من قلب المظاهرات الإسرائيلية

من قلب المظاهرات الإسرائيلية

إذا تعاملنا مع القدس على أساس المنطق الإسرائيلي أنها "موحدة"، فإن نحو 40% من سكانها فلسطينيون، هم سكان الجزء الشرقي منها المحتل منذ العام 1967، و40% منهم يهود متدينون (بينهم 5% يرفضون الصهيونية بشدة)، والباقون يشكلون خمس السكان هم من جميع الشرائح الاجتماعية الأخرى. هؤلاء هم القلقون من سياسة نتنياهو وغالبيتهم يصوتون لأحزاب مناهضة له.

التقيناهم في المظاهرة الأسبوعية، التي تقام للمرة الخامسة، أمام مقر الرئيس يتسحاق هيرتسوغ، للاحتجاج على الجهود التي يبذلها للتوصل إلى حل وسط بين حكومة بنيامين نتنياهو وجهاز القضاء. فهم يرفضون هذه الجهود ويقولون إن خطة الحكومة جاءت لضرب سلطة القضاء، ولتقليص صلاحيات المحكمة العليا وتحويل صلاحيات تعيين القضاة إلى السياسيين..

هؤلاء يعتبرون الأمر مساسا بجوهر وأصول الديمقراطية المبنية على فصل السلطات الثلاث، والحفاظ على الاستقلالية، بحيث تكون السلطة التنفيذية قائدة والسلطة التشريعية مراقبة والسلطة القضائية محاسبة. وأي حل وسط، في نظرهم يكون على حساب هذا المبدأ.

لذلك، هتف المتظاهرون: "ديمقراطية. الحكومة تخاف من الديمقراطية". وفي القدس تختلف المظاهرات عن مظاهرة تل أبيب وغيرها من البلدات الغنية؛ فهنا تشاهد الفقراء، الذين يشعرون بالخطر على لقمة الخبز، في حال استبد اليمين بالحكم، وتجد أناسا قلقين، ينتمون لأحزاب اليمين، فيرفعون علم إسرائيل وشعارات تنادي بإسرائيل يهودية ديمقراطية، كما تشاهد كثيرين يرتدون معطفهم العسكري.. ولا تجد أي عربي بين المتظاهرين. وهم يفردون ماسورة حمراء ويقولون: "الديمقراطية خط أحمر يا نتنياهو"، ويهتفون: "لن نرضى بأن تصبح بلادنا مثل بولندا والمجر".

ما يجمع المتظاهرين في تل أبيب والقدس و40 بلدة إسرائيلية أخرى هو القناعة بأنهم قادرون على تغيير الحكم، لكن كل مَن يتابع تطور الأوضاع على الساحة الإسرائيلية يدرك أن الأمر ليس بهذه السهولة، ويلاحظ أن المظاهرات بدأت تتخذ منحى جديدا.

كانت هناك امرأة يهودية ترفع شعارا يتيما يقول: "مع الاحتلال لا يمكن أن تكون ديمقراطية". لم يقترب منها أحد، لكن أستاذا جامعيا همس لطبيب بجانبي: "شعارات كهذه تخرب على نضالنا"، سألتها إن كان أحد يضايقها، فقالت: "لا يضايقونني. ولكنهم يظهرون لي تبرما، به يوصلون لي رسالة تقول إنني أنا التي تضايقهم"..

وتستغرب: "لماذا نرى في مظاهرة تل أبيب عشرات اللافتات التي تتحدث عن الاحتلال، وهنا يمتنعون. إن كل هذا النضال لأجل الديمقراطية كلام "فاضي" (قالتها باللغة العربية)، إذا لم يطرح قضية الاحتلال. إنهم مساكين. لا يدركون بأن الاحتلال وفرض السيطرة على ملايين الفلسطينيين هو ما جعل شبابنا يبتعد عن الديمقراطية وجعل اليمين يستسهل هذا الهجوم على القضاء".

لكن إحدى مُنظِمات المظاهرة تصر على أن المعركة اليوم يجب أن تقتصر على شعار الدفاع عن الديمقراطية وصد سياسة دق الأسافين ونشر الكراهية بين المعسكرين، تقول: "الشعارات المعادية للاحتلال لن تستطيع جمع عشرات الألوف، فمن يجلس أمام مدفأة في بيته، لن يخرج إلى الشارع ويعبر الازدحام المروري ويقف ساعتين تحت المطر ويهدد حياته، لكي يدافع عن الفلسطينيين.. نحن نحتاج إلى إسقاط حكومة نتنياهو، وبعدها ننتخب حكومة أخرى أكثر اعتدالا ومسؤولية، وربما تصنع السلام".

حاولت إضافة صعوبة أخرى عليها سائلا: "حتى ما قبل شهرين كانت في إسرائيل حكومة تضم اليمين واليسار والوسط الليبرالي وحتى حزبا عربيا إسلاميا ولم تصنع السلام. لا بل إنها قررت من اليوم الأول تنزيل بند مفاوضات السلام مع الفلسطينيين تماما وعلى الأرض نفذت سياسة أسوأ من سياسة نتنياهو تجاه الفلسطينيين. فزاد القتل وتضاعف عدد المعتقلين واتسع الاستيطان".

فأجابت: "أجل هذا خطأ. ومع بعض الضغط الأمريكي يتغير. واليوم الأوضاع ملتهبة هناك (في القدس والضفة) وسيكون على أي حكومة أن تتعاطى مع الموضوع".   

ما يجمع المتظاهرين في تل أبيب والقدس و40 بلدة إسرائيلية أخرى هو القناعة بأنهم قادرون على تغيير الحكم، لكن كل مَن يتابع تطور الأوضاع على الساحة الإسرائيلية يدرك أن الأمر ليس بهذه السهولة، ويلاحظ أن المظاهرات بدأت تتخذ منحى جديدا..

أخبار ذات صلة
رئيس وزراء إسرائيل السابق يتحدث عن وعد بوتين بـ"عدم قتل" زيلينسكي‎

المظاهرات تترافق مع إضرابات عمالية.. وإلى جانبها يقيم الطلبة الجامعيون مظاهرات خاصة بهم في الحرم الجامعي. وكبار رجال الاقتصاد، يحذرون من أن المساس بالجهاز القضائي سيؤدي إلى هروب الاستثمارات وإلى تخفيض مكانة إسرائيل في جدول الدائنين في العالم وبالتالي خلخلة الاقتصاد.

وفي يوم الأربعاء ستنطلق للمرة الأولى مسيرة احتجاج يمشي فيها مئات ضباط جيش الاحتياط الإسرائيلي لمسافة 50 كيلومترا، من متحف سلاح المدرعات إلى مقر المحكمة العليا، لمساندتها. وأسمع بعض الجنرالات تهديدات، في إحدى الحالات بلغت حد تهديد نتنياهو بالقتل. ورئيس بلدية تل أبيب، الجنرال المتقاعد رون خلدائي، يهدد هو الآخر: "نحن الآن نتكلم ونحذر وقد ننتقل قريبا إلى الأفعال".

مثل هذه الأمور تعتبر جديدة على إسرائيل. ومن يتذكر أنه سبق وتم اغتيال رئيس حكومة فيها فقط قبل 27 سنة، يخاف من أن تتحول لغة العنف وتتسع.

صحيح أنهم يؤكدون أن إسرائيل لن تنزلق إلى حرب أهلية، إلا أن كل الدول التي شهدت حربا أهلية أنكر قادتها خطر الوقوع فيها، ثم وجدوا أنفسهم جزءا منها. 

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com