اقتصاد

محللون: اتفاق بغداد وأربيل النفطي "تسوية مؤقتة" لن تحلّ جذور الأزمة

أوميد إبراهيم

وقّع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ورئيس حكومة إقليم كردستان العراق مسرور بارزاني، في بغداد، الثلاثاء، اتفاقاً وُصف بأنه "تاريخي"، من أجل إعادة تصدير نفط الإقليم مجدداً عبر ميناء جيهان التركي، حيث تأمل بغداد وأربيل في طيّ صفحة ملف شائك وعالق منذ نحو 20 عاماً.

لكن محللين عراقيين قللوا من مدى أهمية هذا الاتفاق الذي وصفوه بأنه أشبه بمرحلة مؤقتة لن تفضي إلى حلّ شامل لهذا الملف المعقد، إلا أنهم أشاروا إلى أنه إيجابي في الوقت الراهن، ويمكن البناء عليه من أجل إقرار قانون نهائي ينظم آليات تصدير النفط.

اتفاق "مرحلي"

يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، الدكتور إحسان الشمري، أن "هذا الاتفاق عبارة عن تسوية مؤقتة ولا يمكن أن يكون بديلاً عن قانون النفط والغاز الاتحادي الذي يجب أن ينظم هذه العلاقة، وفي ظل وجود قرار من قبل المحكمة الاتحادية وأيضاً قرار التحكيم الدولي الصادر عن محكمة باريس لصالح العراق بخصوص تصدير النفط، كان من المفترض على حكومة السوداني أن تذهب باتجاه إقرار قانون النفط والغاز المدرج ضمن البرنامج الحكومي".

وقال الشمري في تصريح لـ"إرم نيوز"، إن "عدم القدرة على الدفع بمسودة قانون النفط والغاز إلى البرلمان العراقي، بالإضافة إلى الحسابات السياسية، هي التي أوجدت هذا الاتفاق المؤقت، ولا أتصور أنه سيطوي الخلافات النفطية بين بغداد وأربيل، بل على العكس، هناك أصوات تتصاعد بأن هذا الاتفاق قد يكون مشابهاً للصفقات التي جرت ما بين الحكومات الاتحادية السابقة وحكومة أربيل، ومنها ما يعرف باتفاق عادل عبدالمهدي (سيئ الصيت)" بحسب تعبيره.

وأضاف أن "هذا الاتفاق، مرحلي، ويمكن أن يكون قاعدة لتفاهمات بخصوص قانون النفط والغاز، ولكن بحكم التجربة قد يكون اتفاقاً هشّاً، خصوصاً وأن الحكومة الاتحادية ستستمر كمشرفة، وهذا يخالف الدستور وكذلك رأي المحكمة الاتحادية التي أشارت إلى أن الأصول النفطية هي تابعة ومن اختصاصات حصرية للحكومة الاتحادية".

كيفية التعاطي مع إيرادات نفط إقليم كردستان قد تكون من أهم العقبات، وإذا لم يتم التصرف بها وفق الحاجات الأساسية لمواطني إقليم كردستان، فيمكن أن تتفجر أزمات جديدة
أستاذ العلوم السياسية بجامعة بغداد، الدكتور إحسان الشمري

واستدرك الشمري قائلاً: "من جهة أخرى، الاتفاق مهم للغاية، لأن استمرار تدفق النفط من خلال ميناء جيهان التركي يوفر منصة مهمة لتعدد منافذ التصدير، وستكون هناك أموال تودع لصالح الخزائن العامة العراقية، ولكن شريطة أن تكون تحت تصرف الحكومة الاتحادية".

ولفت أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد إلى أن "الاتفاق مهم جداً بالنسبة لإقليم كردستان أيضاً، لا سيما فيما يتعلق بدفع رواتب موظفي الإقليم وأسعار المشتقات النفطية التي بدأت تتصاعد بعد توقف التصدير عبر ميناء جيهان التركي" وفقاً لرأيه.

واختتم الشمري بالقول، إن "كيفية التعاطي مع إيرادات نفط إقليم كردستان قد تكون واحدة من أهم العقبات، وإذا لم يتم التصرف بتلك الإيرادات وفق الحاجات الأساسية لمواطني إقليم كردستان، فبتصوري يمكن أن تتفجر أزمات جديدة" بحسب تقديره.

