بعد كورونا.. هل توقف الجزائر زحف "جيشها الأبيض" نحو أوروبا؟
بعد كورونا.. هل توقف الجزائر زحف "جيشها الأبيض" نحو أوروبا؟بعد كورونا.. هل توقف الجزائر زحف "جيشها الأبيض" نحو أوروبا؟

بعد كورونا.. هل توقف الجزائر زحف "جيشها الأبيض" نحو أوروبا؟

نقلت جائحة كورونا، أطباء الجزائر من نقطة التهميش والنسيان إلى الصفوف الأمامية لمواجهة العدو الخفي (كوفيد 19)، إذ يقدم من باتوا يلقبون بـ "الجيش الأبيض" جهودًا كبيرة لمحاصرة الوباء بالرغم من قلة معدات الوقاية، بحسب كثير منهم.

ولسنوات طويلة اشتكى الأطباء ومستخدمو القطاع الصحي في الجزائر من الإهمال خلال فترة حكم الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة الذي لم يولِ أهمية لتحسين المنظومة الصحية ولا حتى بناء مستشفى بمعايير دولية، بالرغم من الأغلفة المالية المرصودة للمشاريع التنموية والهياكل القاعدية.

وأدى هذا الواقع التراجيدي لقطاع الصحة الذي يسميه الجزائريون بـ"المريض"، إلى هجرة الآلاف من أبنائه نحو دول أوروبية، وتأتي في مقدمتها فرنسا التي توفر المناخ المناسب لممارسة هذه المهنة النبيلة.

وكانت "حادثة الاعتداءات" التي تعرض لها أطباء الجزائر العام 2018 آخر مسمار يدق في نعش المنظومة الصحية، ويعمق أزمة الثقة، عقب احتجاجات مهنية عارمة شلت المستشفيات وتعاملت معها السلطة آنذاك بقمع شديد دون مراعاة مكانة الأطباء الذين يعدون من النخبة.

نزيف حاد

الواقعة شكلت صدمة نفسية لكثير من أصحاب "المآزر البيضاء"، وهو ما أكده سعيد بن رقية، رئيس اتحاد الجزائريين بالمهجر، إذ لا تبعث الإحصاءات حول معدلات هجرة الأطباء الأخصائيين نحو الخارج في العام 2019 على الأمل، بحسبه.

وكشف متحدث "إرم نيوز" عن هجرة أكثر من 4 آلاف طبيب ومختص العام الماضي، تضاف لـ 12 ألفًا ممن غادروا في الـ 15 عامًا الماضية لإكمال دراستهم ومن ثم العمل في المستشفيات الفرنسية، مضيفًا أن "80 % منهم قرروا البقاء في فرنسا، و20 % توزعوا على دول أوروبا وأمريكا".

وقبل أيام، صنع مقطع فيديو يظهر فيه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال زيارته إلى أحد المراكز الطبية في مدينة مرسيليا جنوبي فرنسا، الحدث في الجزائر، وأعاد فتح النقاش حول نزيف هجرة أدمغة المغرب العربي.

وبمجرد طرح ماكرون سؤال حول جنسيات الفريق الطبي في مختبرات مركز عالم الأوبئة ديديه راوول، حتى تعالت صيحات الأطباء:"أنا من الجزائر.. أنا كذلك.. أنا من تونس..".

هنا يتأسف، رئيس النقابة الوطنية لممارسي الصحة العمومية، إلياس مرابط، قائلًا:"بقدر ما نحن فخورون بأطبائنا في الخارج ولما يقدمونه من خدمات إلا أننا متحسرون في نفس الوقت لأنهم تركوا أوطانهم".

ويعتقد مرابط في حديث مع "إرم نيوز" أن هذا الأمر كان متوقعًا بسبب ما يعيشه السلك الطبي بالجزائر من تهميش وظروف عمل قاسية وشبكة أجور ضعيفة"، فخلال العشريتين الماضيتين شهدت بلادنا تفكيكًا ممنهجًا للمنظومة الصحية تحت غطاء الإصلاح".

وأضاف:"التحفيزات التي تقدمها الدولة الفرنسية لأطباء دول المغرب العربي تستقطب الكفاءات بجرة قلم لتكون المستفيد الأكبر من خبراتهم، وذلك بالحصول على أطباء جاهزين ساهمت بلدانهم الأصلية في تدريسهم".

