تمثال ألكسندر بوشكين في موسكو
تمثال ألكسندر بوشكين في موسكوسبوتنيك

"إلى البحر".. ألكسندر بوشكين يمخر عباب الخيال

 شكّلت الطبيعة على مرّ العصور حضناً حانياً للإنسان الذي يجد ضالّته فيها كلّما اختلجت المشاعر في صدره أو تلاطمت الأفكار في عقله، ولعلّ الشعراء أشد قرباً وأكثر تناغماً مع الطبيعة التي تحفّز ذائقتهم وتداعب في أعماقهم مكامن عذبِ الكلمات، فيقصدونها فاردين لها أجنحة الخيال ليسترسل بما يطيب للنفس البشرية سماعه.

ولطالما انعكست الطبيعة بشكل جليّ في قصائد الشعراء وخواطرهم، والأمثلة على ذلك لا حصر لها، نذكر منها في هذه السطور قصيدة "إلى البحر" للشاعر الروسي الكبير، ألكسندر بوشكين "1799-1837"، والتي أبصرت النور في العام 1824، وهذه القصيدة أقرب إلى "مونولوج" يتناوب عليه بوشكين والبحر.

"إلى البحر" قصيدةٌ غنائية يخلع فيها بوشكين رداء المنطق ويمتطي صهوة الخيال الجامح ليصرخ بما يشاء دون تقيِّد بقانون أو اكتراث لعقبة

تمرّد ورحيل

لا شكَّ في أن اللجوء إلى الطبيعة ليس بالضرورة أن يكون انعكاساً لفيض مشاعر وأحاسيس الحب والشوق والفقد فقط، بل قد يكون هروباً من واقع مؤلم على سبيل المثال، سواء كان اجتماعياً أو اقتصادياً أو حتى سياسياً، وهو ما ينطبق على بوشكين الذي يَمخر عُباب البحر ويختاره رمزاً للحرية والعنفوان، فقد كان متمرداً يرفض أن يكون من "شعراء البلاط"، لذلك كانت علاقته مضطربة مع السلطة، وهو ما دفع البعض إلى القول إنه تسبب في رحيله المبكر "38 عاماً" إثر "مكيدة" دُبّرت له.

وفي رمزيّة الحرية التي رآها في البحر، يقول بوشكين:

تلاشى.. نعى الحرية

ترك العالم تاجك

صاخباً كنت أيها البحر

كيف تكون قوياً

وعميقاً وكئيباً أنت؟

مثلك لا يُقهر

أخبار ذات صلة
"اللقالق البيضاء" لرسول حمزاتوف.. معزوفة السلام في زمن الحروب

أمواج مضطربة

التوق إلى الحرية دفع ألكسندر بوشكين، وهو سليل عائلة نبيلة وعاش حياة مترفة، إلى محاربة فساد السلطة بأشعاره ونتاجه الأدبي، مطالباً بالحرية للناس جميعاً ورفع راية الديمقراطية، وكان ذلك منعطفاً لتدهور العلاقة بينه وبين السلطة الحاكمة حينها، كما عاش بوشكين "العصر الذهبي للشعر الروسي"، وهي حقبة من تاريخ روسيا وُصفت بأنها حلقة وصل وتقارب بين الأدب الروسي من جهة، والآداب الشرقية والعربية من جهة أخرى.

"إلى البحر" قصيدةٌ غنائية يخلع فيها بوشكين رداء المنطق ويمتطي صهوة الخيال الجامح ليصرخ بما يشاء دون تقيِّد بقانون أو اكتراث لعقبة، ويظهر فيها الشاعر الروسي مضطرب المزاج كالبحر ذاته، الذي اعتبره بوشكين بمثابة "المرجع الأول والأخير" للحرية اللامحدودة التي تحنّ بها الطبيعة على من يقصد أحضانها، فينشد في جزء من قصيدته قائلاً:

العالم فارغ.. الآن أين؟

هل تحملني يا بحر؟

مصير الناس هو نفسه في كل مكان

حيث قطرة الخير على أهبة الاستعداد

التنوير أو الطاغية

وداعاً أيها البحر..

لن أنسى جمالك المهيب

وسوف أسمع لفترة طويلة

الدمدمة في ساعات المساء

أخبار ذات صلة
اضطراب يخترق السكون في "ليلة النجوم" لفان جوخ

غرق في فيض الأفكار

تستند قصيدة "إلى البحر" على الحرية كفكرة أساسية في تكوينها، وهو ما يظهر جلياً في بدايتها، وفي جزء آخر منها يحاول بوشكين رسم ملامح شخصية "توأم" مع الحرية، فضلاً عن فيض الأفكار الوجودية والفلسفية حول الإنسان ومصيره، والتي غَرِقَ فيها الشاعر في أجزاء مختلفة من قصيدته، إذ يقول:

كيف أحببت استعراضك؟

الأصوات المكتومة.. هاوية الصوت

والصمت في ساعة المساء

والدوافع الضالة!

الشراع المتواضع للصيادين

وسرب من السفن الغارقة

فشلت في المغادرة إلى الأبد..

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com