مع تعميم "الإنجليزية"...هل انتهى "العصر الذهبي" للغة الفرنسية في الجزائر؟
يسود اعتقاد واسع في الجزائر لدى النخب مفاده بأن العصر الذهبي للغة الفرنسية، بوصفها لغة تواصل وإدارة، بدأ في الانحسار، لاسيما في سياق الاهتمام العام بتعويضها باللغة الإنجليزية على الصعيدين الرسمي والتعليمي.
وفي أقوى قرار سياسي لصالح اللغة الإنجليزية منذ استقلال الجزائر المستعمرة الفرنسية السابقة سنة 1962، شرعت مدارس المرحلة الابتدائية خلال الموسم الحالي في تدريس "لغة العلم والتكنولوجيا" في المرحلة الابتدائية، وفق وصف سابق للرئيس عبد المجيد تبون الذي أعلن عن خطوات أخرى لتعميم الإنجليزية في الإدارات الحكومية والجامعات.
وفهم متابعون من الخطوات على أنها بداية تراجع نفوذ اللغة الفرنسية التي تدرس في المرحلة الابتدائية منذ عقود.
ويفيد آخر تقرير للمنظمة الدولية للفرانكفونية عام 2022، أن نحو 15 مليون جزائري من ضمن 45 مليون نسمة أي ما يمثل ثلث الشعب يتحدثون لغة موليير.
كما اعتمدت وزارة التعليم العالي الجزائرية، الإنجليزية منذ عام 2019 بقبولها كلغة بحث علمي ومناقشة مذكرات التخرج بدعوى أنها اللغة الأولى عالميًّا الحاملة للعلوم والمعارف.
وتفيد الجهات الرسمية بأن نحو 68 في المئة في مؤسسات التعليم العالي في وسط البلاد والبالغ عددها 45 مؤسسة جامعية مع عدد من المدارس العليا تستخدم اللغة الإنجليزية خلال السنوات الست الأولى للموسم الجامعي.
واستبقت السلطات الخطوات باستبيان أطلقته وزارة التعليم العالي حول تعميم تدريس الإنجليزية في الجامعات الجزائرية.
وتشير نتائج الاستبيان الذي شارك فيه أكثر من 90 ألف شخص أن 94.4 في المئة من المشاركين يؤيدون فكرة التعميم في حين رفضها نحو 5.6 في المئة من إجمالي المصوتين.
وتوصف القرارات بأن لها أبعادًا سياسية، في سياق التوتر بين الجزائر وباريس من حين لآخر، فقد سبق أن حاولت الحكومة في مطلع تسعينيات القرن الماضي جعل اللغة الإنجليزية اللغة الحية الأولى في البلاد.
لكن الفرنكوفونيين اتَُهموا بتعطيل المشروع الذي دفع ثمنه وزير التربية الجزائري الأسبق الدكتور علي بن محمد سنة 1992، وأقيل من منصبه بسبب من يتهمهم أنصار التعريب بـ"عملاء فرنسا".
وقد حذَّر المكتب السياسي لحزب العمال الجزائري اليساري المعارض من "مساس بالفرنسية، باعتبارها غنيمة حرب"، ووصف تعليم الإنجليزية في المرحلة الابتدائية بالعشوائية.
ويعتقد المجلس الجزائري لأساتذة التعليم العالي بإمكانية اللغة الإنجليزية إزاحة الفرنسية في غضون ثلاث سنوات كأقصى تقدير حسب معطيات حصلت عليها "إرم نيوز".
وتعتقد الهيئة أن قرار تعميم هذه اللغة أصبح حتميًّا وليس خيارًا، لذلك شرعت الدولة في تلقين الأساتذة الجامعيين تكوينًا وتقديم تحفيزات للطلبة الذين يقدمون بحوثهم ومذكرات التخرج بالإنجليزية، مثل: الاستفادة من دورات تكوينية في الخارج.
وعلى العكس، يرى الأستاذ المحاضر في جامعة مستغانم (غرب الجزائر) بوشيخي بوحوص في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن تعميمها زاد الهوّة بين الجامعة والمحيط الخارجي والمؤسسات الاقتصادية حيث تبقى مختلف البحوث على الرفوف وطاقات كبيرة معطلة.
ويتساءل: "هل اليابان والصين اللتان تتمتعان بنهضة اقتصادية كبيرة تستعملان اللغة الإنجليزية في التعليم العالي؟" مضيفاً أن كلاً منهما تستخدم لغتها في التعليم وأحرفها الخاصة.
ولم تقتصر القرارات على التعليم فحسب، بل أقرت وزارات حكومية قبل أشهر تعليمات تكرس استخدام اللغة العربية حصراً في المعاملات الإدارية اليومية. لكن بعض الإدارات الحساسة على غرار قطاعات الضرائب والمالية ظلت تعتمد اللغة الفرنسية في معاملاتها وتخاطب المواطنين بها.
وكان للسفارة الأمريكية في الجزائر دور في إطلاق مشروع تدريبي ضخم لصالح الموظفين والكوادر في الدوائر الوزارية بقصد تقديم دورات في اللغة الإنجليزية وهم الذي تعودوا منذ عقود على استعمال الفرنسية. ولمدة خمسة أشهر فقط قدمت لـ120 مسؤولًا جزائريًّا من 13 وزارة تكوينًا.
ويرى بوشيخي بوحوص بأنه "على أرض الميدان لا وجود للغة الفرنسية أو اللغة الإنجليزية، إذ على الميدان توجد اللغة الوطنية والكل يتعامل بها كما إن أساتذة اللغة الفرنسية كثيرًا ما يقدمون شرحًا باللغة العربية من أجل تبليغ المعلومة".