الفيلم الأردني "وذكرنا وأنثانا".. الحكي في المسكوت عنه

الفيلم الأردني "وذكرنا وأنثانا".. الحكي في المسكوت عنه

تواصل السينما الأردنية سياق إثارة الجدل والخوض في المُخبَّأ، فبعد فيلم "الحارة"، الذي أثار جدلًا واسعًا في المجتمع العربي أخيرًا، يقدم المخرج الأردني أحمد اليسير، موضوعًا شائكًا في العرف الاجتماعي والديني الأردني والعربي، من خلال تناول مأزق دفن جثة لشاب أقدم على التحول الجنسي، الفيلم الذي تم اختياره ضمن قائمة العرض في المسابقة الدولية لمهرجان كليرمون فيران السينمائي 2023.

فكرة الفيلم المحفوفة بالخطر تمضي مسترسلة في عرض الجدل الشائك حول كيفية التعامل مع جثة متحولة جنسيًّا في مجتمع شرق أوسطي.

وتتمركز أحداث الفيلم القصير حول الأب ويجسده الممثل الفلسطيني كامل الباشا، والأم وتجسدها الممثلة الأردنية الفلسطينية شفيقة الطل، حيث يجد الأبوان أنفسهما في صراع غير مسبوق، حينما يعود ابنهما الشاب، من رحلة طبية، بهدف التحول الجنسي، إذ يسافر ذكرًا ويعود جثة على هيئة أنثى.

ويبدأ المأزق عندما يهم الأبوان في ذروة حزنهما، في البحث عن مغسل أو مغسلة للجثة، في ظل مجتمع يضع هذه الفكرة في سلة المحظورات، فإلى أين ستمضي الأمور؟

خطر

إن فكرة هذا الفيلم، المحفوفة بالخطر، تمضي مسترسلة في عرض الجدل الشائك حول كيفية التعامل مع جثة متحولة جنسيًّا في مجتمع شرق أوسطي، وتكشف عن البعد الاجتماعي والديني المسيطر على الوعي الجمعي للأفراد، وتكشف عن معضلة كبيرة ونوعية، تلفُّ الأبوين.

صانعو الفيلم لا يحملون رؤية واضحة تجاه أزمة التحول الجنسي، لكنهم يضربون على الخزان حول الموضوعات الشائكة والمسكوت عنها في البيئة العربية.

وهنا يكون على الأبوين أن يعبرا أزمة متعلقة بالجانب الشعوري، فالصوت الحزين داخلهما على فقد الابن، يشكل مأساة حقيقية، إذ إن المألوف في الحياة أن يقوم الابن بدفن أبويه، وليس العكس.

لكن في قمة هذا الحزن، يكون عليهما إعمال العقل، وترك تلك المشاعر جانبًا، لمواجهة المجتمع بحقيقة التحول الجنسي للابن، فلا يمكن دفنه دون تغسيله حسب ما تطلب الأعراف الدينية والاجتماعية في الوسط العربي والإسلامي.

الجسد ما بعد الموت

وهنا السر الصغير الذي يحمله الفيلم، من خلال جثة تحمل إشكالية ما بعد الموت، ويعتبر هذا الطرح نادرًا في السينما العربية، ويحمل التجديدية، ومساحة كبيرة من سلخ الجلد، من حيث الفكرة والطرح.

مواجهة الرفض هي الفكرة السائدة في الفيلم، فالأم والأب أمام خيارات صعبة، جميعها تأتي من خلف باب الموت الحزين.

من الملاحظ أن صانعي الفيلم، لا يحملون رؤية واضحة تجاه أزمة التحول الجنسي، لكنهم يضربون على الخزان، حول الموضوعات الشائكة، والمسكوت عنها في البيئة العربية، لكن هذا التحدي، يبدو شديد الخصوصية، وكأنما على أحمد اليسير، السير على العجين دون إفساده، بهكذا طرح مثير للجدل، ويواجه عاصفة شديدة من الآراء المناهضة لفكرة التحول الجنسي، والتي تتبع موروثا دينيا واجتماعيا، من المؤرق العبث فيه.

