لا شرف في الجريمة

لا شرف في الجريمة

أحسن قانون العقوبات في بعض الدول العربية حين أوقف التّوسع بالعذر المخفف في العقوبة المستحقة على مثل هذه الحالات؛ كي لا يستفيد منه هؤلاء المجرمون.

ما زلت أرى أن من العار تسمية الجرائم البشعة الواقعة على النساء في مجتمعاتنا بجرائم الشرف. التسمية قاسية الظلال، جائرة ظالمة، تلبسُ ثوباً ليس ثوبها، وتقبعُ تحت عنوان لا يخصّ متنها أو فحواها؛ فالجريمة جريمة، ولا شرف فيها أبداً، لا سيما فيما يخص قتل وذبح الأخوات والبنات والقريبات أو خنقهن بحجة غسل العار وتبييض صفحة العائلة.

كان وما زال مَن يقدم على قتل أخته أو ابنته ذبحاً أو طعناً أو صلياً برشقات رشاش أو هرسا للرأس بطوبة بداعي غسل العار يختبئ خلف عبارة "إصبعي يوجعني وقطعته"، قبل أن يخرج مضرّجا يتباهى بأنه بيّض شرف عائلته، وأعاد إليه نصاعة بياضه بصبغ المكان بدماء ضحيته أو بنثر أشلائها.  

هي ليست إصبعاً لكَ لتقطعه متى تريد ووقت تشاء، بل إنسان بحياة كاملها مكمّلة، ولست مسؤولا عن حقها في حياتها حتى لو كنت أباها أو أخاها. أنتَ لست محققا وقاضياً وجلاداً في آن واحد؛ لتتحرّى وتحكم بالموت وتنفذ حكمك بيدك، ربما لشبهة في رأسك، أو حتى لفعل قامت به يعاقبها القانون عليه حال ثبوته.

وهنا أحسن قانون العقوبات في بعض الدول العربية حين أوقف التّوسع بالعذر المخفف في العقوبة المستحقة على مثل هذه الحالات؛ كي لا يستفيد منه هؤلاء المجرمون. فكثير من الجرائم هذه لا تقع تحت سور الغضب، بل تتم بتخطيط محكم وبكامل النية القصدية والأناة والتروي.

في الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني علينا الآن أن نعمد إلى تغيير اسم هذه الجرائم، وألا نمنحها أبداً نعت الشرف في أي حال من الأحوال، فهي عادية بل يجب أن ينظر إليها كجرائم أكثر وحشية في بعض الأحيان.

قبل أيام راحت فتاة في جنوب العراق ضحية لسلسلة من هذه الجرائم المستمرة بعد أن أقدم والدها على خنقها بيديه بكل برود. ومن قبل ومن بعد، فما زالت تطالعنا في كل أسبوع أو أدنى جريمة مماثلة في بلد عربي، وبطرق بشعة لا نلمح فيها إلا الثأرية والروح العدوائية، مما يجعلنا نتساءل إن كان حقا أن من يقدم على قتل ابنته أو قريبته بهذه الوحشية يريد أن يسترد شرفا مهدورا؟ وهل حقا أنه سيعيش حياته ناصع الصفحة مجللا بعباءة العز؛ لأنه استقوى على ضحية ضعيفة. 

المجتمع يتحمل المسؤولية عن ما يسمى بجريمة الشرف، إذ يشجع عليها ضمنيا حال صمته عن شجبها والتنديد بها وإبراء الذمة منها، أو حال مناقشته الغيبية الغبية لمبررات ومسوغات لها، ليكون كمن يرش على الموت سكرا ليحليه، أو حين يطلق أوصافا بطولية على القاتل الهمام، وينال من سمعة القتيلة بالغمز واللمز أو التصريح أحيانا.

المجتمع شريك استراتيجي في هذا، وعليه أن ينزع الشرعية عن هذه الجرائم ويسقط الشرف من عنوانها أولا، وسيبقى أن هذا النوع من الجرائم لن يتوقف قبل أن تتغير العقلية الذكورية الأبوية البطرياركية لدينا.

في الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني علينا الآن أن نعمد إلى تغيير اسم هذه الجرائم، وألا نمنحها أبداً نعت الشرف في أي حال من الأحوال، فهي عادية بل يجب أن ينظر إليها كجرائم أكثر وحشية في بعض الأحيان؛ لأنها تنافي لحمة الأخوة ورابطة الدم.

منذ زمن بعيد تخلى البشر عن ضوابط العفة الموضعية وقوالبها الفولاذية القاسية عند المرأة، فهذه أشياء لا تضبط أو تربط إن لم تنبع من الداخل. إنها في ذات تلك الابنة أو الأخت أو القريبة وفي تربيتها منذ نشأتها الأولى، ولهذا فمن العار أن نبقي على مسمى جرائم الشرف. الجريمة لا شرف فيها.

أخبار ذات صلة
الداخلية السورية تكشف تفاصيل "جريمة معربا" المروعة

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com