"إلى أين أيتها القصيدة" لعلي العلاق.. اختلاج المشاعر في أعماق السيرة الذاتية

"إلى أين أيتها القصيدة" لعلي العلاق.. اختلاج المشاعر في أعماق السيرة الذاتية

يقدم الشاعر العراقي علي جعفر العلاق في كتابه "إلى أين أيتها القصيدة" الذي وصل للقائمة القصيرة في جائزة الشيخ زايد للكتاب 2023،  سيرة ذاتية تمتزج فيها خلجاته الشخصية بالواقع الجمعي الذي شهد أحداثًا عظامًا، وجرت فيه متغيرات كبيرة، أثرت جميعها في تجربة الشاعر، وفي علاقته بالعالم.

وجاء الكتاب الصادر عن "الآن ناشرون وموزعون" في الأردن في 325 صفحة من القطع المتوسط، وحرص العلاق فيه على تصوير مراحل حياته كافة، تصويرًا فنيًا ينقل التفاصيل الدقيقة بلغة سلسة تجذب القارئ إلى سردياتها المحبوكة بعناية.

ما زلت أتذكرها بحنينٍ شجيّ. بساطة أقربُ إلى الفقر، وتفاصيل عصية على النسيان ابتعدَ بها الزمن أو ابتعدتْ به
من كتاب علي العلاق

يقول الشاعر في مستهل كتابه عن مرحلة طفولته:
"حين فتحتُ عينيّ في قريتي الصغيرة تلك، كانت حواس الطفل الذي كنته، مفتوحة على عاقول البراري أو نكهة الحقول الفوّاحة، وكأن فيه ميلٌ، لم يفارقه حتى الآن ربما، إلى مقدم الخريف، والبدايات الأولى للرعد والمطر وقطاف الثمار".

ويضيف:" ما زلت أتذكرها بحنينٍ شجيّ. بساطة أقربُ إلى الفقر، وتفاصيل عصية على النسيان، وابتعدَ بها الزمن، أو ابتعدتْ به، حد الانخراط في نقطةٍ سديميةٍ لا عودة منها".

ويمضي قائلًا: "لكنّ خيطًا خرافيًا، دافئًا ونحيلًا، مازال يمتد بيني وبين تلك القرية وأكواخها الطينية الصابرة، تمامًا كما كانت، تمتد سدتها الترابية حتى تربطها بمدينة الكوت، مركز محافظة واسط".

أخبار ذات صلة
شُح السيرة الذاتية
حضر المكان دائمًا بوصفه حاملًا للذكريات وللشخوص، وجعله العلاق ضاجًا بالحياة، ممتزجًا بإسقاطات اجتماعية وتاريخية، ما أسهم بتلاشي المسافات بين الكاتب وقارئه

وحرص "العلاق" كذلك على استدعاء ذكرياته مع الشخوص الذين أثروا في حياته، جاعلًا منهم أبطالًا من لحم ودم، ممتلئين بالحياة، كما لو أنه ينقل ذكريات طازجة، لم تمر عليها سنوات طويلة.

ويقول في أحد المقاطع:
"ما زلت أتخيل ذلك المعلم، وكان اسمه مالك على ما أذكر، الذي ترك على دفتر الإنشاء مساحة من الفرح لا تنسى، وكنت حينها في الصف الخامس الابتدائي، وبعد سنوات التقيته مصادفة، كان قد كبر كثيرًا بينما كنت في ذروة الشباب. أعمل، في ذلك الوقت، رئيسًا لتحرير مجلة الأقلام، حاولت، مازحًا، تذكيره بنبوءته القديمة، لم يتذكّرْها بالطبع كما كنت أتذكّرها أنا، لكنه ابتسم بلطفٍ، فرحًا بما وصل إليه طالبٌ كان واحدًا من طلابه البارزين ذات يوم".

وحضر المكان دائمًا بوصفه حاملًا للذكريات وللشخوص، وجعله "العلاق" ضاجًا بالحياة، ممتزجًا بإسقاطات اجتماعية وتاريخية، ما أسهم بتلاشي المسافات بين الكاتب وقارئه. فيقول واصفًا الحي الذي عاش فيه مراحل من طفولته:
"كنا نسكن في شارع متواضعٍ يقع قريبًا من منطقة «5»، كنا جزءًا منها وطارئين عليها في الوقت ذاته، يجمعنا بها جوارٌ جغرافيٌّ قلق، مجموعة من البيوت البسيطة في أرضٍ خاليةٍ من المُشيّدات".

ويتابع: "أما طبقيًا، فلم نكنْ قادرين على الانتماء إليها، كان يجمعنا بسكانها غبار النهار، وتفرّقنا عنهم أشياء كثيرة: الليل الخاصُّ، والملابس الأنيقة، والسيارات اللامعة، والورد الذي يسترخي على الأسيجة، كانت من مناطق بغداد الراقية، في الخمسينيات والستينيات".

أخبار ذات صلة
صدور آخر كتب الباحث محمد شحرور "تصور الإنسان عن الله"

ويصف الشاعر والناقد المغربي عبداللطيف الوراري هذه السيرة بأن "الذات فيها تستدعي ماضيها بصورةٍ حميمية، وتستدعي معه حالات انبثاقها المتعددة: ذكريات الطفولة، النزوح من القرية، تجربة اليتم بعد موت الأب، اكتشاف الشعر مبكّرًا، الارتباط الوجداني بالأم، الاتصال بالمجلات الثقافية، وكتب الأدب والنقد، وجيل الستينيات، الذي عايشه دون أن يتورّط في دعاواه ومواقفه الأيديولوجية، والسفر للدراسة وتوسيع الخيار الجماليّ للشعر بين دمشق، وبيروت، والقاهرة، وصنعاء، والعين، وإكستر، ولندن".

وأجمل ما في تجربة العلاقَ أن صاحبها "عاش ناقدًا مسكونًا بجدوى الشعر وضرورته، ومُثقفًاً أصيلًا لم يتنازل أنملةً عن حرية الإنسان اليوم، وواجب التطلُّع إلى عصرٍ أقلّ وحشيّةً وأكثر أمانًا".

من الجدير ذكره أن علي جعـفر العـلاق شاعر، ناقـد، وأستاذ جامعي عراقي حصل على شهادة الدكتوراة في النقد والأدب الحديث من جامعة إكستر العام 1984.

وعمل العلاق مديرًا للمسارح والفنون الشعبية في العراق، ومحاضرًا في جامعتي بغداد والمستنصرية، وأستاذًا للأدب والنقد الحديث في جامعة الإمارات العربية، ورئيسًا لتحرير مجلة العلوم الإنسانية بجامعة الإمارات، وله ما يزيد على 33 مؤلفًا من بينها 21 إصدارًا شعريًا.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com