غالانت: هجومنا على إيران سيكون "قاتلاً ودقيقاً ومفاجئاً" ولن يفهموا ماذا حدث
تمايزت مواقف دول الشرق الأوسط، ما بين الحذر والسعادة والترقب، عقب تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، وفي وقت رحبت مصر بسعادة بالغة بوصول الرجل إلى البيت الأبيض، بدت دول الخليج أكثر حذراً، فيما كانت تركيا حاضرة في حفل التنصيب بشخص وزير خارجيتها مولود جاويش أوغلو، وهو ما كان مستغرباً، بحسب محللين.
ويرى مراقبون أن الإدارة المصرية ترغب بعلاقات أكثر قرباً وانفتاحاً مع نظيرتها الأمريكية، وهو ما تجسد في تلقي ترامب أول اتصال تهنئة بصفته الرئيس المنتخب قرابة الساعة 3:30 صباحاً وكان من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
وأشار مسؤولون مصريون إلى أن الاتصال يرمز لحقبة جديدة في العلاقات الأمريكية المصرية التي توترت بشكل كبير عقب الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي في تموز/ يوليو 2013 ودخول السيسي إلى السلطة.
وفي الوقت الذي لم يشارك فيه السيسي بحفل تنصيب ترامب، ذهب وفد من المستوطنين الإسرائيليين إلى واشنطن، فيما لم يحضر أحد من دول الخليج العربي، وعلى عكس المصريين والإسرائيليين والأتراك، الذين يشعرون بالإيجابية تجاه ترامب فإن دول الخليج تبنّت نهجاً أكثر حذراً للتغير الجديد في البيت الأبيض، على الرغم من شعورهم بالسعادة لوضع عصر باراك أوباما وراء ظهورهم.
وإن كانت هناك أي علامات مستنبطة من الحملة الانتخابية الطويلة حول نهج ترامب في الشرق الأوسط والسياسة الخارجية للولايات المتحدة بصورة عامة، فهي تتمثل في أن ترامب سينتهج التقشف مع حلفائه، إلا أنه يبدو أن قادة تلك الدول قرروا التغاضي عن هذه الحقيقة المرة على أمل أن يكون ترامب وفياً لأمنهم ومصالحهم بشكل أفضل من سلفه أوباما.
ويرى مراقبون أن المصريين مقتنعون بأن إدارة ترامب ستقدم دعمها غير المشروط للسيسي، وستتغاضى عن الخلافات السياسية والحقوقية التي تنامت خلال إدارتي أوباما ومن قبله بوش.
ويدرك الأتراك بأن الإدارة الجديدة ستدعمهم ضد القومية الكردية، في حين يشعر الإسرائيليون بالثقة من خلال الغطاء السياسي والدبلوماسي الأمريكي لاستمرارهم في الضم البطيء والمتواصل للضفة الغربية، فيما تشعر دول الخليج العربي وإسرائيل بالغضب من تواصل أوباما مع إيران، ويعتمدون على ترامب من أجل استعادة علاقة واشنطن العدائية مع طهران.
ماذا ستقدم مصر لترامب؟
وإذا قام ترامب بما يرغب به قادة وزعماء الشرق الأوسط ، يبقى التساؤل بحسب صحيفة "سالون" الأمريكية، عن طبيعة هذه المواءمة بين رغبات كل الأطراف، وإلى أي حد سيجعل ترامب الأوضاع أفضل في المنطقة.
وتشير الترجيحات إلى إمكانية حصول المصريين حسب الصحيفة، على ما يرغبون به من تغيير في لهجة علاقاتها الثنائية مع واشنطن، إلا أنه يجب عليهم أن يكونوا واقعيين في شغفهم لذلك وألا يرفعوا سقف التوقعات.
