دوي صفارات إنذار في مواقع عدة بالجولان للتحذير من تسلل مسيرة
لا يعبأ الكثير من اليمنيين بأهمية تأمين بياناتهم الرقمية وحمايتها، في ظل تنوع المخاطر الإلكترونية وتعدد أساليبها المتطورة، ما يجعلهم عرضة للتصيّد والابتزاز، وهو ما دفع إلى افتتاح أول شعبة جرائم إلكترونية، في بلد يفتقر للبنى التحتية التكنولوجية، ويأتي في مؤخرة قوائم بلدان العالم من ناحية الأمن السيبراني.
ويسهم سوء الاستخدام وقلة الوعي والمعرفة بالحفاظ على المعلومات والبيانات الشخصية في اتساع رقعة المتضررين من الانتهاكات الرقمية المختلفة، تزامنًا مع تزايد أعداد مستخدمي الإنترنت في اليمن، الذين بلغت نسبتهم مطلع العام الجاري 17.7% من إجمالي السكان، بحسب موقع الاستشارات الرقمية "كيبيوس".
في الأعوام الأخيرة، بدأت مخاطر الابتزاز الإلكتروني تنتقل من الواقع الافتراضي إلى الحياة الواقعية في اليمن، خاصة مع تصاعد تأثيراته المنعكسة على فئة النساء.
وشهد اليمن في السنوات الأخيرة إقدام نساء وفتيات على الانتحار؛ نتيجة وقوعهن ضحايا للابتزاز وقلة الحيلة، إلى جانب خشيتهن من الوصمة المجتمعية المتعلقة بهذا النوع من القضايا.
وتبرز قصة الناشطة في المجال الإنساني سارة علوان، التي حاولت الانتحار بالرصاص أواخر العام 2022، بعد تقاعس السلطات الأمنية في محافظة تعز لأشهر عن بلاغها الذي يشكو تعرضها للابتزاز من قبل أشخاص ذكرتهم بالاسم.
بيئة خصبة
ويعزو خبير السلامة الرقمية، ومؤسس "جمعية الإنترنت" اليمنية، فهمي الباحث، انتشار هذه الجرائم إلى غياب الجهات والقوانين التي يمكن أن تشكّل رادعًا قويًا للمبتزين.
وقال الباحث، لـ"إرم نيوز"، إن جهل الناس في استخدام التكنولوجيا وحماية أنفسهم، والقيود المجتمعية التي تلقي اللوم على الضحية بدلًا من الجاني، يسهمان بشكل كبير في انتشار مثل هذا النوع من الانتهاكات، ويرفعان أعداد ضحاياها.
وتحدث عن وجود عصابات متخصصة ومنتشرة أهدافها مالية، وتعمل على انتحال أسماء نساء والعكس، ومن ثم التواصل مع الضحايا حتى يتم الإيقاع بهم ومن ثم تبدأ عملية الابتزاز.
وأشار الخبير الرقمي إلى أنواع أخرى من الابتزاز، بدوافع إما سياسية أو مصالح أخرى.
خلل تشريعي
تشير دراسة بحثية محلية، صادرة منتصف العام الماضي، عن مركز "المعرفة للدراسات والأبحاث الاستراتيجية" المستقل، إلى افتقار اليمن لوجود نصّ صريح فيما يتعلق بالجرائم الإلكترونية والعقوبات المناسبة لها، "ما يمكّن منفذي تلك الجرائم من الفرار دون عقاب قانوني صارم ورادع".
وتعتقد الخبيرة القانونية ومنسّقة تكتل "نون" النسوي في اليمن، عفراء الحريري، أن غياب القانون الخاص بالجرائم الإلكترونية يعد إشكالية في التشريع اليمني القديم، مقارنة مع الجرائم وأنواعها اليوم.
وترى الحريري، في حديث لـ"إرم نيوز"، أن قانون الجرائم والعقوبات رقم (12) لسنة 1994، الذي تُقاس عليه الجرائم المماثلة للابتزاز الإلكتروني، ليس كافيا.
شعبة متخصصة
وشهدت العاصمة اليمنية المؤقتة عدن، الأربعاء الماضي، افتتاح أول شعبة متخصصة في مكافحة الجرائم الإلكترونية؛ للتعامل مع الشكاوى المتزايدة والفصل في القضايا المنظورة، بدءًا من مايو/ أيار المقبل، بعد تدريب موظفين على التعامل معها.
وأكد المحامي العام الأول لليمن، القاضي فوزي علي سيف، أهمية وجود مثل هذه الشعبة المتخصصة في مكافحة جرائم الابتزاز الإلكتروني، الذي تتعرض له النساء والفتيات والأطفال؛ نتيجة الاستخدام السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي، بحسب وكالة الأنباء الرسمية "سبأ".
وترى الحريري أنه بات بالإمكان الآن حماية المرأة وغيرها من الابتزاز الإلكتروني، وبطرق قانونية، بعد قرار النائب العام تشكيل هذه الشعبة.
لكن الصحفي عبدالرحمن أنيس يرى أن القضية تواجه معضلة أساسية أمام المختصين، وتتمثل في عدم وجود قانون للجرائم الإلكترونية، ما قد "يستفيد منه" المبتزّون.
وقال أنيس، في حديث لـ"إرم نيوز"، "إن سنّ وتشريع القوانين هو صلاحية خاصة وحصرية بمجلس النواب، ونظرًا للظروف الحالية فمن المستحيل انعقاد المجلس المنتخب في 2003، في ظل ظروف الحرب وتشتت الأعضاء شمالًا وجنوبًا".
وأضاف: "قد يكون عمل شعبة مكافحة الجرائم الإلكترونية الحديثة وفق قانون الجرائم والعقوبات، باعتباره قانونا منصوصًا ومشرّعًا من السابق، ولربما يضطر بعض القضاة إلى الاجتهاد أحيانًا في تطبيق أقسى العقوبات، وهذا ما نأمله لردع مرتكبي هذه الجرائم البشعة التي راح ضحيتها كثير من الفتيات".