الاتفاق مهم، ولكن ليس في محتواه الذي يبدو أن حكومتا بغداد وأربيل قبلتا به على أنه اتفاق مؤقت كما تم الإعلان عنه
النائب السابق، مثال الآلوسي

نفط الإقليم "أداة سيادية"

من جانبه، يرى السياسي المستقل والنائب السابق ومؤسس حزب "الأمة العراقية"، مثال الآلوسي، أن "الحديث عن نفط إقليم كردستان يطول، وأعتقد أن كل ما تناوله الساسة في هذا المجال مهم، ولكنه لا يمثل حلاً عملياً لأصل القضية، فالنفط الكردي يختلف عن النفط الأنباري، والذي لا تريد الحكومة الحالية الحديث عنه، ناهيك عن استخراجه!".

وقال الآلوسي لـ"إرم نيوز"، إن "الاتفاق الأخير، مهم، ولكن ليس في محتواه الذي يبدو أن حكومتا بغداد وأربيل قبلتا به على أنه اتفاق مؤقت كما تم الإعلان عنه، ولكن هذا الاتفاق مهم في كون الطرفين ذهبا إلى التهدئة واعتماد لغة الحوار، وهذه لغة لا يحبذها الولائيون، وأتباعهم الذين يتخذون من التصعيد وطائرات الدرون والصواريخ، أدوات للهيمنة على القرار الكردي".

ولفت الآلوسي إلى أن "هناك من يسعى إلى أن لا يكون ملف النفط متحرراً من إرادات المسؤولين في بغداد والسليمانية، فتحرر القرار النفطي الكردي يعني تحرر القرار السياسي الكردي من آثار الانقسام الذي تسوق له مراكز خارجية وعناصر المليشيات العراقية الموالية للخارج، وهذا ما يفسر بعض المواقف الرسمية في بغداد عبر جميع حكومات ما بعد 2003".

وأردف النائب السابق ومؤسس حزب "الأمة العراقية"، أن "نفط الإقليم أداة لسيادة قراره، وهذا ما لا يتوافق مع القلق في طهران وبغداد وأنقرة، هذا القلق الذي يتجسد أيضاً في تحويل النفط الكردي إلى نجاحات في البنية التحتية الكردستانية، والتي ستلقي بظلالها على واقع الكُرد في إيران وتركيا أيضاً".

الشعب العراقي كله معني بهذا الاتفاق، وهو أساس لقانون الموازنة وتثبيت حصة إقليم كردستان، والتي تعتبر استحقاقاً للشعب الكردي الذي عانى لسنوات طويلة من أزمة الموازنة
النائبة السابقة خالدة خليل

ملامح لمرحلة جديدة

أما النائبة السابقة في البرلماني العراقي عن كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني، الدكتورة خالدة خليل، فتقول إن "الاتفاق مهم لحل معضلة وإشكاليات استمرت لسنوات طويلة، وهو خطوة تاريخية، ووجود النوايا السليمة والإرادة الحقيقية هي التي ستفضي إلى حلول، كما أكد على ذلك الرئيس مسعود بارزاني".

وأضافت خليل في حديثها لـ"إرم نيوز"، أنه "لا شك في أن طيّ صفحات هذا الملف الشائك مرهون بتطبيق بنود الاتفاق الذي سيرسم بالتأكيد صورة وملامح مرحلة أخرى أكثر اتزاناً واستقراراً".

مضيفةً أن "الشعب العراقي كله معني بهذا الاتفاق، وهو أساس لقانون الموازنة وتثبيت حصة إقليم كردستان، والتي تعتبر استحقاقاً للشعب الكردي الذي عانى لسنوات طويلة من أزمة الموازنة وعدم اتفاق الأطراف السياسية، والتي انعكست بدورها سلباً على الأوضاع سابقاً، حيث بقي قطاع الأعمال محصوراً وقلقاً، وتعالت بعض الأصوات التي لم يكن همها إيجاد حلول منصفة للشعب العراقي برمّته".

ومضت بالقول: "كان دفع مبلغ 200 مليار دينار كحصة الإقليم من الموازنة يواجه إشكاليات دائماً، والآن، وبعد توقيع الاتفاق النفطي، إذا تم تمرير الموازنة وتثبيت حصة الإقليم فيها، فإن ذلك سيكون بمثابة الخطوة الأولى على الطريق القانوني السليم".

وشددت النائبة السابقة في البرلماني العراقي، على أنه "آن الأوان لكي تعمل الحكومة بشكل جدي ومنصف يراعي جميع مكونات الشعب العراقي في استحقاقاته، لأنها ستضع بذلك حجر أساس النجاح والاستقرار للمرحلة المقبلة المليئة بالتحديات".

التالي