وعدا عن الدفعة السياسية المؤقتة التي ستمنحها تحسين العلاقات مع واشنطن للسيسي، إلا أن ذلك لن يغير واقع الحال الأمني في سيناء أو يجعل اقتصاد مصر المتهاوي ينمو فجأة، ولا توجد أي دلالات على أن إدارة ترامب ستكون أكثر سخاءً من إدارة أوباما في المساعدات العسكرية أو الاقتصادية، حيث تتمحور سياسة ترامب حول "فن عقد الصفقات ".
وفي عالمه الخاص من المعاملات التجارية قد يتساءل ترامب "ما هي العملة التي تملكها مصر أو ما هي ركيزتها المربحة"، في حين أن العبارة التي تتبناها القاهرة تدعي أن " مصر هي قوة أساسية للاستقرار في المنطقة" بيد أن هذه المقولة أصبحت قديمة ولم تعد دقيقة أيضاً، على حد وصف الصحيفة.
في السياق ذاته، ما الذي قد يهتم به ترامب في المنطقة سوى قصف تنظيم "داعش" الذي نما في المنطقة بشكل كبير، وما يملكه السيسي لتقديمه لترامب، هو دعم دولي ضد جماعة الإخوان، وهو أمر منحته مصر لترامب مجاناً، ويرجح أن يواجه المصريون الواقع بأن المشكلة التي يعانون منها في علاقتهم مع الولايات المتحدة منبعها القاهرة وليس واشنطن.
وتكتسب مصر أهميتها من واقع حالها وتزايد مشكلاتها، وواحدة من تلك المشاكل فقط تثير اهتمام الرئيس الأمريكي الجديد وهي الإرهاب، وكما ترى التجربة الأمريكية على مدى 16 عاماً مضت، فإن إضافة مستويات متزايدة من القوة على المشكلة أمر لا جدوى منه.
تركيا تتحضر لخيبة أمل
وتتشابه القضية بالنسبة للأتراك، الذين يحضّرون أنفسهم لخيبة أمل كبيرة، فبعد أن اعتقدوا أن حضور شاويش أوغلو "بغرور" في حفل تنصيب ترامب كان محاولة للاختباء وراء رغباتهم في تحجيم النشاط الكردي.
وشهد وزير خارجية ترامب القادم ريكس تيلرسون، في جلسات الاستماع الخاصة به، بأن القوة الكردية الرئيسية المحاربة وهي "وحدات حماية الشعب، التي تعتبرها الحكومة التركية تابعا مقربا لحزب العمال الكردستاني، هي الحليف الأكبر لواشنطن في الحرب ضد تنظيم "داعش"، فيما أثارت إدارة أوباما حفيظة أنقرة بسبب تعاونها مع وحدات حماية الشعب الكردية في الحرب ضد داعش، التي تعد من أولويات ترامب أيضاً لتبقى هذه العقدة عالقة بين الطرفين.
والمفارقة هنا أن مصر قادرة على إقناع البيت الأبيض بأنهما حلفاء في معاداة الإخوان، إلا أن حزب "العدالة والتنمية" الحاكم في تركيا فهو مجموعة إسلامية منحت جماعة الإخوان في مصر ملاذاً ومنبراً لنزع شرعية الحكومة المصرية، ويرجح ألا يأتي هذا التاريخ المظلم لتركيا بآثار إيجابية مع إدارة ترامب التي تشعر بريبة عميقة تجاه أي شيء متعلق بالإسلام.
إسرائيل وعداء إيران
من جانبها تشعر الحكومة الإسرائيلية بالحماس أيضاً مع قدوم ترامب، الذي يخطط لنقل السفارة الأمريكية من "تل أبيب" إلى القدس، وعيّن المحامي المؤيد للمستوطنات ديفيد فريدمان سفيراً للولايات المتحدة في الأراضي المحتلة.
وكانت هذه علامة واضحة على أنه على العكس من أوباما فإن ترامب يحمي ظهر إسرائيل، إلا أنه توجد دلالات على مشاكل محتملة.
