هل تخطط تركيا سرًا لامتلاك السلاح النووي؟
هل تخطط تركيا سرًا لامتلاك السلاح النووي؟هل تخطط تركيا سرًا لامتلاك السلاح النووي؟

هل تخطط تركيا سرًا لامتلاك السلاح النووي؟

يبدو أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الطموح يطمع في استعادة الامبراطورية العثمانية التاريخية، إذ أظهر رغبته في السيطرة على مساحة واسعة من سوريا على طول حدود بلاده، كما سبق وصرح بأنه يريد تطوير قنبلة نووية.

ففي الأسابيع التي سبقت أمر الجيش التركي بعبور الحدود لتطهير المناطق الكردية، لم يحاول الرئيس التركي أردوغان إخفاء طموحه الأكبر، وقال في اجتماع لحزبه الحاكم في أيلول سبتمبر "بعض الدول لديها صواريخ برؤوس حربية نووية، لكن الغرب يصر على أنه لا يمكننا الحصول عليها. وأنا لا أستطيع قبول هذا".

وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، مع وجود تركيا الآن في مواجهة مفتوحة مع حلفائها في الناتو، بعد أن راهنت أنقرة على قدرتها على غزو سوريا والإفلات دون عقاب، وفازت بالرهان، بدأ تهديد أردوغان يظهر في ضوء مختلف، فإذا لم تستطع الولايات المتحدة منع الزعيم التركي من ضرب حلفائها الأكراد، فكيف يمكن أن تمنعه من صنع سلاح نووي أو تطوير برنامج نووي مثل إيران.

ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها أردوغان عن التحرر من القيود المفروضة على البلدان التي وقعت على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، ولا أحد يعلم نواياه الحقيقية، فهو بارع للغاية في تشويش الحلفاء والخصوم، وهو أمر اكتشفه الرئيس ترامب في الأسبوعين الماضيين.

وقال "جون جيه هامري"، نائب وزير الدفاع السابق الذي يدير الآن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن: "قال الأتراك منذ سنوات إنهم سيتبعون خطى إيران، ولكن هذه المرة الأمور مختلفة، فقد صدم أردوغان العالم بقدرته على تدبير انسحاب أمريكا من المنطقة".

وأضاف: "فمثل الإيرانيين، قد يحتاج أردوغان إلى إظهار أنه اقترب من تطوير القنبلة النووية، وقد يحصل عليها في أي لحظة".

إذا صحت هذه التكهنات، فهو يعمل على تطوير القنبلة النووية، ببرنامج أكثر تقدمًا من برنامج المملكة العربية السعودية، لكنه أقل بكثير من البرنامج الإيراني، إلا أن الخبراء يقولون إنه من المستبعد أن يتمكن أردوغان من تطوير سلاح نووي في السر، وأي خطوة علنية للحصول على سلاح دمار شامل من شأنه أن يثير أزمة جديدة، إذ ستصبح تركيا بذلك أول عضو في الناتو يخرج من المعاهدة ويسلح نفسه بأسلحة نووية.

وتمتلك تركيا بالفعل المكونات اللازمة لإطلاق برنامج نووي، إذ تمتلك اليورانيوم ومفاعلات الأبحاث، وعلاقات غامضة بأشهر بائع للأسلحة النووية في السوق السوداء العالمي "عبد القدير خان" من باكستان. كما تبني تركيا أول مفاعل نووي كبير لتوليد الكهرباء بمساعدة روسيا، وهو أمر مقلق لأن أردوغان لم يقل كيف سيتعامل مع نفاياته النووية، والتي يمكن أن تُحول لوقود لسلاح نووي، ويذكر أن روسيا هي من بنت مفاعل "بوشهر" الإيراني.

عواقب السلاح النووي 

وقال الخبراء إن تطوير تركيا سلاحًا نوويًا من شأنه أن يستغرق عدة سنوات، ما لم يشتر أردوغان سلاحًا، وهي خطوة من شأنها أن تشكل خطرًا كبيرًا على مستقبله السياسي.

وقالت "جيسيكا فارنوم"، وهي خبيرة في شؤون تركيا في مركز "جيمس مارتن" لدراسات حظر الانتشار النووي في مدينة مونتيري في ولاية كاليفورنيا الأمريكية: "يلعب أردوغان على المشاعر المضادة للولايات المتحدة بحديثه عن الأسلحة النووية، لكن من المستبعد أن يحاول الحصول على الأسلحة النووية بالفعل، إذ سيكون هناك عواقب اقتصادية ودبلوماسية وخيمة على تركيا، مما سيضر بقاعدة أردوغان الانتخابية، وهذا ثمن لن يود أردوغان دفعه".

