اضطراب يخترق السكون في "ليلة النجوم" لفان جوخ

اضطراب يخترق السكون في "ليلة النجوم" لفان جوخ

انعكست الحالة النفسية المضطربة للفنان الهولندي الكبير، فينسينت فان جوخ، في إحدى مراحل حياته، على عدد من أعماله الفنية، من بينها كما يرى بعض النقّاد، لوحة "ليلة النجوم" الشهيرة التي شكّلت منعطفاً هامّاً في مسيرته الفنية، لاسيما وأنه أنجزها خلال فترة تلقيه العلاج في مصحٍّ لعلاج الأمراض النفسية، ومما يثير الدهشة، أنه رسم من نافذة غرفته في المصح، منظراً ليلياً، ولكن في النهار، معتمداً بشكل كامل على مخيّلته وانطباعاته الفنية.

تجسد لوحة "ليلة النجوم" التي حلّق فيها فان جوخ بخياله عالياً، والمحفوظة في متحف الفن الحديث بنيويورك منذ عام 1941، منظراً ليلياً لمدينة "سانت ريمي دي بروفنس" في جنوب فرنسا المعروف بطبيعته الساحرة، وقد رسمها الفنان الهولندي الانطباعي بالزيت على القماش في العام 1889، وتضم اللوحة هلالاً أصفر متوهجاً، ودوامات باللون الأزرق، فضلاً عن عدد من النجوم تشبه الأجرام السماوية المشعة.

فان جوخ يغوص نحو الأعماق التي تُخلق فيها الطبيعة من الشد والجذب بين القوى التي وراءها، وذلك لأنه لا يقبل السطح الظاهر نهائياً
الفيلسوف اللاهوتي، بول تيليش

تجسيد للموت

كذلك يظهر فيها برج وشجرة سرو، والتي تعتبر تجسيداً للموت في بعض المعتقدات والموروثات الشعبية الأوروبية في تلك الفترة، بينما يمكن رؤية زاوية تنعش النفس هدوءاً في قلب الاضطرابات التي تزخر بها "ليلة النجوم"، وتبعث على الكآبة بحسب بعض النقاد.

 في كتابه "كوسميجرافيك"، يتحدث الفنان والمصور الأمريكي، مايكل بنسون، عن احتمالية أن يكون فان جوخ قد استلهم "ليلة النجوم" من رسمة للفلكي الإيرلندي، وليام بارسونز، تسمى "مجرة الدوامة"، مرجحاً أن تكون اللوالب والدوامات الموجودة في اللوحة تجسيداً للمجرات الكونية التي رسمها بارسونز معتمداً على تلسكوب ضخم بناه بنفسه منتصف القرن التاسع عشر.

"سمائي تضيء بالنجوم"

"كل الأشياء الوحيدة التي أعتبرها جيدة بعض الشيء، هي الجبل، البستان، أشجار الزيتون مع التلال الزرقاء والصورة ومدخل المحجر، والباقي يقول لي شيئاً"، هذا جزء من رسالة ضمن عدد كبير من الرسائل التي أرسلها فان جوخ إلى أخيه "ثيو" بينما كان يرقد في المصح، والتي اعتبرها النقاد إشارة إلى لوحة "ليلة النجوم" التي لم يتحدث عنها الفنان الهولندي إلا نادراً.

وقبل ذلك، كتب الفنان الانطباعي في رسائل أخرى بعثها إلى أخيه "ثيو"، أنه يشتهي رسم "ليلة مضيئة بالنجوم مع أشجار السرو"، وعبّر عن الرغبة ذاتها في رسائله إلى صديقه المقرّب، إيميل بيرنارد، عندما كتب له متسائلاً: "متى سأرسم سمائي المضيئة بالنجوم؟".

أخبار ذات صلة
إلقاء حساء على لوحة لفان كوخ بمتحف لندن يقود فتاتين للمحاكمة

الغوص إلى الأعماق

ظلّ هذا العمل الفني مثار اهتمام النقاد والمثقفين، حيث تحدث عنها الفيلسوف بول تيليش، في كتابه المعنون بـ"عن الفن والمعمار"، قائلاً إن "لوحة ليلة النجوم تعتبر وصفاً لقوى الطبيعة الخلَّاقة. إنها تغوص إلى أعماق الواقع، حيث يتم إنشاء الأشكال بأسلوب ديناميكي".

ويضيف تيليش أن "فان جوخ يغوص نحو الأعماق التي تُخلق فيها الطبيعة من الشد والجذب بين القوى التي وراءها، وذلك لأنه لا يقبل السطح الظاهر نهائياً".

اعتبر بعض النقاد حديث بول تيليش أقرب إلى الواقع استناداً إلى رسالة فان جوخ التي بعثها إلى صديقه إيميل بيرنارد، والتي يقول فيها: "نستطيع أن نصنع طبيعة أكثر إلهاماً وعزاءً لنا، بالمخيلة وحدها"، كما قال في إحدى رسائله إلى أخيه "ثيو": "نحن موجودون لنمنح العزاء للآخرين، أو لنرسم لوحة تعطي عزاءً أكبر".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com