 بصيص أمل

ومع تسجيل الجزائر أولى حالات الإصابة بفيروس كورونا نهاية شباط/فبراير الماضي، خلف ظهور عمال الصحة في فيديوهات على مواقع التواصل الإجتماعي وهم يبعثون برسائل أمل من المستشفيات وتعهدهم بعدم التخلي عن الشعب رغم قساوة ظروف العمل، أثرًا عميقًا في نفوس الجزائريين.

واعتبر الدكتور طايلب محمد، طبيب مختص في الأمراض التنفسية، أن"فيروس كورونا بين أن قطاع الصحة حساس، وأن العاملين به مستعدون للتضحية بأنفسهم من أجل علاج المرضى، والدليل وفاة 8 أطباء منذ بداية الحرب على كورونا.

ودعا الطبيب الجزائري في تصريح لـ"إرم نيوز" السلطة الحالية لإظهار حسن نيتها بإحداث تغيير جذري للقطاع الصحي، وهي المطالب التي يرفعها المستخدمون.

وعن إمكانية عودة الأطباء في الخارج، يعتقد طايلب محمد أن "التطمينات للأسف ولو صادرة عن حسن نية من طرف رئيس الجمهورية، لا أراها كفيلة بإعادة الأطباء من الخارج" لأن  ما يعيدهم - بحسبه- هو "إنشاء معاهد البحث العلمي والاستثمار فيها، والقضاء على البيروقراطية والفساد الذي يقوم به بعض الإداريين بشكل يعكر جو العمل والبحث".

بينما يؤكد إلياس مرابط، رئيس نقابة ممارسي الصحة العمومية، أن "أفضل الحلول الآن ليس البحث عن عودة  الأطباء وإنما وقف نزيف من يريدون الاستقرار في أوروبا"، مؤكدًا:"نتمنى ألا تكون وعود الحكومة مجرد ردود أفعال تساير الأزمة الصحية التي يعيشها العالم بصفة عامة".

ويعتقد أن الاستثمار في العنصر البشري هو الأساس، ولا يمكن رد الاعتبار للأطباء دون رده للمنظومة الصحية، عن طريق فتح ورشات إصلاحية مصحوبة بإرادة سياسية لمست عند الرئيس والحكومة ووزير الصحة.

 بوادر حسن نية

وتزامنًا مع الجهود التي يبذلها الفريق الطبي، أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، إنشاء الوكالة الوطنية للأمن الصحي "في أقرب وقت" بغرض إعادة هيكلة القطاع، كاشفًا عن نيته في إلغاء الخدمة المدنية للأطباء، ورفع رواتب من يرغبون في العمل بمناطق صحراء الجزائر.

وأصدرت الرئاسة الجزائرية مرسومًا منحت بموجبه علاوات مالية لفائدة الأطباء وعمال الصحة، الذين يواجهون جائحة كورونا، تُدفع شهريًا لفترة استثنائية من 3 أشهر قابلة للتجديد، وتتراوح قيمتها بين 80 و360 دولارًا.

وفي هذا الصدد، اعتبر رئيس اتحاد الجزائريين في المهجر، سعيد بن رقية، أن فيروس كورونا غير معادلة الأطباء وأعاد لهم الاعتبار، والرئيس الجزائري بدأ في استدراك الأخطاء التي ارتكبها النظام السابق، داعيًا لإعادة استقطاب الأطباء من خلال هيكلة جذرية في المنظومة الصحية وتعديل القانون الأساس الذي يسيّر هذه المهنة وإعطاء مستخدمي القطاع الصحي امتيازات.

ونبه نفس المتحدث، إلى أن تحقق الوعود التي قطعتها الرئاسة الجزائرية ستسمح بعوة الأطباء الموجودين في الخارج الذين لن يبخلوا -بحسب قوله- على وطنهم من أجل المشاركة في التنمية الصحية والبشرية للوطن.

ومن بين أبرز الكفاءات الجزائرية في العالم، يأتي: البروفيسور مصطفى بن يحي، رئيس جمعية جراحة القدم الدنماركية، ونور الدين ميليكشي، الملقب بسفير المريخ كعضو المجلس الاستشاري لوكالة ناسا وصاحب 14 اختراعًا، بالإضافة إلى البروفيسور حكيم جاب الله، مدير معهد باستور سابقًا في كوريا الجنوبية الذي قدم توضيحات وتحليلات مفيدة حول فيروس كورونا، وكذلك يوسف تومي كمال، مدير مركز الطاقة النظيفة في الولايات المتحدة الأمريكية، وعضو في الجمعية الأمريكية للمهندسين الميكانيكيين، والدكتور كمال صنهاجي، مكتشف دواء الإيدز في أمريكا.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com