مشهد من لعبة الحبار
مشهد من لعبة الحبارنتفلكس

هل يبقى الموسم الثاني من "لعبة الحبار" فرجة طفولية مغلفة بالدم؟

 بعد النجاح الكبير الذي حققه المسلسل الكوري "لعبة الحبار.. Squid Game" بجزئه الأول، أعلنت "نتفليكس" عن موسم ثانٍ للعمل الدرامي لمؤلفه ومخرجه ومنتجه التنفيذي هوانج دونج هيوك، الذي أوضح في بيان أن إنتاج الموسم الأول من مسلسله وتجسيده على الشاشة استغرق مدة 12 سنة، إلا أنه أصبح أكثر مسلسلات نتفليكس شعبية على الإطلاق خلال 12 يومًا فقط.

ولمزيد من التشويق أفصح هيوك عن مفاجآت وشخصيات الموسم الثاني بالقول: "الآن، ها هو"سيونغ غي هون" يعود لينقذ العالم، ويعود معه "القائد". وقد نرى أيضًا الرجل الذي يرتدي البدلة، وسنتعرف على "تشيول سو"، حبيب "يونغ هي"، مبيناً أن الموسم الثاني سيركز على وجهة نظر الأمن، وتحديداً "فرونت مان"، رجل الشرطة الذي ترك مهنته ليشرف على اللعبة.

هذه التصريحات وعناصر التشويق تعتبر محاولة لاستثمار نجاح الجزء الأول، والذي كان من نتائجه أيضاً برنامج ألعاب يتبع تلفزيون الواقع بعنوان "لعبة الحبار.. التحدي"، لكن ما التحدي الأكبر أمام هذا العمل الدرامي، لاسيما أن من تابع الموسم الأول منه سيتعجَّب من الآلية التي أزاحت مجموعة ألعاب من براءتها وطفولتها وبهجتها، محوِّلةً إياها إلى مُسبِّبٍ للموت، وذلك بعدما شارك مئات المتسابقين في تلك اللعبة لتأمين متطلبات حياتهم الأساسية من مأكل وعلاج وحضانة أطفال وما إلى هنالك؟.

الانتقادات لم تتوقف على ذلك، إذ لم يتم فقط تشويه مغزى الألعاب الطفولية وتخضيبها بدماء الأبرياء، بل إن ذلك تمّ تحت مراقبة وموافقة مجموعة من أصحاب الذوات الذين كانوا يستمتعون بالقتل، ما يعيدنا إلى حلبات المصارعة الرومانية، وشراهة الطبقة الأرستقراطية آنذاك إلى الدَّم وارتباطه لديهم بمفهوم المتعة وإشباع الرغبات المريضة.

الأمر ذاته في لعبة الحبار لكن مع استبدال حلبة المصارعة بساحات كبيرة تتسع للمئات، أي أنه تم الانتقال من اللعب إلى مجزرة، ففي البداية تحولت لعبة "واحد اثنان ثلاثة سكون" التي يغمض فيها الطفل عينيه، وبعد العَدِّ والتفاتته إلى أصدقائه سيكون عليهم أن يجمدوا في مكانهم وإلا خسروا، تحوَّلت إلى مَقْتَلة، فبدل الطفل ثمَّة دمية تتولى العَدّ، وأي حركة من المتسابقين بعد فرضها السُّكون يعني تلقِّيهم رصاصة قاتلة.

وحشية ما بعدها وحشية، تلقفها المشاهدون والنقاد، وهي ذاتها جعلت المشاركين يرفضون المتابعة بعدما مات أكثر من نصفهم، لكن العقد الذي أبرموه للدخول في اللعبة يفرض عليهم التصويت لإيقافها من عدمه، وفعلاً ينجحون بفارق صوت واحد، لكن الحاجة الماسة للمال تعيدهم من جديد إلى اللعبة.

أعتقد أن ذلك أشبه بنظام رأسمالي يضغط على فقرائه ويجعل من خياراتهم محدودة جداً، ويدفعهم إلى التخلّي عن إنسانيتهم من أجل البقاء على قيد الحياة ليس إلا، ربما لا يبدو ذلك بشكل جلي لكنه متضمَّن ضمن سياق العمل ككل.

تحدٍّ آخر أمام الجزء الثاني متعلِّق بالجانب الأخلاقي، إذ كانت لعبة الحبار تُبدِّل في بعض الأحيان قوانينها، من أجل تطويق المتسابقين وزيادة السيطرة عليهم، فإن كانت النجاة فردية في أحد فصولها، تتحوَّل إلى جماعية في فصل آخر، كما في لعبة شد الحبل التقليدية، لكنها الآن تدفع الفريق الخاسر نحو هاوية سحيقة وموت محتَّم.

