روسيا في إفريقيا.. الاقتصاد أولاً

روسيا في إفريقيا.. الاقتصاد أولاً

عززت روسيا وجودها في إفريقيا بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية، حيث وقعت عشرات الاتفاقيات الثنائية مع الدول الإفريقية، بما في ذلك التعاون في مجال التكنولوجيا العسكرية والأمن ومكافحة الإرهاب، علاوة على زيادة حجم تجارتها نسبيا مع القارة.

في الواقع، المصالح الروسية عبر القارة الإفريقية متنوعة. إنها تأتي من الاحتياطيات الهائلة لروسيا من الوقود الأحفوري، والمنتجات الزراعية والأغذية، والأسمدة، بالإضافة إلى موقعها في تجارة الأسلحة العالمية. في المقابل، إفريقيا قارة واعدة ذات آفاق واسعة للنمو الاقتصادي، وغنية بالموارد الطبيعية والبشرية. 

لكن في الوقت الراهن تركز روسيا على الجانب الاقتصادي، ومن الواضح أن موسكو تعرف حاليا ما تريده من القارة، إيجاد أسواق بديلة، والبحث عن الدعم السياسي أو تجنب العزلة الدولية، وحشد المشاركة في قمة روسيا - إفريقيا المزمع عقدها في سان بطرسبورغ في الأسبوع الأخير من شهر يوليو/تموز القادم.

بداية تحتاج موسكو إلى إيجاد أكبر عدد ممكن من المشترين الجدد مع دخول الحظر الأوروبي على المنتجات النفطية الروسية الشهر الماضي. وإحدى الديناميكيات الواضحة هي أن روسيا تدفع بشكل متزايد بالمنتجات البترولية المكررة إلى الأسواق الإفريقية.

أكثر من 70 في المائة من إجمالي التجارة الروسية مع إفريقيا يتركز في أربعة بلدان فقط، هي مصر والجزائر والمغرب وجنوب إفريقيا.

في الواقع، بعد مرور أكثر من عام على الحرب في أوكرانيا، تضاعف متوسط شحنات ما يسمى بالمنتجات النظيفة من روسيا إلى إفريقيا حوالي أربع مرات ليصل إلى 400 ألف برميل في اليوم خلال النصف الأول من شهر فبراير/شباط الماضي، وفقا لنشرة "ميس" الاقتصادية المتخصصة بشؤون الطاقة.

هذا الاتجاه ترغب موسكو في الحفاظ عليه وتعزيزه قدر الإمكان. وفي المقابل تعد إفريقيا واحدة من أكثر المناطق تضررا بفعل تداعيات الحرب في أوكرانيا، وتدرك روسيا جيدا تأثير الاضطرابات في الإمدادات العالمية على إفريقيا. وهنا ترى موسكو أن هناك إمكانات كبيرة لتوسيع صادراتها الغذائية والزراعية إلى البلدان الإفريقية، خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار أن روسيا أكبر مُصدر للقمح والأسمدة في العالم، وصادراتها في هذا المجال تجاوزت 30 مليار دولار في العام الماضي.

مع ذلك، تفتقر روسيا بشكل عام إلى القوة الاقتصادية للمنافسة مع الصين أو الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي عندما يتعلق الأمر بالتجارة والاستثمار في إفريقيا. الاقتصاد الروسي يعادل تقريبا اقتصاد دولة مثل البرازيل أو حتى كوريا الجنوبية، ويعتمد بشكل أساسي على صادرات المواد الأولية، وفقًا لبيانات البنك الدولي.

وتُظهر أحدث الأرقام المتاحة أن الاستثمار الأجنبي المباشر من روسيا أقل من 1% من إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر في إفريقيا. كما أن تجارة روسيا مع إفريقيا تقل عن ربع تجارة الولايات المتحدة مع قارة إفريقيا، ولا تمثل سوى 5% من إجمالي تجارة الاتحاد الأوروبي مع إفريقيا، ولا تزيد على 6% من إجمالي تجارة الصين مع القارة. في حين أن أكثر من 70 في المائة من إجمالي التجارة الروسية مع إفريقيا يتركز في أربعة بلدان فقط، هي مصر والجزائر والمغرب وجنوب إفريقيا.

من المتوقع أن تنمو العلاقات التجارية والاستثمارية الثنائية بين روسيا وإفريقيا في السنوات القادمة.

على الرغم من ضعف الروابط التجارية والاستثمارية الروسية مع إفريقيا مقارنة بالصين والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، إلا أن موسكو تعتبر شريكا استراتيجيا لإفريقيا في قضايا الأمن والسلام.

كما يجادل العديد من الاستراتيجيين الروس أنه على عكس القوى الاستعمارية السابقة والصين إلى حد ما، من الواضح تماما أن روسيا لا تتصور دورا حصريا أو دورا قياديا في إفريقيا، وسياساتها براغماتية، وتملك مزايا نسبية قوية في قطاعات اقتصادية عديدة تمكنها من دفع علاقاتها مع إفريقيا إلى الأمام.

ومن وجهة النظر الإفريقية، فإن الدعم السياسي لروسيا، خاصة بالنظر إلى مقعدها الدائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ذو قيمة أكبر للعديد من الدول الإفريقية. كما تعتبر روسيا أكبر مورد للأسلحة لإفريقيا، حيث استحوذت البلاد على 40% من سوق الأسلحة في القارة في الفترة 2018-2022، أي أكثر من الولايات المتحدة والصين وفرنسا مجتمعة، وفقا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.

علاوة على ذلك، تدعم الشركة العسكرية الخاصة المرتبطة بروسيا، مجموعة "فاغنر"، العديد من الحكومات الإفريقية في مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى وموزمبيق ودول أخرى في قتال المتمردين. ومن المتوقع أن يزداد دور "فاغنر" مستقبلا نتيجة الخبرات والإمكانيات الواسعة التي اكتسبتها في أوكرانيا، وحاجة دول إفريقية إلى المزيد من الدعم العسكري

أخبار ذات صلة
بابا الفاتيكان: مصالح إمبراطوريات تحرك الحرب في أوكرانيا وليست روسيا فحسب

وعليه، من المتوقع أن تبقى روسيا حليفا مهما لإفريقيا، ومن غير المرجح أن يشتري الكثير من القادة الأفارقة حملة الغرب لعزل روسيا. في المقابل، فإن الحكومات الإفريقية حريصة على تجنب الانجرار إلى حرب باردة أخرى مع الغرب، وهي تدرك قيود الدعم الروسي، وحاجتها للموازنة بين توجهات القوى الكبرى والعمل على تعظيم مكاسبها من جميع الأطراف.

لكن على جميع الأحوال، من المتوقع أن تنمو العلاقات التجارية والاستثمارية الثنائية بين روسيا وإفريقيا في السنوات القادمة: جزء منها كبديل للأسواق الاستهلاكية في الاتحاد الأوروبي، والجزء الآخر لأن موسكو ترى أن إفريقيا تلعب دورا رئيسيا ضمن استراتيجية روسيا الجديدة في السياسة الخارجية.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com