رواية "احتضار الفرس" لخليل صويلح.. بطاقات شخصية للخراب
رواية "احتضار الفرس" لخليل صويلح.. بطاقات شخصية للخرابرواية "احتضار الفرس" لخليل صويلح.. بطاقات شخصية للخراب

رواية "احتضار الفرس" لخليل صويلح.. بطاقات شخصية للخراب

يرسّخ الروائي السوري خليل صويلح خصوصيته السردية في كتابه الجديد "احتضار الفرس" الصادر حديثا عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر في بيروت.

صاحب رواية "ورّاق الحب" الفائزة بجائزة نجيب محفوظ عام 2009، ورواية "اختبار الندم" الفائزة بجائزة الشيخ زايد للرواية عام 2018، اشتهر بأسلوبية شيقة ونص غني جعله في مصاف الروائيين المتقدمين منذ إصداراته الأولى.

ويستند صويلح في رواية "احتضار الفرس" على توليفة افتراضية تصله برسالة إلى البريد الإلكتروني عن شهيد يعيده الجنود إلى أهله بلا رأس وبذراعين يسرتين مقطوعتين، ثم لا تلبث شخوص الرسالة أن تتحول إلى حضور حقيقي يكابده الكاتب بطل الرواية، عندما يصله خبر وفاة أمه التي لم يرها منذ تسع سنوات، فيضطر لركوب طائرة الشحن من دمشق إلى القامشلي، قاطعاً أكثر من ألف كيلومتر جوا، نظراً لخطورة الطريق البري بسبب الحرب.

تختزل رواية "احتضار الفرس" الكارثة السورية من جوانب مخفية لا تظهر للمتابع العادي، فهو يركز على الأماكن التي فتكت بها الحرب، ويقود الأحداث بشكل يضيء على تطور شخصيات العمل، كما يعقد المقارنات مع أعمال عالمية تناولت القصة من جوانب مغايرة، فيستحضر رواية "بيدرو بارامو" لخوان رولفو عندما يصله نبأ رحيل والدته في القرية البعيدة فيرحل إليها في ظروف مشابهة..

وأثناء الطريق يتحاور الراوي بطل "احتضار الفرس" مع خوان رولفو حول معان فلسفية تتعلق بالحياة والحرب والرحيل. طريقة ذكية يتبعها صويلح في جعل النص غنياً لا يستند إلى الحكاية وحسب.

تهبط طائرة الراوي في القامشلي، ومنها ينطلق باتجاه مدينة الشدادي في الحسكة حيث بيت أهله، وتظهر على الطريق المعالم المدمرة في قرى التلوينات الاجتماعية التي تشكل نسيج المنطقة. وبعد دروب ترابية ومنعرجات وخراب، يصل إلى المقبرة الموحشة ويستذكر حينها قصة فرس جده الشقراء التي ماتت إثر رحيله بعد أن ظلت تدق بحوافرها عند أعتاب المقبرة كأنها تنادي على فارسها الميت..

الفرس نفسها ستعود مرة ثانية إلى ذاكرته وهو يدخل دمشق راجعاً من الحسكة في طريق البرّ، لتصبح رمزاً لبلد يحتضر من الخراب والجوع والانقسام.

2022-09-خليل-صويلح
2022-09-خليل-صويلح

بانوراما الطريق بين الحسكة ودمشق، ستكون مادة دسمة لإغراق كلام الراوي بالوصف، مقارنا بين ما كانت عليه تلك الأماكن قبل الحرب وما آلت إليه اليوم..

لقد قطعوا رأس أبي العلاء المعري في معرة النعمان، كما احتلوا عفرين وطردوا أهلها الأكراد ودمروا آثارها، مثلما اغتالوا عالم الآثار خالد الأسعد ودمروا معبد بل في تدمر.

هنا يظهر الحوار مع خوان رولفو كأنه مبارزة في امتلاك الكم الأكبر من الفجيعة، ويظهر الهول السوري صادماً ومرعباً حتى يختفي الكاتب المكسيكي بعد وصول بطل "احتضار الفرس" إلى دمشق.

ينبش بطل الرواية ذاكرة الخراب، وينقر بإزميله الصندوق الأسود للمآسي، فيسترجع عدة جرائم حصلت أمام عينيه في وقت مضى، وهي تؤكد أن هذه البلاد ليس إلا فرساً تحتضر، وأن كل ما نسمعه هو صوت حوافرها التي تدق تراب المقبرة، مثلما فعلت فرس جدّ الراوي الشقراء!.

يمتاز نص خليل صويلح بالغنى ومشاركة الكتاب العالميين والمحليين في الأحداث، كما أنه نص ذكي يستخدم الحكاية في جانبيها العام والخاص، من أجل إيصال الرسالة التي يبتغيها.

إنه نص شعري أيضاً مليء بالصور والتشابيه البليغة والاستعارات، فلا تعويل كبيراً على الحكاية بل على متعة السرد التي تجعل الفجيعة شهية بالنسبة لقارئ أنهكه احتضار الخيول الأصيلة!.

"احتضار الفرس"، ليست توثيقا للخراب على الطريق بين دمشق والحسكة، بل هي نبش في عطبٍ جمالي ومعرفي أعمّ وأشمل، تسبّب في كل ما شهده الراوي من خراب بين دمشق والحسكة.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com