محطة الضبعة.. حلم مصري يتحقق
محطة الضبعة.. حلم مصري يتحققمتداولة

مشروع الضبعة النووي.. هل يتحقق الحلم المصري قريبًا؟

في ظل أزمة الطاقة العالمية المتفاقمة، التي أدَّت إلى تراجع الإمدادات من الوقود الأحفوري، بسبب الأزمة الأوكرانية وأسباب أخرى، أصبح اقتحام عصر الطاقة النووية أمرًا لا مفر منه.

وقد دفع ذلك عددًا كبيرًا من دول العالم إلى البحث في إمكانية دخول هذا العصر، بينما اتخذت دول أخرى خطوات فعلية في هذا الاتجاه، وعلى رأسها مصر.

أربعة مفاعلات كاملة

استخدام الطاقة النووية يرتبط بمخاوف متعلقة بحوادث كارثية، شبيهة بإلقاء القنابل الذرية على هيروشيما وناغازاكي في نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945، وفق الرئيس الأسبق لمركز الأمان النووي في مصر، الدكتور كريم عبد العزيز الأدهم، الذي يرى أن "هذه الحوادث لا يمكن مقارنتها بحوادث الطاقة النووية المدنية، لأن ما جرى في الحرب كان هدفه تدمير المدن والبشر".

أما الحوادث الأخرى التي سببتها الطاقة النووية، كتسرب الإشعاع في محطتي فوكوشيما وتشرنوبل، حسبما ذكر الأدهم في تصريحات لـ"إرم نيوز"، فعواقبها وخيمة، لكنها لم تتسبب في عدد كبير من الضحايا.

الدكتور كريم عبد العزيز الأدهم
الدكتور كريم عبد العزيز الأدهم

ويشير إلى أن "مصر تسير بخطى ثابتة نحو دخول العصر النووي، ومحطة الضبعة النووية خطوة مهمة في هذا الاتجاه، حيث سيتم تدشين أربعة مفاعلات كاملة قادرة على إنتاج كمية كبيرة جدًا من الطاقة".

وتُعدُّ محطة الضبعة النووية أول محطة طاقة نووية في مصر، وجارٍ إنشاؤها بمدينة الضبعة بمحافظة مرسى مطروح على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وعلى بُعد نحو 300 كيلومتر شمال غرب القاهرة.

ويرى الخبراء أن "تنفيذ مشروع محطة الضبعة النووية المكونة من أربع وحدات طاقة نووية، يُعد خطوة مهمة في تطوير القطاع النووي في مصر".

وتقدّمت أعمال بناء مفاعلي محطة الضبعة بنحو كبير، ووُضع حجر الأساس للمفاعل الثالث، ما يشير إلى أن مصر تسير بخطى متسارعة نحو دخول العصر النووي، وفق تقدير الأدهم.

وبشأن أهمية هذه الخطوات، يرى الرئيس الأسبق لمركز الأمان النووي أن "الطاقة النووية تتميز بأنها آمنة في ضوء محدودية أعداد الضحايا في الحوادث السابقة (غير العسكرية)، بالإضافة إلى أنها دائمة، ولن تنفد على غرار الوقود الأحفوري، ونظيفة، حيث تبقى نسبة الانبعاثات الناجمة عنها صفر".

مصدر مهم

يقول رئيس هيئة الطاقة الذرية المصرية الأسبق، الدكتور علي إسلام، إن "الطاقة النووية مصدر طاقة مهم يؤدي دورًا رئيسًا في توفير الطاقة لمستقبل مستدام، فهي مصدر طاقة آمن وفعّال ودائم لا ينتج انبعاثات ضارة".

وعلى عكس الطاقة الشمسية والرياح، التي تُعدُّ مصادر طاقة تكميلية، فإن الطاقة النووية يمكن أن توفر كمية كبيرة من الطاقة بنحو موثوق، وهذا يعني أنه يمكن استخدامها لتوليد الكهرباء لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة، ودعم الصناعة، وإنشاء فرص عمل، وفق تقدير الدكتور علي إسلام.