وهناك عنصر آخر لهذا المزيج النووي الغامض، وهو وجود ما يقرب من 50 سلاحًا نوويًا أمريكيًا، مخزنًا على الأراضي التركية، والتي لم تعترف الولايات المتحدة بوجودها صراحة حتى يوم الأربعاء الماضي.

وعندما سُئل ترامب عن سلامة تلك الأسلحة المخزنة في قبو تسيطر عليه الولايات المتحدة في قاعدة إنجرليك الجوية، قال: "نحن واثقون من أمان الأسلحة، ولدينا قاعدة جوية كبيرة وقوية للغاية هناك".

إلا أن هذا شعور لا يتشاركه الجميع، لأن القاعدة الجوية تابعة للحكومة التركية، وإذا تدهورت العلاقات مع تركيا، سيصبح الوصول الأمريكي إلى تلك القاعدة غير مضمون.

وكانت تركيا قاعدة للأسلحة النووية الأمريكية منذ أكثر من 6 عقود، وفي البداية كانت هذه الأسلحة تهدف إلى ردع الاتحاد السوفياتي، وكانت ورقة تفاوضية شهيرة في نزع فتيل أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، عندما وافق الرئيس جون كينيدي سرًا على إزالة الصواريخ من تركيا مقابل قيام موسكو بنفس الشيء في كوبا.

إلا أن الولايات المتحدة تركت الأسلحة في تركيا، وعلى مدار السنين، عبر المسؤولون الأمريكيون في كثير من الأحيان عن قلقهم حيال موقع الأسلحة، والتي لم يعد لها أي فائدة إستراتيجية ضد روسيا الآن، وأصبحت جزءًا من إستراتيجية الناتو لردع القوى الإقليمية، ومنع تركيا من الشعور بالحاجة إلى قنبلة خاصة بها.

وعندما أخمد أردوغان محاولة انقلاب عسكري في يوليو 2016، وضعت إدارة أوباما بهدوء خطة طوارئ واسعة النطاق لإزالة الأسلحة من قاعدة "إنجرليك"، وفقًا لمسؤولين حكوميين سابقين، ولكن لم يتم تطبيقها، وهذا يرجع جزئيًا للمخاوف من أن إزالة الأسلحة الأمريكية من تركيا من شأنه أن يقوض التحالف، ويدفع بأردوغان لبناء ترسانته النووية الخاصة.

ومنذ عقود تعمل تركيا على تطوير قدراتها النووية تدريجيًا، بداية بعام 1979، عندما بدأت في تشغيل عدد قليل من المفاعلات البحثية الصغيرة، وفي عام 1986، أنتجت وقود المفاعل في مصنع تجريبي في إسطنبول، كما يتعامل مجمع إسطنبول أيضًا مع الوقود المستهلك والنفايات المشعة للغاية.

وقال "أولي هاينونين"، كبير المفتشين السابقين للوكالة الدولية للطاقة الذرية: "إنهم يطورون خبرتهم النووية، إنها جهود عالية الجودة، وقد تصل تركيا إلى عتبة صنع القنبلة النووية في غضون 4 أو 5 سنوات، أو أقل من ذلك إذا حصلت على مساعدة أجنبية كبيرة"، وأشار "هاينونين" إلى أن موسكو تلعب الآن دورًا متزايدًا الأهمية في المشاريع النووية التركية والتخطيط طويل المدى.

البرنامج الإيراني 

ومثل البرنامج الإيراني، تم وصف برنامج تركيا بأنه محاولة لتطوير الطاقة النووية المدنية، ووافقت روسيا على بناء 4 مفاعلات نووية في تركيا، لكن الجهد تخلف كثيرًا عن الموعد المحدد، ومن المقرر أن يكتمل المفاعل الأول في أواخر عام 2023، بعد أن كان من المقرر أصلًا أن يبدأ تشغيله هذا العام.

والسؤال المهم هنا هو ماذا سيحدث للوقود المستهلك، إذ يجمع الخبراء النوويون على أن الجزء الأصعب في تصنيع القنابل النووية ليس الحصول على التصميمات أو المخططات، بل الحصول على الوقود النووي، ولذلك تستخدم الدول برنامج الطاقة النووية المدنية كغطاء لإنتاج هذا الوقود وبناء ترسانة نووية سرية.