فعندما كان ترامب مرشحاً للرئاسة، قام بوصف السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين بأفضل صفقة، وعلى الرغم من القائمة الطويلة من الجهود الأمريكية التي فشلت في إنهاء هذا الصراع ، فمن الصعب تخيل أن ترامب لن يخوض في عملية السلام في مرحلة ما، ولا بد من أن يتسبب هذا بخلاف بين واشنطن والقدس، بغض النظر عن مدى السعادة بعمليات ضم إسرائيل لها في الوقت الحاضر.
ومن المحتمل أن يمكّن ترامب مشروع الاستيطان الإسرائيلي الذي سيساعد إسرائيل على الاحتلال الدائم وزرع المزيد من العنف، وسيجعل من الصعب عليها تطوير علاقاتها مع دول عربية مهمة وربما تقويض الديمقراطية الإسرائيلية.
وحسب صحيفة "سالون" الأمريكية، فإن أهم الأسباب التي جعلت إسرائيل من جهة ودول الخليج من جهة أخرى متفائلين بالإدارة الجديدة هو عداء ترامب الواضح لإيران، حيث قال ترامب خلال الحملة الانتخابية إنه سيمزق خطة العمل الشاملة المشتركة، ما يعرف اختصاراً بـ(JCPOA)، أو ما يشتهر باسم الاتفاق النووي الإيراني.
وصرّح ترامب أيضاً بأن إيران هي "أكبر راع للإرهاب في العالم" وأنه سيتصدى لمحاولات إيران من أجل "الضغط العنيف لزعزعة استقرار والسيطرة على الشرق الأوسط"، لكن قيام ترامب بسحب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي قد لا يغير الشيء الكثير، فهي اتفاقية متعددة الأطراف وما زالت الصين، والاتحاد الأوروبي وروسيا ملتزمين بها.
وفي حين أشارت السعودية والإمارات إلى أنهما قادرتان على التأقلم مع الاتفاقية طالما أن واشنطن صارمة مع طهران، إلا أن ترامب قد يكون أقل تهديداً من كلماته الرنانة، حيث يبدو أنه يميل إلى عقد اتفاق مع الروس حول سوريا بما يضمن بقاء بشار الأسد على سدة الحكم، وسيمثل ذلك انتصاراً كبيراً آخر لإيران.
ومن المنطقي أن تتوقع دول الخليج دعماً أمريكياً متزايداً في حملتهم ضد الحوثيين في اليمن، حيث تحاول إيران استغلال فرصة الفوضى لإضعاف السعودية.
ووردت تقارير عن وزير دفاع ترامب جنرال البحرية السابق جيمس ماتيس، أنه اقترح مهاجمة إيران ثأراً لاستهداف الميليشيات المسلحة المدعومة من إيران للجنود الأمريكيين في العراق عام 2011.
في ضوء ذلك، لن يكون هناك تقارب مع إيران على طريقة أوباما، لكن قد يقرر ترامب عدم ملاحقة الإيرانيين في العراق وسوريا ولبنان واليمن وأي مكان آخر.
ترامب ومشاكل الشرق الأوسط
وبالطبع ليس هناك طريقة لمعرفة كيفية تعامل ترامب بالضبط مع مشاكل الشرق الأوسط المعقدة والمتعددة، بحسب الصحيفة الأمريكية، إلا أنه يبدو أن لديه 3 أفكار حول سياسة أمريكا الخارجية؛ أولها القضاء على "داعش" والتعاون مع روسيا وتحدي الصين.
وقد يترك له هذا الأمر مجالاً للمراوغة، إلا أن ذلك قد يكون على حساب التماسك والقيادة التي لطالما نوقش بين نقّاد أوباما بأنه يفتقدها.
ومن المرجح أكثر أن يقوم ترامب بفعل ما كان سيفعله وقت ما كان مرشحا للرئاسة، وهو ترك الأمور تتصلح وحدها دون الحاجة للمتابعة وتصليح الأخطاء، إلا أن هذا لا يبشر بخير فمن غير المحتمل أن تستطيع القوة الأمريكية أن تجمع الشرق الأوسط على شيء، لكنها بالتأكيد قادرة على جعل الأمور أسوأ.