أكد تقرير نشرته صحيفة "لوموند" الفرنسية، اليوم الخميس، أن السلطات الإيرانية تخطط لفرض تضييقات على مستخدمي الإنترنت من خلال إنشاء شبكة "إنترنت وطنية" يسهل التحكم فيها وقطعها على المستخدمين في أوقات الاحتجاجات.
وقال التقرير، إن "شبح انقطاع الإنترنت عن العالم مع إنشاء "شبكة المعلومات الوطنية" يطارد مستخدمي الإنترنت الإيرانيين مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في الـ18 من حزيران/يونيو المقبل، إذ يقدر المحللون أنه في حالة حدوث مظاهرات أثناء الحملة الانتخابية أو عند إعلان النتائج، فإن السلطات في طهران قادرة على منع الوصول إلى شبكة الويب العالمية للمستخدمين الإيرانيين (وتقدر نسبتهم بـ 71٪ على الأقل من 83 مليون نسمة) دون أن يؤثر ذلك على الحياة اليومية".
ووفق التقرير "تزداد حدة هذه المخاوف، حيث دعا المرشد الأعلى علي خامنئي إلى مزيد من السيطرة على الإنترنت، وقال في خطاب ألقاه في الـ20 من آذار/ مارس الماضي بمناسبة رأس السنة الإيرانية الجديدة (نحن فخورون بترك الفضاء الافتراضي دون مراقبة، ولكن كنا مخطئين، يجب ألا تكون هذه الأداة متاحة للعدو)".
ويؤكد التقرير أنه "جرى في السنوات الأخيرة تسريع تنفيذ مشروع شبكة الإنترنت الوطنية الذي تم إطلاقه عام 2012 مع تصميم التطبيقات الإيرانية ومحركات البحث وخدمات الرسائل والمواقع الإلكترونية، ومعظمها منسوخ عن نماذج أجنبية؛ ما اضطر المواقع الإيرانية المستضافة في الخارج إلى الانتقال إلى البلاد، إذ يتم تخزين جميع البيانات في إيران؛ ما يسمح للسلطات بالوصول الكامل إذا لزم الأمر؛ ما يعرض سلامة مستخدمي الإنترنت للخطر في بلد يمكن فيه محاكمة أي شخص والحكم عليه بالسجن لفترات طويلة بسبب أنشطته على الويب".
ويفسر التقرير دوافع السلطات الإيرانية للمضي في هذا المشروع بالقول: "العقوبات الأمريكية التي فرضت خلال رئاسة دونالد ترامب (2017-2021) جعلت من السهل على السلطات الإيرانية الترويج لمشروع الإنترنت الخاص بها، فمنذ عام 2017 أصبح العديد من الخدمات التي تقدمها الشركات الأمريكية مثل: أمازون وغوغل ومايكروسوفت، غير متاحة لمستخدمي الإنترنت الإيرانيين.. والإيرانيون محرومون من القدرة على التعامل دوليا إذ ترفض البنوك الأجنبية قبول المدفوعات خوفا من أن تكون مقيدة من قبل واشنطن".
ويعلق أمير رشيدي، الباحث الإيراني المتخصص في أمن الكمبيوتر والحقوق الرقمية الذي يعيش في الولايات المتحدة في تصريح للصحيفة الفرنسية بالقول: "في هذا السياق من الطبيعي أن يلجأ الإيرانيون إلى الخدمات التي تقدمها طهران، لقد دفعت سياسة الضغط الأقصى التي انتهجها ترامب بالإيرانيين إلى أحضان النظام."
ويؤكد التقرير الفرنسي أنه "في ظل ولاية المحافظ المتشدد محمود أحمدي نجاد (2005-2013) كانت الرقابة على الإنترنت تمارَس ضد الشبكات الاجتماعية مثل: يوتيوب وتويتر وفيسبوك والمواقع السياسية، وتلك التي تحتوي على كلمات محظورة تتعلق بشكل خاص بالجنس، ولكن يمكن التحايل على هذه الرقابة من خلال استخدام برامج مثل: الشبكات الخاصة الافتراضية (VPN) والوكلاء، ومن هنا جاءت الجهود المبذولة منذ ذلك الحين لإنشاء شبكة إنترنت وطنية تم اختبار فاعليتها بالفعل خمس مرات منذ عام 2018 عندما قطعت إيران الوصول إلى الإنترنت العالمي".
ويشير التقرير إلى أن "هذه الانقطاعات في الشبكات التي حدثت أثناء المظاهرات الاجتماعية والسياسية أثرت في بعض الأحيان على البلد بأكمله وعلى الأقل الأماكن التي كانت تجري فيها الأحداث، وتعود الحلقة الأخيرة إلى شباط/فبراير 2021 في إقليم سيستان وبلوشستان (جنوب شرق) عندما جرت اشتباكات بين الشرطة وتجار البنزين، وهي ممارسة منتشرة في هذه المنطقة المهمشة ذات الأغلبية السنية حيث تدفع البطالة السكان إلى الانغماس في أشكال مختلفة من الاتجار، ولمدة ثلاثة أيام تم قطع الإنترنت عبر الهاتف المحمول في جميع أنحاء المقاطعة لمنع تنقل المعلومات في المنطقة، وبحسب السلطات الإيرانية فقد خلفت الاشتباكات مقتل مدنيين اثنين و16 بحسب نشطاء حقوقيين."
ووفق التقرير "يعود أطول قطع للإنترنت - نحو عشرة أيام - إلى نوفمبر 2019 عندما نزل آلاف الإيرانيين إلى شوارع البلاد للاحتجاج على ارتفاع أسعار البنزين ثم في مواجهة حجم القمع الذي خلف ما لا يقل عن 304 قتلى ضد استبداد النظام، ولم يتم نشر مقاطع الفيديو والصور الخاصة بالحملة القمعية إلا خارج البلاد بعد عودة حركة الإنترنت من إيران إلى الخارج".
ويقول الباحث الإيراني أمير رشيدي إنه "في تشرين الثاني/نوفمبر 2019، بعد يومين أو ثلاثة أيام من إغلاق الإنترنت العالمي، كان الإنترنت الوطني الإيراني يعمل بشكل مثالي تقريبا، ولم يواجه المواطنون الإيرانيون مشكلة في حجز سيارة أجرة على تطبيق (سناب) والتسوق ومشاهدة الأفلام الخاضعة للرقابة، بينما لم يكن لديهم إمكانية الوصول إلى أي موقع في الخارج مثل (غوغل) ومنذ هذه الموجة الاحتجاجية تم حظر رسائل "تلغرام" المشفرة التي تحظى بشعبية كبيرة في إيران."
ويشير التقرير إلى أنه "إلى جانب تصميم التطبيقات الإيرانية من قبل المطورين تم وضع إجراء اقتصادي عام 2017 لتشجيع الإيرانيين على استخدام المحتوى الذي يتم إنتاجه واستضافته في إيران في كثير من الأحيان." مضيفا أن "لدى وزارة الاتصالات ومزودي خدمة الإنترنت خيار حساب استهلاك البيانات بشكل مستقل من الزيارات إلى المواقع والتطبيقات المستضافة في الخارج أو في إيران وتطبيق التعريفات التفاضلية إذ إن استخدام الإنترنت العالمي يكلف ضعف تكلفة شبكة الإنترنت الإيرانية".