الدكتور علي إسلام
الدكتور علي إسلام

وأشار، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، إلى أن "تركيز مصر على استخدام الطاقة النووية ليس حديثًا، بل يعود إلى عقود طويلة، ففي عام 1964، أُنشئت هيئة الطاقة الذرية، وهي الجهة المسؤولة عن تطوير واستخدام الطاقة النووية في مصر".

وتستخدم مصر الطاقة النووية بالفعل في مجال إنتاج النويدات المشعة في الطب، وهو ما يعكس خبرتها في هذا المجال، ومن المقرر أن تبدأ الدولة في بناء محطتها النووية الأولى خلال سنوات معدودة، ومن المتوقع أن يؤدي هذا المشروع إلى نهضة صناعية كبيرة، وفق الدكتور علي إسلام.

ويوجد في العالم حاليًّا 439 محطة طاقة نووية، منها 54 محطة تعمل الآن، وبدأت دول عديدة، مثل ألمانيا، في بناء محطات طاقة نووية جديدة.

ولكن التطور الناجم عن استخدام الطاقة النووية لا يقتصر على توليد الكهرباء، بل يمتد إلى العديد من القطاعات الأخرى، وذلك في إطار الطفرة التي ستخلقها، ولهذا، من المهم تدريب الكوادر المؤهلة للعمل في هذا المجال، حتى تتمكن من تحقيق هذه الطفرة، بحسب رئيس هيئة الطاقة الذرية الأسبق.

عيوب الطاقة المتجددة

يقول نائب رئيس هيئة المحطات النووية المصرية سابقًا، الدكتور علي عبد النبي، إن "تغير المناخ أصبح القضية الأولى التي تتطلب حلولًا عاجلة من المجتمع الدولي، ومن أهم هذه الحلول الالتزام بالابتعاد عن استخدام الوقود الأحفوري، الذي يُمثّل أكثر من 75% من انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية، ونحو 90% من جميع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون".

الدكتور علي عبد النبي
الدكتور علي عبد النبي

ويرى، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن "مصادر الطاقة المتجددة تساعد في الحد من تغير المناخ، ولكنها ليست الحل السحري، على أساس أن هذه المصادر لها مميزات وعيوب".

ومن هذه العيوب، وفق عبد النبي، أن مصادر الطاقة المتجددة متقطعة، حيث إن محطات الطاقة الشمسية تعمل في أثناء سطوع الشمس، ومحطات طاقة الرياح تعمل خلال توافر الرياح، بالإضافة إلى أن "التقلبات في إنتاج الطاقة المتجددة تتسبب في عدم استقرار شبكة الكهرباء".

وتستخدم محطات الطاقة الشمسية ومحطات طاقة الرياح مساحات شاسعة من الأرض، ما يُسبب قلقًا كبيرًا لصناع القرار، فعلى سبيل المثال، تشغل محطة بنبان للطاقة الشمسية، التي تنتج 1465 ميجاوات من الكهرباء، مساحة تبلغ 37 كيلومترًا مربعًا.

وفي المقابل، تشغل محطة الضبعة النووية، التي تنتج 4800 ميجاوات من الكهرباء، مساحة تبلغ 4 كيلومترات مربعة فقط، وفق عبد النبي.

أخبار ذات صلة
مصر توافق على إنشاء الوحدة الرابعة في محطة الضبعة النووية

وأشار إلى أن "مشكلة تخزين الطاقة الكهربائية، لتعويض ساعات توقف محطات الطاقة المتجددة عن العمل، لا تزال قائمة، إذ إن ارتفاع تكاليف التخزين، وقصر عدد ساعات استخدام الكهرباء من أنظمة التخزين، لا يسمحان بحل هذه المشكلة، ما يؤدي إلى ارتفاع سعر الكيلووات".

