الفيلم الأمريكي "المعبر".. كيفية التخلص من الألم والتعافي عبر المشاركة

الفيلم الأمريكي "المعبر".. كيفية التخلص من الألم والتعافي عبر المشاركة

تقدم المخرجة المسرحية الأمريكية، ليلى نيوغباور، في أول أعمالها السينمائية، دراما نفسية تتمخض في طريقة التعافي من الألم النفسي عبر المشاركة والتأقلم مع الواقع الجديد للإنسان، من خلال فيلم "المعبر -causeway" المعروض على منصة تلفزيون أبل 2022، وقد عرض مؤخراً في مهرجان تورنتو السينمائي الدولي.

وتتمحور أحداث الفيلم حول شخصية لينزي وتجسدها جينفير لورانس، حيث تعاني من ضربة في الدماغ خلال مشاركتها في الحرب الأمريكية على أفغانستان، وتخوض تحديات جسدية ونفسية مرهقة من أجل استعادة سلامتها والعودة للخدمة من جديد، وتكشف الأحداث فيما بعد كيف يحدث ذلك.

مشهد افتتاحي صادم

وفي مشهد البدء تُبرز المخرجة مشهداً مُكَبّراً يظهر أكتاف لينزي ورأسها من الخلف، ويخطر في ذهن المُشاهد أنها تجلس على مقعد عمومي، حيث تكون خلفية المشهد شارع عمومي وسيارات متحركة، لكن تكون المفاجأة بأن تقوم سيدة بتحريك لينزي على كرسي متحرك فيما بعد، وهذه طريقة قوية لطرح الفكرة من المشهد الأول، ووضع علامة للتركيز على محتوى الإعاقة الذي يطال شخصية الفيلم، والكشف عن كواليسه.

صدفة مُدبرة

وعن طريق الصدفة المُدبرة، تكون الشخصية الأخرى المكملة في البطولة والأحداث جاهزة للدخول في السياق الدرامي، حيث إن لينزي وبعدما بدأت بالتعافي التدريجي، تلتقي بالميكانيكي جيمس ويجسده براين تيري هنري، الذي تعرض في الماضي لحادث سيارة أدى إلى قطع في ساقه اليسرى، ومن هنا تبدأ طريقة أخرى للإخراج عبر البوح والتفريغ النفسي الثنائي، بدلاً من السرد المونولوجي الذي بدأت به الأحداث حول لينزي وحدها، ويخوض كلاهما تجربة التجاور من أجل التعافي من الصورة البشعة للعالم داخلهما.

لا مشاهد حول الحرب

ويمضي السياق الدرامي عكس المتوقع، حيث يخلو من مشاهد "الفلاش باك" حول الحرب، فلا يتواجد في تدرجاته أي مشهد للحرب يظهر كيف تمت الإصابة، لكن تلميحات السيناريو وطريقة البوح المتبعة من قبل لينزي، لطبيبها، توصف المشهد وكأنما الجمهور يراه لحظتها.

ويزيد من تأثير المشهد الموسيقى التصويرية من قبل أليكس سومرز، التي كانت تحفز القلق وانتظار اللحظة المتسقبلية داخل الأحداث، ومنحت السيناريو صبغة الحزن على مدار التسلسل الدرامي الممتد حتى 92 دقيقة.

لعبة الذاكرة

وتبرز خلال الأحداث حركات طبية مستخدمة في العلاج الطبيعي، وطرق التعافي بعد الإصابة الجسدية والعقلية، حيث الأجهزة المتطورة في الصالات الرياضية التي تساعد العضلات والأعصاب على التعافي من جديد.

كما وتظهر في السياق الدرامي، لعبة الذاكرة، والتي تسهم في تعافي الذاكرة من العطب الذي أصابها بعد إصابة الدماغ، حيث تشتبك هذه اللعبة مع المحور الأساسي الذي تقوم عليه الأحداث، ألا وهو المساعدة على التذكر، حيث كانت الصور المتماثلة في لعبة الذاكرة بمثابة أدوات فلسفية استخدمها سيناريو الثلاثي أوتيسا موشفيغ، ولوك جيوبل، وإليزابيث ساندريز، إذ إن الحوار الذي قام عليه هيكل السيناريو مضى على تبادل الصور المتشابهة من ماضي كل شخصية، فكانت المأساة هي نقطة التقاء ومشاركة بين كليهما.

مشاركة الألم

ويتضمن الفيلم فلسفة المشاركة النفسية مع الآخرين من أجل علاج أعطاب الماضي، عن طريق الحكي ومشاركة الألم، وهذا يعتمد على مبدأ علاجي في الطب النفسي كتب على أساسه السيناريو، حيث يرى الطبيب النفسي الأمريكي شون غروفر، أن" بعض الآلام يمكنها أن تستمر، ولكن لا يجب أن تحدد هويتنا، فهي فقط تذكرنا بالتحديات التي علينا مواجهتها والتعامل معها".

ويؤكد الطبيب على ضرورة مشاركة هذه الآلام مع الأصدقاء والأقرباء والأطباء للتغلب عليها، بدلاً من الميل للانعزال والتوحد بأعراض المرض.

لا تطور

قد تبدو أحداث الجزء الأول من الفيلم وبدايات الجزء الثاني، أننا أمام حبكة درامية ستتطور في مستقبل الأحداث، لكن الأمر يقف عند هذا الحد، ويتحول الصراع من بعدها إلى طريقة سير علاقة لينزي وجيمس، والصراع النفسي ينطلق نحو الجلد الذاتي لكل منهما، وطريقة تدارك ملامح الرغبة الجنسية التي انطلقت في لحظة بينهما، وهو ما أضعف من تطور أكثر وهجاً يتناسب مع البداية المدهشة للسيناريو.

ويمكن توصيف مسار الفيلم ببطء الوتيرة، والتدرج الهادئ للأحداث القليلة خلال السيناريو، وتمضي الأحداث دون أي تقلبات تذكر، وفي هذا تحدٍ كبير من قبل المخرجة، حيث لم يفقد الفيلم أدوات التشويق والترقب، كما أنه حافظ على أجواء القلق والدفء حتى النهاية التي لم تكن لربما على مستوى الأحداث.

لغة الجسد

وبدت الممثلة الأمريكية جينفير لورانس متيقظة جداً لمهام وصفات دورها، من خلال إتقان لغة الجسد الدالة على الإحباط والهشاشة في بدايات التعافي، كما وأتقنت الحركات الرياضية الخاصة بالجدول التدريبي من أجل التعافي، لكنها لم تتقن لغة الإشارة خلال حوارها مع أخيها المسجون، الذي ذهبت لزيارته بفضل تعنيف جيمس لها لحظة العراك الكلامي بينهما.

حبكة خاصة لكل شخصية

ولا يمكن الإمساك بحبكة قوية داخل الأحداث التي تجمدت عند لحظة لقاء لينزي بالميكانيكي جيمس عبر صداقة غير مبررة، فجيمس كان له خيطه الدرامي الخاص الذي لم يتطور، على عكس لينزي التي وصلت أخيراً لهدفها، واندمجت بالواقع وعملت كمنظفة لحمامات السباحة في انتظار التعافي الكامل لحواسها، لكن جيمس اكتفى بالابتعاد عنها، ولم تلتفت المخرجة لحالة الهشاشة التي كانت تعتريه بعد فقدان عائلته خلال الحادث، فلم يكن مشهد النهاية مداوياً له، أو معالجاً درامياً لحبكته الخاصة.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com