في مستهل رواية المزدوج للأديب الروسي ديستويفسكي يكتب رسالة إلى أخيه الكبير ميشيل يقول فيها: " لديّ مشروع أن أصير مجنونًا"، وعلى هذا النحو والفكرة يجد حمزة المعايطة فكرة وجود باص للثقافة في وسط العاصمة الأردنية عمّان بأنه جنون الثقافة، والكتاب الذي يجب أن يكون في متناول الناس كما الماء.
ولذلك كان يؤسس العام 2016 مكتبة (محل الماء) والتي تحولت إلى باص ثقافة في جبل اللويبدة وسط عمان بعد أن تعرَّضت مكتبته للغرق في ديسمبر 2019، إثر فيضان مطري.
ينتمي حمزة المعايطة (43) عامًا إلى الجيل الرابع من عائلة الوراقين المعروفة باسم الجاحظ في الأردن، ويحمل على عاتقه فكرة مشروع باص الثقافة الزاخر بالعديد من المخطوطات والكتب الأصلية غير المتاحة للبيع، وعلى رأسها مجموعة من كتب (مكتبة الانتداب البريطاني في الأردن)، وتاريخ الأردن والمنطقة العربية وجغرافيتها وأدبائها ومفكريها في مختلف الحقول.
ويقول في حديث لـ "إرم نيوز" لدي مجموعة قيّمة من الكتب التي تنادي بالسلام بين الشعوب وهذه الفكرة لديّ إيمان كبير بها، مثلما يهدف وجود الباص إلى إعادة الهيبة للكتاب الأصلي، واحترام الملكية وحقوق النشر، وعدم انتهاكها كما يحصل في عدد من الأكشاك والمكتبات، فهناك عدم سيطرة على هذه الظاهرة، كما يوجد العديد من صفحات بيع الكتب عبر الفضاء الإلكتروني وللأسف تبيع الكتب المقلدة دون رقيب على ما يُسميها المعايطة بالفوضى.
وفي جولة لـ "إرم نيوز" بالقرب من باص الثقافة، تقول الصديقتان رانيا خرفان وشروق العووادة إنهما تأتيان لهذا الباص للاطلاع على أهم الإصدارات في مجال تخصصهما (هندسة الكمبيوتر)، مؤكدتان أن فكرة وجود باص للثقافة يعد فكرة جميلة وجذابة للقراء.
فيما يقول وليد عبد الرحمن (26) عامًا حاصل على البكالوريوس في اللغة العربية "هنا أجد الكتب الأصلية غير المقلدة، وأنا باستمرار أزور الباص وأجد حاجتي من الكتب، وأنا أميل لفكرة قراءة الكتاب الورقي وهي أفضل وأمتع كثيرًا من قراءة الكتب إلكترونيًّا".
أما رند البدري (32) عامًا فتقول، إنها تأتي إلى باص الثقافة للتزود بآخر إصدارات كتب التنمية البشرية والتطور الذاتي والمهارات، فيما تقول صديقتها ميسم فضة (28) عامًا إنها تميل إلى كتب الطاقة وبعض المؤلفات الدينية وبعض الكتب في مجال تخصصها بالهندسة.
وبفكرة هذا المشروع، تكون مكتبة حمزة المعايطة من بين المكتبات القلائل التي تبيع الكتاب الأصلي رغم غلاء سعره، إلا أن لدى المعايطة أسلوبًا خاصًا في بيع الكتب بأنْ أوجد فكرة تقدير القارئ لثمن الكتاب ويدفع ما يشاء، مثلما يتيح إمكانية استعارة الكتب مقابل دينارين شهريًّا على أن يقوم القارئ بتأمين ثمن الكتاب كاملًا، ويسترد أمواله بعد إعادة الكتاب المستعار، كما إنه يتيح إمكانية تبادل الكتب، فمن كان لديه كتاب فرغ من قراءته ويريد استبداله فهذا متاح لدى باص الثقافة.
ويحتفظ باص الثقافة بمجموعة من الأصدقاء الذين يتوافدون إليه، وفاءً لإرث مكتبة الماء التي تسبب فيضان عمان قبل أربع سنوات بتلف مجموعة كبيرة منها، إلى أن تحولت لفكرة الباص، مستذكرين أيامًا جميلة حيث كانت المكتبة تجاور سبيل الحوريات وهو من أقدم الآثار الرومانية التي كانت تستخدم كأحواض سباحة للأميرات الرومانيات.