مسرحية "نقيق" السورية.. تبادل الأدوار بين الضحايا

مسرحية "نقيق" السورية.. تبادل الأدوار بين الضحايا

عاد النشاط إلى مسرح الحمراء العريق بدمشق، بعرض حمل عنوان "نقيق" أعده وأخرجه الدكتور عجاج سليم، عميد المعهد العالي للفنون المسرحية سابقاً، وصاحب الخبرة الطويلة في العمل المسرحي محلياً وعربياً.

ويقدم سليم في هذا العرض، الذي يستمر خمسة عشر يوماً، توليفة بصرية لنصّ يتناول الحالات الإنسانية زمن الحرب، وتبادل الأدوار بين الضحايا الذين يحاولون الانتصار في دوائرهم الضيقة، لكنهم في الواقع يبقون مهزومين.

وسبق لنص مسرحية "نقيق" للكاتبة روعة سنبل، أن فاز بمسابقة الهيئة العربية للمسرح عام 2020 بعنوان "الخيال والكتابة خارج النمط".

ويقول عجاج سليم عن مؤلفة المسرحية: ".. بفرح واعتزاز نقدم لجمهورنا الكاتبة السورية المبدعة روعة سنبل، ونتمنى أن تتابع الكتابة للمسرح".

ويتناول العمل أمّاً مقعدة نتيجة إصابتها بقذيفة طائشة أودت بحياة ابنها الصغير، وأصبحت تكابد المعاناة وحيدة مع حماتها بعد سفر زوجها للخارج هرباً من الحرب.

ويميل النص باتجاه الغرائبية خارج النمط، عبر ثلاث شخصيات ترافق القصة هي "الضفدع" تمثيل وليد الدبس، والراقصة، أداء أليس رشيد، والمغنية إيناس رشيد.

واختار عجاج سليم أن يبدأ المشهد الأول بشكل معكوس، فصوّر والدة الزوج "وفاء" تمثيل ندى العبد الله، بأنها هي المقعدة التي تعتني بها الأم "مي" تمثيل ريم زينو.

ونجح المخرج في توزيع صفة الضحية على الشخصيات، عبر تبادل الأدوار بينهم، لنكتشف لاحقاً بأن "مي" هي المقعدة جراء الإصابة وأن "وفاء" والدة زوجها تعتني بها!.

ويفاقم الغرائبية في هذا العمل، دور الضفدع، أداء وليد الدبس، الذي ينجو من التشريح في مختبر كلية الطب حيث درست "مي"، ويأتي طالباً الانتقام رغم مشاعر الحب التي يحملها لـ"مي"!.

ويبدو عنوان العمل "نقيق" إشارة إلى هواجس تأنيب الضمير التي تنتاب "مي" بشكل دائم، بسبب قتلها عددا كبيرا من الضفادع "الضحايا" في مختبرات التشريح بالجامعة، لتأخذ دور الضحية والقاتل معاً.

ويُظهر الحوار بين "الضفدع" و"مي"، جملة من الانفعالات المتناقضة التي يحملها الجلاد والضحية، فتطفح مشاعر الانتقام والصفح إلى جانب الحب والكراهية، كحالات تشبه لزوجة الضفادع وقدرتها على التبدل.

ويزيد المتعة البصرية في "نقيق"، أداء الراقصة أليس رشيد، التي رافقت الحوار بحركات تعبيرية متقنة، كأنها انعكاس لانفعال الشخصيات، فظهرت المشاهد تُمَثّل مرتين، الأولى في الأداء والثانية في الرقص.

واختار عجاج سليم، حضور الشعر ليزيد الحيوية الإنسانية في المسرحية أثناء أداء المشاهد أو كفواصل بينها. فغنت إيناس رشيد مقاطع من قصائد الشاعر السوري الراحل رياض صالح الحسين.

ويسجل للمغنية إيناس رشيد، صوتها الجميل وأداؤها المتقن، لأشعار رياض صالح الحسين الذي ارتبط اسمه بالمعاناة عندما أصيب بالصمم مبكراً ومات صغيراً في الثامنة والعشرين من العمر.

وساهمت في نجاح "نقيق" ثلاثة عوامل حملت القصة الرئيسية، هي الرقص التعبيري المنسجم مع الحوار، وغناء الشعر المنتمي إلى الأحداث، إضافة إلى دور "الضفدع" الذي رفع درجة التشويق بالغرائبية المثيرة.

ولا تنتهي المسرحية بخاتمة تقليدية، بل تبقى مفتوحة على الاحتمالات ومحتفظة بالمعاناة وصوت "النقيق" الذي يدق كالإسفين في أرواح الضحايا ويحولهم أحياناً إلى جلادين، ثم يعيدهم مساكين نتعاطف معهم.

فضاءات النص الذكي والأداء المميز للممثلين، غيّبت عناصر السينوغرافيا في "نقيق" أو جعلتها هامشية، وبعضها كان قاصراً عن ملاحقة حيوية الأداء وسخونته، ومثال ذلك الإضاءة التي تعثرت في أكثر من مكان.

يضيف عجاج سليم إلى رصيده المسرحي عملاً مميزاً، في وقت يكابد فيه "أبو الفنون" صعوبات جمّة على رأسها الميزانيات المالية، لكن جمهور "نقيق" الغفير، أكد أن المنصة ما زالت بخير.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com