Stories

No stories found.
logo
إرم نيوز
www.eremnews.com