المظاهرات الإسرائيلية والقضية الفلسطينية

المظاهرات الإسرائيلية والقضية الفلسطينية

أحد الأسئلة التي تُطرح في شارعنا العربي عموما والفلسطيني بشكل خاص، حول المظاهرات المهيبة التي تشهدها إسرائيل، يتعلق بقضية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وهو: لماذا لا يتطرق المتظاهرون إلى هذا الصراع؟

إنه بالطبع سؤال في محله، فالمفترض أن حكومة اليمين المتطرف لم تأتِ فقط لتقويض أجهزة القضاء وليس فقط لفرض منظومة حكم جديدة تزعزع أركان المبدأ الديمقراطي في إسرائيل، بل يحمل في طياته خطة لإحداث تغيير جوهري في الساحة الفلسطينية مبني على إشاعة الفوضى وتحطيم بقية نتائج اتفاقيات أوسلو، بما في ذلك إسقاط السلطة الفلسطينية، وتصفية القضية الفلسطينية.

هذه ليست احتجاجات ليوم واحد ولمطلب بسيط، بل أصبحت أساسا لرؤيا إسرائيلية مستقبلية ذات شأن.

هذا ليس مجرد تحليل سياسي نستنتجه من تصريحات الوزراء ورصد ممارسات الحكومة على الأرض، بل هناك عقيدة سياسية متكاملة، وضعت في وثيقة رسمية أعدها رئيس الحزب الأكثر تأثيرا على حكومة إسرائيل الحالية، بتسلئيل سموترتش، كتبها في سنة  2018 ولم تكشف إلا هذه الأيام، وأطلق عليها اسم "خطة الحسم"، وهي عبارة عن برنامج سياسي إستراتيجي بنى على أساساته حزب "الصهيونية الدينية".

وحدد فيه الهدف، وهو: "تصحيح الخطأ التاريخي الذي ارتكبته حكومة إسحق رابين عندما وقعت على اتفاقيات أوسلو"، وقد وضع فيه خطة لتدمير هذه الاتفاقيات ومحو نتائجها، والخطة مؤلفة من خمس مراحل، هي: سلخ الإدارة المدنية عن صلاحيات الجيش وجعلها مدنية، لغرض تفكيكها والتخلص منها، والمرحلة الثالثة هي إسقاط السلطة الفلسطينية وتفكيكها، ثم التفرغ لحسم المعركة مع الإرهاب، ثم دفع وتشجيع الفلسطينيين على الرحيل، ثم عرض الجنسية الإسرائيلية على مَن يبقى من الفلسطينيين بشرط أن يقبل الخدمة في الجيش.

لأول وهلة، قد يبدو أنها "خطة وهمية وضعها مراهق سياسي"، لكن الاتفاقيات الائتلافية للحكومة وضعت الأسس لتطبيق هذه الخطة بالتدريج، وقد أصر سموترتش على ذلك، ومع أنه حصل على واحدة من أهم الوزارات (المالية)، طلب أن يكون وزيرا ثانيا في وزارة الدفاع لكي يتولى مهمات تعينه على تنفيذ خطته، ووافق نتنياهو على سحب هذه الصلاحيات من الجيش، رغم اعتراضات الأجهزة الأمنية، وأصبح سموترتش مسؤولا عن الإدارة المدنية، المسؤولة عن الحياة المدنية لسكان الضفة الغربية، بمن في ذلك المستوطنون اليهود وأيضا الفلسطينيون، وبدأ في تطبيق الخطة.

وما هجمات المستوطنين على البلدات الفلسطينية، حوارة وأخواتها الكثيرات، سوى جزء من تطبيق هذه الخطة، ورفيق سموترتش، إيتمار بن غفير، ينافسه في مساعيه، ويعمل على إقامة ميليشيات يهودية مسلحة في الضفة الغربية "إلى جانب الجيش".

وقد أعرب غالبية المشاركين في مؤتمر أبحاث الأمن القومي في تل أبيب في مطلع هذا الشهر عن قلقهم الشديد من هذا التوجه، وخرجوا بالاستنتاج أن "إسرائيل في ظل الحكومة الجديدة تعمل على إلغاء حل الدولتين وتركض نحو إقامة دولة واحدة"، ورأوا في الدولة الواحدة "خطرا ديمغرافيا وسياسيا وأمنيا على إسرائيل وتهديدا للعلاقات مع دول العالم المختلفة، بما في ذلك الأصدقاء والحلفاء والدول العربية التي تقيم علاقات معنا"، كما قال يورام كوهن الرئيس الأسبق للمخابرات العامة وغادي آيزنكوت، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق. وكلاهما يعتبران جزءا من حملة الاحتجاج وخطبا في مظاهراتها.

ممارسات المستوطنين تتم بحماية الجيش وهو نفسه يمارس عمليات قمع وتنكيل وقتل يومية، تؤجج الكراهية وتبعد الحلول السلمية.

إذن، لماذا لا تتطرق حملة الاحتجاج الى هذا الموضوع؟

أحد قادة المظاهرات فسر ذلك قائلا إن "هناك قرارا يبدو تكتيكيا ولكنه إستراتيجي، أن نتركز على موضوع القضاء، فنحن نريد شيئا يوحد الإسرائيليين من كل المشارب والاتجاهات، من اليمين واليسار ومن الأشكناز والشرقيين واليهود والعرب، ووجدنا أن الحرص على القضاء هو الصمغ الذي يوحدنا".

لكن، عندما قام المستوطنون المتطرفون بهجومهم على حوارة، ودعا سموترتش إلى محوها عن الأرض وصار حتى سياسيون وصحفيون إسرائيليون يشبهون هذا الهجوم بما حصل في ألمانيا سنة 1938، عندما هجم النازيون على اليهود وحطموا زجاج بيوتهم وحوانيتهم، وبدأت تتنامى حملة إدانة واسعة في العالم (تراجع سموترتش عن دعوته بعدها)، بدأ المحتجون يدركون أنهم لا يستطيعون تجاهل الصراع، فرفعوا شعارا ضخما يقول: "بالأمس حوارة وغدا إسرائيل"، وصرنا نرى شعارات أكثر تطرح قضية الاحتلال وتدعو للسلام، وبدأ الخطباء في المظاهرات يتحدثون عن "أخطار سياسة الحكومة التي تشعل الأرض من تحت أقدامنا في الضفة الغربية".

بالطبع، هذا لا يكفينا، خاصة أن ممارسات المستوطنين تتم بحماية الجيش وهو نفسه يمارس عمليات قمع وتنكيل وقتل يومية، تؤجج الكراهية وتبعد الحلول السلمية وتهدد بتفجير أكبر وأخطر، لكنها بداية مهمة، وتحتاج الى تشجيع وتطوير، وهذه ليست مهمة إسرائيلية فحسب، بل تحتاج الى خطوات عربية حكيمة، على الأقل من الفلسطينيين في إسرائيل وقيادتهم السياسية..

هذه ليست احتجاجات ليوم واحد ولمطلب بسيط، بل أصبحت أساسا لرؤيا إسرائيلية مستقبلية ذات شأن.

أخبار ذات صلة
ما الخطوات التي ستطبقها حكومة إسرائيل لاحتواء آثار غلق "سيليكون فالي" الأمريكي؟

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com