رفض

إن مواجهة الرفض هي الفكرة السائدة في الفيلم، فالأم والأب أمام خيارات صعبة، جميعها تأتي من خلف باب الموت الحزين، إذ يظهر الأبوان حائرين أمام الجثة الممددة، ويدخن الأب ربما ليطرد أحزانه من جسده إلى الهواء، ولربما ليطلق صرخات، لا تحتملها غرفة داكنة، وبإضاءة معتمة، وكأنها قبر واسع قليلاً، يدفن العائلة بأكملها.

أما الأم فتبدو منكسرة حزينة، تدور في الغرفة، وتقرأ آيات القرآن على الجثة، لا يهمها نوعها، لكن يهمها تلك الكتلة التي دفعت الآلام والخوف من أجل جعلها ثمرة العمر وفرحه، لكن هذا كله يصبح في لحظة، مأزق العمر الذي يبدو تجاوزه، أمرًا شديد الحيرة!

الدائرة الواسعة للصراع تتمثل بالخبر الصادم الذي يتلقاه المجتمع المحاط بجدار صلب من المواقف والقناعات فالأب والأم عليهما مواجهة السيل المتدفق من الاتهامات والنظرات.

دوائر

في الدائرة الضيقة للحدث، يبدو الصراع ما بين الأب والأم كأنما شخصان يقفان على حافة جبل، في يوم عاصف، فالمشاعر هي ما يغلب على رأي الأم في التعامل مع الأمر، ولا يهمها المعايير الاجتماعية، بقدر ما يهمها مصير الجثة الممددة أمامها في منتصف الغرفة، وكذلك أن تختبئ "الفضيحة" داخل جدران الغرفة لا أكثر.

فيما الأب، يبدو شديد الغضب، حائرا أمام ردة فعل المجتمع، يدور مثل نملة حائرة في الشتاء، نقص عليها الغذاء، ويتمسك بأن ابنه عاد رجلاً، كما ذهب، وبأن من يغسله، ويكفنه، يجب أن يكون رجلاً كذلك.

أما الدائرة الواسعة للصراع، فتتمثل بالخبر الصادم الذي يتلقاه المجتمع المحاط بجدار صلب من المواقف والقناعات، فالأب والأم عليهما مواجهة السيل المتدفق من الاتهامات والنظرات، وردّات الفعل المعنفة، بمجرد انتقال الخبر لمجتمع، كأن تبادرهما سيدة بالقول: "خربتو البلد" عندما تكتشف فعلة الابن، وردة فعل الأبوين المختلطة بالعاطفة، هذا الرفض، يعتبر المؤثر الخارجي حول الأزمة، الذي يقدمه المخرج مكثفا مختصرا، كون الفيلم مقتصرا على 11 دقيقة.

لعبة السرد والتشويق

الأحداث تمر سريعا عبر تسلسل مرتب بقدرة بصرية جادة من المخرج، فوسط أجواء سوداوية معتمة، تمضي المشاهد في الكشف عن الأزمة الدرامية، ولعل لعبة الذكاء من قبل المخرج كانت في هذا التوالي للمشاهد القصيرة، إذ كان التشويق يتزايد من مشهد لآخر، بينما تسيطر الظلال والإعتامات على الوجوه، لنقل لون المشاعر السائدة في الكادر.

ولعبة أخرى يفوز بها المخرج أحمد اليسير وشقيقته رنا، واللذين قاما بكتابة الفيلم، فكان الفوز في لعبة السرد المتقن، إذ جاء مكثفا مُلمحا، بلا فراغات أو تيه، وكل جملة كانت ترمي إلى مكان أبعد، ويزيد من مساحة النقاش، حول المحرمات الاجتماعية والدينية.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com