وتمتلك تركيا مخزونًا من اليورانيوم الخام، كما أنها على مدار العقود الماضية أبدت اهتمامًا كبيرًا بتعلم المهارات التقنية اللازمة لتنقية اليورانيوم وتحويله إلى بلوتونيوم، لتمتلك بذلك الوقودين الرئيسيين لصناعة القنابل الذرية، وأشار تقرير صدر عام 2012 من مؤسسة "كارنيغي: للسلام الدولي بعنوان "تركيا والقنبلة"، إلى أن أنقرة "تركت خياراتها النووية مفتوحة".

وأكد "هانز روهلي"، رئيس التخطيط في وزارة الدفاع الألمانية بين عامي 1982 و1988، في تقرير لعام 2015، أن مجتمع الاستخبارات الغربي يتفق إلى حد كبير على أن تركيا تعمل على تطوير أسلحة نووية وصواريخ قادرة على حملها.

وفي دراسة أجريت عام 2017، خلص معهد العلوم والأمن الدولي، وهي مجموعة خاصة في واشنطن تتعقب الانتشار النووي، إلى أن جهود أردوغان لتعزيز نفوذه ورفع مكانة تركيا الإقليمية تزيد "من خطر أن تسعى تركيا للحصول على أسلحة نووية".

وردًا على التأكيد الألماني والتقييمات المماثلة الأخرى، نفت تركيا مرارًا وتكرارًا بذل جهد سري لتطور الأسلحة النووية، حيث أشارت وزارة الخارجية إلى أن تركيا "جزء من نظام الدفاع الجماعي لحلف شمال الأطلسي".

إلا أن تصريحات أردوغان الأخيرة التي عبر فيها عن استيائه من منع تركيا من الحصول على أسلحة نووية، لم تذكر حلف الناتو، كما دافعت تركيا بقوة عما تسميه حقها بموجب الاتفاقات العالمية السلمية في تخصيب اليورانيوم وإعادة معالجة الوقود المستهلك، وهي الخطوات الضرورية لصنع قنبلة نووية مثل التي كانت محور النزاع بين إدارة ترامب وإيران.

وتم تسليط الضوء على مهارات تركيا في مجال اليورانيوم في العقد الأول من القرن العشرين، عندما وجدت جهات التحقيق الدولية أنها باتت مركزًا صناعيًا سريًا لسوق "خان" السوداء النووي، والذي أنشأ ترسانة باكستان النووية، كما باع العالِم المارق الذي يدير أكبر منظمة انتشار نووي غير مشروع في التاريخ، معدات وتصميمات أساسية لإيران وليبيا وكوريا الشمالية.

وكانت أبرز المعدات التي باعها خان هي أجهزة الطرد المركزي، والتي تدور بسرعات تفوق سرعة الصوت لتنقية اليورانيوم، وعادة ما تصنف الحكومات تصميماتها على أنها سرية للغاية، إذ يمكن أن تنتج وقودًا للمفاعلات أو القنابل الذرية.

وساعدت الشركات التركية هذا الجهد السري من خلال استيراد المواد من أوروبا وصنع أجزاء من أجهزة الطرد المركزي وشحن الأجهزة الجاهزة للعملاء، وفقًا لتقرير عن شبكة خان بعنوان "الأسواق النووية السوداء"، والصادر عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية الذي يتخذ من لندن مقرًا له.

وحتى يومنا هذا لايزال اللغز هو ما إذا كانت شبكة خان لديها عميل رابع، إذ قال الدكتور "روهل"، المسؤول السابق في وزارة الدفاع الألمانية، إن مصادر المخابرات تعتقد أن تركيا تمتلك "عددًا كبيرًا من أجهزة الطرد المركزي مجهولة المصدر"، مشيرًا إلى أن فكرة أن أنقرة هي العميل الرابع "لا تبدو مستبعدة"، ولكن حتى الآن لا يوجد دليل على ذلك.

وما هو واضح هو أن تركيا وجدت شريكًا في تطوير برنامجها النووي، وهو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ففي أبريل 2018، سافر بوتين إلى تركيا لإعلان البداية الرسمية لبناء محطة نووية بقيمة 20 مليار دولار على ساحل البحر المتوسط في البلاد.

ويعد المال دافعًا جزئيًا وراء الجهود الروسية، فبناء محطات نووية هو أحد أكبر صادرات البلاد، ولكن مثل تصدير بوتين لنظام الدفاع الجوي S-400 إلى أنقرة، يخدم هذا الجهد غرضًا آخر، وهو استقطاب تركيا إلى معسكرها بعيدًا عن الناتو والولايات المتحدة، حتى تصبح معتمدة على روسيا في الحصول على التكنولوجيا.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com