ورغم هذه العيوب، لا تزال مصادر الطاقة المتجددة خيارًا مهمًا لمستقبل أكثر استدامة، ويمكن أن تؤدي دورًا مهمًا في الحد من تغير المناخ، ولكن يجب أن تتكامل مع مصادر الطاقة الأخرى، مثل الطاقة النووية، لضمان استقرار شبكة الكهرباء، وتوفير الطاقة اللازمة لتلبية الطلب، وفق تقدير الخبراء.

وتتميز المحطات النووية، سواء كانت العاملة حاليًّا من الجيل الثاني والثالث، أو المستقبلية من الجيل الرابع، بأنها صديقة للبيئة ومصدر طاقة متجددة، وفق عبد النبي الذي أشار إلى أن "المحطات النووية العاملة حاليًّا لا تنتج أي انبعاثات ضارة، بالإضافة إلى أن اليورانيوم، وهو الوقود المستخدم في هذه المحطات، موجود في دول كثيرة، وهناك دول فيها احتياطات مؤكدة لم تستغل بعد".

أما المحطات النووية من الجيل الرابع، فهي أكثر كفاءة من المحطات العاملة حاليًّا، حيث يمكنها استخدام مكونات من الوقود المحترق الخارج من مفاعلات الجيل الثاني والثالث، لمدة ألفي سنة، غير أن عمرها التشغيلي 60 و80 سنة، بينما تبلغ نسبة تشغيل المحطة النووية 92% من عدد ساعات السنة، وفق تقدير نائب رئيس هيئة المحطات النووية سابقًا.

أخبار ذات صلة
الحكومة المصرية تنفي توقف مشروع محطة الضبعة النووية

هل تؤثر الحرب الروسية في مستقبل المشروع؟

بشأن مشروع الضبعة النووي، يشير عبد النبي إلى أنه يتكون من أربع وحدات نووية، تبلغ قدرة كل وحدة 1200 ميغاوات، وبدأ العمل في أعمال التشييد الخرساني المسلح للوحدات النووية، وتركيب مصيدة قلب المفاعل في الوحدة النووية الأولى، ووصلت مصيدة قلب المفاعل للوحدة النووية الثانية إلى موقع الضبعة.

وخلال منتدى تطوير الصناعة النووية بالقاهرة، الذي انعقد يوم الخميس 14 ديسمبر/كانون الأول 2023، أكد نائب رئيس شركة أتوم ستروي إكسبورت، التابعة لشركة روساتوم ومدير مشروع إنشاء محطة الضبعة النووية، أليكسي كونونينكو، أن "المشروع يتطور بسرعة كبيرة".

ورغم انشغال روسيا بالعملية العسكرية في أوكرانيا، تسير الأعمال في موقع الضبعة وفقًا للجدول الزمني المتفق عليه بين القاهرة وموسكو، وفق تصريحات رسمية من ممثلي الحكومة المصرية.

ويقول المتخصص في مجال الطاقة النووية، الدكتور مجدي عبد الله، إن "محطة الضبعة تتمتع بعوامل أمان عالية، حيث إنها قادرة على الإطفاء تلقائيًّا دون تدخل بشري، إلا أن تزويدها بمصيدة قلب المفاعل حال انصهاره، يُمثّل عنصرًا إضافيًّا للأمان".

خلال منتدى تطوير الصناعة النووية بالقاهرة
خلال منتدى تطوير الصناعة النووية بالقاهرة

ويوضح أن "المحطة يمكنها احتواء أي عواقب محتملة، حال حدوث انصهار"، معتبرًا أن "احتمال حدوث ذلك، أمر نادر الحدوث، حيث لا يتعدى واحدًا على عشرة ملايين مفاعل في السنة".

ويضيف، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن "المحطة تتميز بتصميم قوي للغاية، يعتمد على حواجز متعددة لضمان السلامة، فكل مفاعل يحتوي على حبيبات الوقود النووي وأعمدة الوقود والمفاعل داخل وعاء مصنوع من الفولاذ، ويوضع هذا الوعاء في مبنى مُعزز بطبقات خرسانية وطبقات من الفولاذ، وتعلوه قبة معدنية وخرسانية".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com