من الذي يدفن صفقة القرن؟
من الذي يدفن صفقة القرن؟من الذي يدفن صفقة القرن؟

من الذي يدفن صفقة القرن؟

تاج الدين عبد الحق

وضع فشل بنيامين نتنياهو المفاجئ في تشكيل حكومة جديدة صفقة القرن -المثيرة للجدل والتساؤلات-  في الثلاجة إلى شهر سبتمبر المقبل، وهو موعد إجراء الانتخابات المبكرة في "إسرائيل ". إذ لا يتوقع أن تتمكن حكومة تصريف أعمال منتهية الولاية وبرلمان منحل، من اتخاذ قرار بشأن صفقة،  تشكل بحجمها وتعقيدها تغييرًا جذريًّا، في اتجاه بوصلة الصراع العربي الإسرائيلي، ولا حتى تقديم وعود بهذا الشأن، في جو انتخابي محموم تكثر فيه المزايدات السياسية، والمماحكات الحزبية.

اللجوء لخيار الانتخابات المبكرة، أو الاستقالات المفاجئة، كان على الدوام من الأساليب التي اتبعتها إسرائيل للهروب من استحقاقات خاصة بالتسوية، ومبادرات خاصة بالحل.  لكن الفرق هذه المرة أن التسوية المطروحة المعروفة بصفقة القرن، مصممة على مقياس تل أبيب، وتلبي معظم ما كانت تطالب به وتصر عليه. بل إن إسرائيل قبضت الثمن مسبقًا، باعتراف أمريكي بالقدس عاصمة لها، واعتراف آخر بسيادتها على هضبة الجولان المحتل، فضلًا عن قرار الإدارة الأمريكية بوقف المساهمة في ميزانية غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينين " الأونروا " والذي يعد مقدمة لتصفية قضية اللاجئين التي كانت من أبرز القضايا التي وقفت منها إسرائيل موقفًا متشددًا .

انتخابات الكنيست الإسرائيلي، وتشكيل حكومة جديدة  بعدها، ستعني أن سنة 2019 ستنتهي دون أن يكون هناك أي خطوة عملية لترجمة ما تردد بشأن صفقة القرن، وأنها كانت رغم ما أثير حولها من نقاشات، وما  دار من توقعات، أقرب إلى "حكايات" ما قبل النوم التي يختلط فيها الخيال، بالرغبات والأماني، أو في أحسن الأحوال فرصة لشراء الوقت الذي تستطيع إسرائيل من خلاله استكمال مخططات التهويد ومصادرة ما بقي من الأرض الفلسطينية المحتلة .

وحتى الذين يمكن لهم الصبر، وانتظار ما ستحمله الانتخابات الإسرائيلية المقبلة، سرعان ما يجدون أنفسهم أمام التحضيرات لانتخابات الرئاسة الأمريكية، التي تتأجل معها كل المبادرات وكل المشاريع خاصة تلك التي لها علاقة بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة، وعلى وجه التحديد ما يتعلق بقضية الصراع العربي الإسرائيلي.

وإذا ما انتهت صفقة القرن إلى هذا المصير، فإن إحياء هذه الصفقة، في مرحلة تالية للانتخابات الإسرائيلية ومن ثم انتخابات الرئاسة الأمريكية، لن يكون ممكنًا، بل قد يكون مستحيلًا . فصفقة القرن -إن كانت موجودة فعلا، أو هناك حد أدنى من التوافق حولها- ارتبطت بمناخ سياسي قد لا يكون موجودًا أولا يعود مواتيًا، كما أنها ارتبطت بأشخاص متحمسين أكثر من ارتباطها بمؤسسات فاعلة.

ورغم الغموض الذي يعتري الصفقة والتباين الواضح بشأنها، فإن الجدل الذي دار خلال الأشهر القليلة الماضية يظهر أن هناك بين العرب من يتحمس للصفقة الموعودة، وأن هناك من هو مستعد للمخاطرة بقبولها والدفع بها، وهو ما قد يضع إسرائيل في زاوية لا تملك فيها إلا القبول الواضح أو الرفض الصريح بشكل يخالف طبيعة الدبلوماسية الإسرائيلية التي تتريث في القبول أو الرفض.

ربط صفقة القرن بمآل الانتخابات الإسرائيلية المقبلة، يعني إضافة المزيد من الغموض على مصيرها، وإشغال العرب والفلسطينين بالجدل حول قبولها أو رفضها لتستمر الدوامة التي عاشتها القضية الفلسطينية عقودًا، دون أن يلوح في الأفق حل مقبول أو أمل واضح .

هذا الأسلوب في التعاطي مع مشاريع التسوية يظهر الفارق بين العرب وإسرائيل . فرفض الأخيرة  أو قبولها لأي مبادرة سياسية حتى لو كانت غامضة وغير منصفة ولا مقبولة، يتم إسرائيليًّا عبر سيناريو سياسي  محكم يمكن تسويقه أو تبريره، فيما يأخذ الأمر لدى العرب طابعًا حديًّا لا يقبل التفسير ولا التبرير.

فإسرائيل التي لجأت مرارًا إلى لعبة الانتخابات ورهن مصير التسوية بخلافاتها الحزبية وأوضاعها الداخلية، هي من كانت تتريث في قبول أو رفض ما يقدم لها من حلول، حتى إذا ما فشلت مبادرة أو تعثر اقتراح للتسوية، سارعت إلى تحميل الجانب العربي المسؤولية، وسوقت موقفها دوليًّا على أنه مرونة إسرائيلية في مقابل تشدد عربي.

 ولعلنا في هذا المجال نذكر ما قيل في إحدى المرات، عن تنازلها عن 97 في المائة من الضفة الغربية في حين لم يلتفت أحد إلى أن النسبة الباقية التي كانت ستحتفظ بها إسرائيل، تعني الاستيلاء على القدس ومساحات واسعة لبناء المستوطنات. وذهبت تلك "الفرية" على أنها رفض فلسطيني لعرض إسرائيلي سخي.

وماحدث في تلك المرة لم يكن المناسبة الوحيدة التي فشل فيها العرب في تسويق موقفهم العادل، في مقابل موقف مجحف.

وأوضح الأمثلة التي استطاعت فيها إسرائيل استثمار الموقف العربي، لتثبيت كيانها وتوسيع جغرافيته، قرار التقسيم الذي صدر عن الأمم المتحدة في عام 1947 ورفضه العرب بصورة فورية وقاطعة، فيما سكت عن رفضه أو قبوله الإسرائيليون، ليدفن القرار ويصبح واحدًا من الفرص الضائعة التي يندم العرب عليها إلى اليوم.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com