وفي جزء آخر من اللعبة يصبح الحليف عدوا، بكل ما يعنيه ذلك من لعب على مشاعر المتسابقين، وعلاقاتهم فيما بينهم، فكل الظروف والشروط غير المعروفة مسبقاً، تدفعك نحو الحيرة، وانعدام الحيلة، وعدم القدرة على اتخاذ القرارات الصائبة، أو لنقل القرارات الإنسانية، خاصةً أنه من 456 متسابقاً لن يفوز سوى شخص واحد، وكلما زاد عدد القتلى من المشاركين زادت المكاسب.

كل ذلك يجعل الشك سيد الموقف، والأخلاق على المحك، ومشاعر الحب والوفاء وغيرهما رهينة من الصعب فكّ أسرها، خاصةً مع تدعيم اللا إنسانية في تعاطي القائمين على اللعبة مع المتسابقين، كتقديم كمية ضئيلة من الطعام، وتعزيز فكرة التخلُّص من الخصوم عبر القتل، وغير ذلك الكثير، وهو ما حصل في أكثر من مكان في المسلسل، ومنه خلال تجاوز الجسر الزجاجي الذي يحوي على مواطئ قدم هشَّة تودي بالمتسابق إلى حتفه، وكذلك في لعبة الدحاحل التي تفرض على كل مشارك أن يكسب كل ما لدى المشارك الآخر ولو بالخداع والكذب والحيلة.

ومما يواجه الجزء الثاني ونجاحه، تساؤل هل ستبقى تلك اللعبة أقرب إلى ساحات المصارعة الرومانية بدمويتها المقيتة، كما حصل في المواجهة النهائية المشابهة للعبة المصارعة الطفولية بين الهجوم والدفاع، وضرورة إجبار الخصم على تجاوز خط محدد، ولكن ليس بالأيدي وإنما باستخدام السكاكين والطعنات القاتلة، ولمزيد من التشويق تلعب نفسيات المتسابقين وذكرياتهم دوراً في اللَّعب والذي يدفع البعض منهم للانتحار وإفساح المجال للآخر كي يفوز.

وكما صرح مؤلف العمل ربما يتم تعزيز محاولة التسلسل التي قام بها أحد ضباط الشرطة بحثاً عن أخيه المختفي، وللكشف عن مدراء اللعبة وآلياتها وضوابطها والمسؤولين عنها، إلا أنه يفشل بذلك ويتعرض للموت من قبل أخيه الذي يصدف أن يكون هو قائد اللعبة التي لا تنتهي بفوز البطل وحيداً، ومعاناته مما شاهده، بل اكتشافه بأن شريكه العجوز في أكثر من لعبة كان مدير اللعبة ومصممها، وكل ذلك لتحقيق متعته الخاصة فحسب.

أعتقد أن المعنى الأخلاقي والتركيز عليه سيكون الفيصل في نجاح العمل درامياً، إذ إن الحلقات التسع للمسلسل كانت تضع المشاركين في خضم لعبة يموت فيها الفقراء لإمتاع الأغنياء وفق قوانين صارمة تريق الدماء بلا أي مغزى واضح، فضلاً عن التجارة بأعضائهم، وكأن تلك اللعبة مقاربة للنظام الرأسمالي العالمي الذي يُرضخ الملايين لقوانينه ويصل بهم الأمر إلى حد التضحية بأنبل مشاعرهم وأجمل أخلاقياتهم في سبيل تأمين أدنى مستويات المعيشة لا غير.

والغريب أكثر أن هذا المسلسل اكتفى بالإشارة إلى الخلل الطبقي الاجتماعي والاقتصادي، دون معالجته معالجة درامية بطريقة تدينه على أقل تقدير، الأمر الذي يجعل من لعبة الحبار رغم مشاهداته القياسية مجرد فرجة طفولية مغلَّفة بالدَّم، ألَّفها وأخرجها هوانج دونج هيوك بقليل من الأموال، وكل الخشية أن يتعزز الخلل في الجزء الثاني من لعبة الحبار بعد الشهرة التي نالها حول العالم، وبعدما باتت له ميزانية كبيرة مرصودة لإنتاجه، وهو ما نتمنى أن يتم التنبه إليه وتحقيق متعة خالصة غير مخضبة بالدماء.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com